وعد بلفور … نستدعي همم الرجال ولا نبكي على الأطلال / شاكر زلوم

 شاكر زلوم ( الأردن ) الأحد 15/10/2017 م … 

ذكرى وعد بلفور المئوية على الأبواب ,  في 2 تشرين الثاني\نوفبر القادم  يكون قد مضى عليها بالتمام مائة عام ,نستذكر المناسبة لنؤكد عزمنا على استنهاض الهمم لمحاربة الإستعمار ومنتجاته و لإزالة آثارها الكارثية على العرب  و أشقائهم من أهل البلاد في كل مكان على هذه الأرض , نستذكرها لا للبكاء على الأطلال بل لنستدعي همم الرجال للتصدي للإستعمار وصنيعة الإستعمار على أرض فلسطين , لم يتأتَ وعد بلفور من فراغ فالوعد ليس إلآ إجراء تنفيذي ثانٍ بعد معاهدة سايكس بيكو في العام 1916 حيث كانت الإجراء التنفيذي الأول لمقررات مؤتمر كامبل بنيرمان لدول الإستعمار الذي عقد في لندن وحمل اسم رئيس وزراء بريطانيا ( كامبل بنيرمان ) في العام 1907 ,تبعت ذلك إجرائات عملانية  أخرى في العام 1920 حيث عقد مؤتمر سان ريمو تلاه مؤتمر لوزان في العام 1923 , لم يكتفِ الإستعمار بالتقسيم بل عمد بعد ذلك لتقسيم المقسم,  في سبعينات القرن المنصرم أوكل الرئيس الأمريكي جيمي كارتر للصهيوني برنارد لويس مهمة تقسيم ما تبقى من دول مقسمة  بهدف ضمان أمن الكيان ولضمان من جهة ولاستمرار عملية نهب مواردنا بآن معاً .




بمؤتمر كامبل بنيرمان اتفق المستعمرون على تاسيس كيان دخيل في فلسطين في عمل جماعي متجاوزين محاولاتهم الفردية لقيامها . في استعراض للتاريخ الحديث للدعوات لإنشاء كيان يهودي في فلسطين كانت أولى الدعوات هي دعوة نابليون بونابرت لليهود للقدوم لفلسطين , بعد عام من حملة نابليون على مصر في 1798 كانت حملته الثانية على فلسطين لإحتلالها , عند وصوله لعكا كسرته عكا , في عكا خطب نابليون في يوم 4 نيسان/ أبريل من العام 1799م. , دعى نابليون لقيام كيان يهودي في فلسطين , ورد في خطبته رسالته لليهود للعودة لفلسطين فقال :

يا ورثة فلسطين الشرعيين
الأمة العظيمة تناديكم
لتستردوا ما سلب منكم بالغزو
أسرعوا
لقد حانت اللحظة للمطالبة باسترداد حقوقكم المدينة
وكيانكم السياسي كأمة إلى الأبد . “

