مصالحة أزمة أم أزمة مصالحة .. “فتح و حماس” / جورج حدادين

جورج حدادين* ( الأردن ) السبت 14/10/2017 م …




*المبادرة الوطنية الأردنية …

أنقسم المجتمع الفلسطيني بين: مؤيد ومعارض ومتوجس من ” مصالحة” القيادات “الفتحاوية والحمساوية” برعاية نظام تابع، وهي حالة طبيعية جداً، ولكنها غير موضوعية، لماذا؟

للأسباب التالية:

علة وسبب أزمة العمل الوطني الفلسطيني تكمن في تجاهل قيادات العمل الوطني –  القيادات النافذة، وعلى امتداد النضال ضد مشروع الكيان الصهيوني – منذ إعلان المركز الرأسمالي العالمي، خطته إنشاء هذا الكيان على أرض فلسطين –  من أجل إنفاذ اتفاقية “سايكس – بيكو” للهيمنة على ثروات ومقدرات الأمة العربية، تجاهل معطيات وحقائق لا يمكن القفز عنها:

تجاهل القيادات النافذة طبيعة المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، بكونها مرحلة تحرر وطني، وتفادي صياغة مشروع تحرر وطني، ورفض بناء “حامل اجتماعي” لهذا المشروع التحرري، الذي يتشكل من كافة الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة، صاحبة المصلحة النهائية في إنفاذه، هذا التجاهل والرفض ليس وليد مرحلة محددة من عمر النضال الفلسطيني بل على امتداد عمر الصراع.

هذا التجاهل، لا بل هذا الإصرار المسبق على التجاهل والرفض، يأتي نتيجة رهان الوهم لدي القيادات الفلسطينية النافذة، سابقاً وما زال قائماً، على النظام الرسمي العربي، ومن أجل ذلك تم كسر الرابط بين النضال الوطني الفلسطيني ونضال حركة التحرر الوطني العربي، لتصرخ هذه القيادات النافذة  في نهاية المطاف ” يا وحدنا” أليس هذا مسار حتمي لمن يراهن على نظام تابع يقرر مصيره المركز المتبوع، الذي هو صاحب مشروع إنشاء الكيان الصهيوني، ومن كان يعتمد الفهلوة السياسية نهجاً للنضال، يصل حتماً إلى هذه الحالة البائسة.

من المفروض ومن الضرورة أن يشكل النضال الفلسطيني رأس الحربة في نضال حركة التحرر العربي، بسبب علة وسبب إنشاء الكيان الصهيوني على أرض وطنه، حيث فلسطين ضحية مقدمة مسبقاً في سياق ضحية دسمة متمثلة في الوطن العربي بكله، وحيث يأتي إنشاء هذا الكيان، في سياق مشروع الهيمنة على المنطقة، لاستغلال ثرواتها الطبيعية، ومقدراتها الوطنية، وموقعها الجيوسياسي وإلغاء تاريخية تراكمها الحضاري، بالرغم من كونه قمة الوهم، لأن الأمم التي تمتلك تاريخاً حضارياً لا يمكن إلغائها من التاريخ، ولا يمكن حجزها عن العودة لدورها الحضاري، مهما اكفهرت أجوائها، لا يؤمن بذلك إلا قوى متعالية على التاريخ، قوى المنظومة الرأسمالية، التي دخلت هي ذاتها في أزمتها النهائية.

في سياق تطور العملية النضالية الفلسطينية حصلت إفرازات يجب التوقف عندها لفهم ما يحصل اليوم:

