كيف انتصر الشعب الفيتنامى على أمريكا؟ / طلعت رضوان
طلعت رضوان ( السبت ) 14/10/2017 م …
ماذا قالت رئيسة الوفد الفيتنامى للجنرال الأمريكى؟
ولماذا رفضتْ تسليم الأسرى إلاّ بعد انسحاب الجيش الأمريكى؟
أعتقد أنّ تجربة الشعب الفيتنامى فى الحرب التى خاضها ضد قوات الاحتلال الأمريكى، طوال عدة سنوات ، ومع مراعاة الفوارق الجوهرية بين امكانيات القوات الأمريكية وامكانيات الشعب الفيتنامى ، ومراعاة أنّ أمريكا خرجتْ بعد الحرب العالمية الثانية ، باعتبارها أقوى دولة فى العالم ، ليس هذا (فقط) وإنما قرّر رؤساء أمريكا فى ذاك الوقت (مثل أيزنهاور ومن جاء بعده) احتلال العديد من الدول لنهب مواردها ، وكان مصير فيتنام المأساوى أنْ يكون الاحتلال مباشرًا ، أى ليس عن طريق الاستغلال السياسى والاقتصادى (كما فعلتْ مع بعض الأنظمة التى وافق رؤساؤها على التبعية المطلقة للرأسمالية العالمية) واختلف الأمر مع فيتنام حيث احتلال الأرض لتكون السيطرة كاملة ، بعد أنْ أدركتْ الإدارة الأمريكية أنّ الزعيم الفيتنامى هوشى– منه لن يكون مثل غيره من رؤساء الدول الذين لديهم (قبول التبعية للاستعمار)
تمثـــلتْ عظمة الشعب الفيتنامى فى عدة اعتبارات:
الاعتبارالأول : أنّ القوات الأمريكية أشعلتْ النار فى الحقول المزروعة بالخضروات والفاكهة، ولم تترك حقلا إلاّ وأحرقته. وأنّ هذه الحرائق شملتْ كافة المرافق الأساسية، مثل محطات المياه والكهرباء والكبارى والصرف الصحى والمصانع..إلخ، ورغم ذلك استمرّتْ الحياة واستمرّتْ المقاومة.
الاعتبارالثانى : أنّ روح المقاومة لدى الشعب الفيتنامى أملتْ عليه أنْ يتواكب مع مقاومة جيش الاحتلال (تحسين ظروف المعيشة قدر الامكان) فالحقل المحروق يتم إعادة تخصيبه أو البحث عن أرض بديلة تصلح للزراعة، والمرفق المُـدمـّـر يـُـعاد اصلاحه (ولو بأبسط الامكانيات) وهكذا فى باقى المرافق الأساسية. وذكرمن أرّخوا لتك التجربة أنّ الفلاحة الفيتنامية كانت تضع الفأس على كتف، والبندقية على الكتف الأخرى.
الاعتبارالثالث : الوعى بأهمية التعليم ، فإذا كانت الحرب ستطول فهل معنى ذلك أنْ تتوقف الدراسة فى المدارس؟ رفض الفيتناميون توقف الدراسة، فكيف يكون الحل؟ حفروا تحت الأرض وأنشأوا ما يـُـشبه فصول المدارس، ورسموا للمدرسين وللتلاميذ طريقة الوصول إلى هذه الأماكن السرية.