  • عمر النضال الفلسطيني يناهز القرن من الزمن، أي أن شعب يناضل طيلة هذه الفترة ولم ينكسر ولم يستسلم، يعني أن المشكلة والمعضلة لا تكمن في استعداد هذا الشعب للتضحية اللامتناهية، بل في مكان آخر.
  • تفكيك بنية وهياكل النضال الوطني الفلسطيني الموحدة، لصالح بنى وظيفية مفككة وتابعة لإطراف خارجية، وتفتيت الهوية الوطنية الفلسطينية الموحدة إلى هويات فرعية مدمرة، وعزل كافة الشرائح الفلسطينية عن المساهمة في صنع القرار الوطني، وحصره في قوى متنفذة مرتبطة مع قوى خارجية، بالرغم من صراخها الكاذب حول القرار الوطني المستقل (نسخة عن قوى 14 آذار في لبنان) هو العلة والسبب في أزمة النضال الفلسطيني القائمة بالفعل وفي الواقع.
  • تهميش قوى الإنتاج الوطني الفلسطيني ، وتهديم قطاعات الإنتاج الوطني، لصالح الارتباط بسوق المحتل الصهيوني، وبالتالي رهن لقمة عيش المواطنين: إما للمعاش المقدم من السلطة، الذي بدوره يعتمد على المساعدات الخارجية، وإما لتمويل منظمات المجتمع المدني من الخارج، وإما الدفع بقوى الإنتاج الفلسطيني للانخراط في سوق العمل الصهيوني.
  • تعاطف وتلاحم الشعوب العربية مع النضال الفلسطيني غير محدود، بالرغم من خذلان القيادات الفلسطينية المتنفذة من نصرة محور المقاومة لاحقاً وحركات التحرر الوطني العربي سابقاً، وانحياز هذه القيادات لصالح النظام الرسمي العربي التابع.
  • تزييف الوعي الجمعي للمجتمع الفلسطيني ، تحت مقولة الحياد وعدم الانحياز في الصراع القائم على الأرض العربية، صراع التناقض التناحري بين حركة التحرر الوطني العربي، بكافة أطرافها المقاومة والممانعة والتحررية، من طرف، والمركز الرأسمالي العالمي وقوى التبعية الرسمية والحزبية والاجتماعية العربية والإقليمية، من طرف آخر، فهل هذا الموقف تعبير عن خطأ في المفهوم وفي التقييم وفي التقدير أم انحياز منطقي و طبيعي وحقيقي بسبب الموقع الاجتماعي لهذه القيادات.
  • عجز ” القوى الوطنية الفلسطينية” من صياغة مشروع تحرر وطني حقيقي ممثلاً بمتلازمة ” التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي” بديلاً عن مشروع اليمين الفلسطيني بطرفيه الديني واللبرالي، الذي أوصل النضال الفلسطيني إلى هذا الطريق المسدود، حيث الاستسلام والانصياع لإملااءات المركز الرأسمالي وقوى التبعية الرسمية العربية والإقليمية.

هل ” المصالحة” بين فصيلين تقاتلا من أجل اقتسام المكاسب الفئوية والمغانم الخاصة على حساب النضال الوطني والمجتمع الفلسطيني ، يضع النضال الفلسطيني على طريق النضال الوطني التحرري الحقيقي؟

هل إبقاء علة وسبب أزمة النضال الفلسطيني، بدون حل، حتى وبلا نقاشات وحوارات جادة حولها، سيسهم في وضع النضال الوطني الفلسطيني في المسار الصحيح؟

هل نموذج مصالحة الفصائل على أرضية المحاصصة، يشكل طريق الخروج من أزمة النضال الفلسطيني؟

هل الإبقاء على نموذج قيادة الشعب الفلسطيني ومشروع هذه القيادة بلا تغيير ولا تعديل، الذي ولد الانقسام وإعادة إنتاجه، يخدم مقولة إنهاء الانقسام إلى الأبد؟

السؤال الأهم الآن وليس غداً،

هل تأتي هذه المصالحة في سياق انتقال المركز الرأسمالي إلى خطة (ب) ، بعد فشل الخطة (أ) على صخرة صمود محور المقاومة في سوريا،وهي خطة سيطرحها “ترامب” تعتمد على مبدأ عزل إيران وحزب الله، عن النضال الوطني الفلسطيني، وهل هذه المصالحة هي مقدمة لذلك، إذ أعلن أكثر من طرف أن الولايات والمتحدة والكيان الصهيوني ، أعطيا الضوء الأخضر، ولن يعترضا على المصالحة بهذه الكيفية.

الحوار حول إنهاء الانقسام يجب أن يرتكز إلى الأسباب والعلل الحقيقية التي أدت إلى انقسام المجتمع الفلسطيني وليس حصرها بالانقسام الفصائلي.

يجب أن يأخذ الحوار بنظر الاعتبار المحاور التي تم ذكرها أعلاه، كونها الأسباب الحقيقية التي أوصلت النضال الفلسطيني إلى هذه الحال المرفوضة من كافة الشرائح الوطنية الفلسطينية والعربية، وإلى هذا الطريق المسدود.

الحوار يجب أن لا يكون تحت رعاية دولة تابعة، لا تملك قرار ها الوطني السيادي، بل تحت رعاية قوى التحرر العربي ومحور المقاومة، كونهما الأصدق والأكثر إخلاصاً للنضال الوطني الفلسطيني وأهدافه النهائية.

في المحصلة النهائية، يجب أن ينصب الحوار على حسم الخيار:

حركة تحرر وطني فلسطيني أم سلطة تحت الاحتلال.

” كلكم للوطن والوطن لكم”

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.