ولكننى أعتقد أنّ أهم اعتبارهو تلك الروح التى سرت فى وجدان وعقل الفيتناميين وأملتْ عليهم التشبث بخبرة الشعوب فى العصورالقديمة والحديثة فى مقاومة الغزاة (كما كان يقول هوشى- منه فى جلساته مع الشعب) ونتيجة ذلك بلورالشعب هدفه، وترجموا هذا الهدف واختزلوه فى جملة (المقاومة حتى النصر): ثلاث كلمات أشبه بترنيمة مقدسة، لاتتردد على الألسن وإنما تنبض بها القلوب فى صلواتها للحرية، وتلك الترنيمة المقدسة هى التى فجـّـرتْ الروح النبيلة والتى مكنت الشعب الفيتنامى ليس من الانتصارعلى أمريكا (فقط) وإنما اذلاله حيث أنّ أمريكا حشدتْ نصف مليون جندى وضابط بهدف احتلال فيتنام (إلى الأبد) وتصوّرالأمريكان أنّ هوشى- منه واليسارالفيتنامى سيخضون للرأسمالية العالمية، فكانت النتيجة أنّ الشعب الفيتنامى هوالذى انتصر، حيث بلغ عدد القتلى من الجيش الأمريكى58 ألف ضابط وجندى (وفق تقرير وزيرالدفاع الأمريكى آنذاك روبرت ماكنمارا) بخلاف الأسرى والمفقودين. وهذه الهزيمة الأمريكية تسببت فى هزيمة نفسية للشعب الأمريكى، وهى الهزيمة التى أطلق عليها الإعلام الأمريكى (عقدة فيتنام) وصدر بشأنها الكثيرمن الكتب والأفلام الأمريكية التى أدانت الإدارة الأمريكية والمؤسسة العسكرية الأمريكية على جريمة غزو فيتنام، وهى الأفلام التى أخرجها مخرجون من اليسارالأمريكى، وكان أشهرها فيلم (العودة للوطن) الذى اشتركتْ فيه النجمة (جين فوندا) بدورالبطولة، وهوالفيلم الذى ركزعلى الآثارالنفسية للضباط والجنود العائدين بعد الانسحاب الأمريكى الذليل من فيتنام. وأنّ الآثارالنفسية أشد مرارة من الجروح والتشوهات والعجزعن السير إلاّ بعكاز..إلخ
كان من حـُـسن حظ الشعب الفيتنامى أنه (بفضل الإعلام) وبفضل التيارالليبرالى الأمريكى الذى فضح سياسة أمريكا العدوانية/ الاستعمارية، خرج الشعب الأمريكى فى مظاهرات ضخمة وفى عدة مدن للتنديد بالسياسة الأمريكية الخارجية، واشتملتْ المظاهرات على نداء الأمهات والآباء لوقف العدوان ضد الشعب الفيتنامى، بعد أنْ شاهدوا جثث القتلى من الضباط والجنود الأمريكيين فى التليفزيون (الأمريكى) وما قرأوه من تحقيقات فى الصحف (الأمريكية)
شهد عام1975 أعظم مشهد تاريخى على قدرة الشعوب وعزيمتها الجبارة، لقهرالغزاة، لأنه العام الذى بدأ فيه انسحاب القوات الأمريكية من فيتنام. وعن هذا الانسحاب شهد العالم مشهدًا سجــّـله التاريخ بحروف من نور، وهومشهد (مفاوضات باريس) بين الوفد الأمريكى والوفد الفيتنامى، الذى رأسته سيدة فيتنامية (كانت قائدة لإحدى فصائل المقاومة) فى بداية المحادثات طلب رئيس الوفد الأمريكى استلام الأسرى الأمريكان، قبل انسحاب القوات الأمريكية. فقالت له رئيسة الوفد الفيتنامى: الانسحاب بلا شروط. كرّرطلب استلام الأسرى. قالت: إذا سلمناكم الأسرى فمن يضمن أنّ طائراتكم وقنابلكم ستتوقف عن حرق حقولنا ومصانعنا وقتل شعبنا؟ قال: هيئة الأمم المتحدة. قالتْ: نحن لا نثق إلاّ بسواعدنا وبنادقنا. وبعد أنْ ألح كثيرًا لتنفيذ طلبه، قالت له: سيدى الجنرال، لقد استطاع ضباطكم وضع الثعابين السامة فى فروج نسائنا، ولكنك لن تستطيع وضع أفكارك الأشد سمية فى رأسى. وحملتْ حقيبتها وغادرتْ المكان.
ونتيجة هذا الموقف الجاد والمبدئى من رئيسة الوفد الفيتنامى فى مباحثات باريس، اضطرالأمريكان إلى الرضوخ والانسحاب، وبعد انسحاب آخر جندى أمريكى، التزم القادة الفيتناميون بوعدهم وسلموا الأسرى للأمريكان.
ولأنّ الشعب الفيتنامى حريص على الاعتزاز بالروح القومية، لذلك تـمّ تسجيل جريمة أمريكا فى فيلم تسجيلى (وثائقى) وكانت المفاجأة المذهلة أنه بدأ البث على محطة بى. بى. س الأمريكية ابتداءً من يوم11سبتمبر2017. ومع ملاحظة أنّ الفيلم مكوّن من عشرة أجزاء.
وأعتقد أنّ هذا الفيلم يـُـعتبر أحد رموز الروح القومية، ورسالة وفاء لأرواح الشهداء الفيتناميين الذى بلغ عددهم8ر3مليون إنسان.
ورغم التدميرالأمريكى لكافة المرافق الفيتنامية، نجح الفيتناميون فى تجاوزالمأساة، وبعد سنوات قليلة أصبحتْ فيتنام دولة اقتصادية قوية، حيث ازدهرالعلم وتطبيقاته التكنولوجية. وعن تجربة شخصية: فى عام2006تركتُ سكنى القديم وانتقلتُ إلى مدينة6أكتوبر. اشتريتُ لمبات (فلوروسنت) وقرأتُ عليها بالحروف اللاتينية المحفورة (صـُـنع فى فيتنام)
التعليقات مغلقة.