ورثة فلسطين المعني بهم اليهود, هُزم نابليون على أسوار عكا فكانت هزيمته على أسوارها  تعبير عن فشل مشروعه باحتلال فلسطين فكان ذلك أيذانا ببدء هزائمه التي توالت حتى, هزم بعد ذلك نابليون في مصر وتوالت هزائمة فهزم في حملته على روسيا في العام 1812م. وانتهت حياته السياسية بهزيمته العسكرية في حربه مع بريطانيا بمعركة ووترلو في العام 1815  , مات نابليون بعد ذلك و هو منفيٌّ في جزيرة هيلانة في العام 1821م.,تولت بريطانيا محاولة إنشاء كيان يهودي في فلسطين , في العام 1840 أرسلت بريطانيا رسالة للسلطان العثماني تطالب بدولة لليهود في فلسطين , بتاريخ 11\8\1840 كتب وزير خارجية بريطانيا بذلك الوقت “بالمرستون” رسالة أرسلها بواسطة سفير بريطانيا في اسطنبول اليكم ملخصها: ( فإذا عاد الشعب اليهودي تحت حماية ومباركة السلطان , فسيكون في هذا حائل بين محمد علي ومن يخلفه وبين تحقيق خطته الشريرة في المستقبل ) خطة نابليون كانت وحدة مصر مع بلاد الشام ,,  في العام 1878 تم تأسيس مغتصبة (بتاح تكفا) في فلسطين فكانت هي البدء العملي لتاريخ تأسيس المغتصبات الصهيونية على الأرض الفلسطينية بتمويل من اثرياء أوروبيين صهاينة , تم جلب 3000 مستوطن يهودي من شرق أوروبا الى فلسطين بالتعاون مع موظفي الباب العالي العثماني بمقابل رشى , في العام 1897 كان المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية , توالت مساعي الاستعمار حتى حصل مؤتمر دول الإستعمار في لندن  والمعروف باسم مؤتمر (كامبل بانيرمان) ما بين الأعوام (1905-1907) ليكون العمل جماعياً لا فرديا كما كان قبل المؤتمر , لم تكن دعوة انشاء كيان يهودي في فلسطين تحقيقاً لنبوءة توراتية بل لغايات استعمارية فمعظم المنادين لإقامة كيان يهودي في فلسطين هم من الملحدين اليهود ومن المستعمرين من غير اليهود, كيف لمن لا يؤمنون ولا بتوراته تحقيق نبوئات توراتية؟! واقع الحال أن مصالحهم التقت على إنشاء الكيان (اسرائيل) , أما ماهو جوهر مصالحهم حسب خلاصة مؤتمر كامبل بانيرمان وحسب ما تحقق على أرض الواقع و أكده الواقع العربي والإسلامي القائم فهو كما ورد بوثائق المؤتمر مقدمة تبين هواجس المؤتمرين وهم بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، بلجيكا وهولندا، لقد استعان المؤتمرون بكبار علماء من مختلف التخصصات منهم من اختص بالتاريخ و بعلوم الاجتماع والاقتصاد والزراعة والجغرافيا والبترول. استعرض المؤتمرون الأخطار التي يمكن ان تنطلق من تلك المستعمرات التابعة لدول الإستعمار ، فاستبعدوا قيام مثل تلك الأخطار في كل من الهند والشرق الأقصى وأفريقيا والمحيط الأطلسي والمحيط الهادي، نظراً لانشغال تلك المجتمعات بالمشاكل الدينية والعنصرية والطائفية، و لبُعدها عن العالم (المتمدّن) ,لم يعطِ المؤتمر الأهمية لتلك الدول بينما اعتبر المؤتمرون أن مصدر الخطر الحقيقي على الدول الاستعمارية يكمن في المناطق العربية من الدولة العثمانية، لا سيما بعد ان أظهرت شعوبها يقظة سياسية ووعياً قومياً ضد التدخل الأجنبي والهجرة اليهودية. كما ان خطورة الشعب العربي تأتي من عوامل عدّة يملكها والتي تتمثل في وحدة تاريخه و لغته و ثقافته وكما الأهداف والآمال و الطموحات التي تجمعه . وللحد من هذه الأخطار على مصالح المستعمرين ولضمان نهبهم لموارد بلادنا قرروا إنشاء كيان دخيل في فلسطين عرف فيما بعد باسم (اسرائيل) .اي أن هدف إنشاء الكيان الوظيفي في فلسطين هو ضمان استمرار نهب شعبنا العربي كله لا الفلسطينيين وحدهم .

ان سبب استهداف فلسطين دون غيرها هو لكونها خاصرة العرب و لموقعها الجيواسراتيجي ,  ورد  بتمهيد مؤتمر كامبل ما نصه : إ ن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي لدولهم لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم ، وأيضا لكونها مهد الأديان والحضارات”. والإشكالية في هذا الشريان هو أنه : ” يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان“.

ولهذا قرر المؤتمرون أن لا بد من حرمان الشعوب العربية والإسلامية من العلوم والمعرفة كما ورد نصاً بقرارات المؤتمر عن ضرورة إبقاء شعوب منطقتنا مفككة , جاهلة و متأخرة، وبناءً على ذلك قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة إليهم إلى ثلاث فئات :

·        الفئة الأولى: ( دول الحضارة الغربية المسيحية (دول أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا) والواجب تجاه هذه الدول هو دعمها ماديا وتقنيا لتصل إلى مستوى تلك الدول

·        الفئة الثانية: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديدا عليها (كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديدا عليها وعلى تفوقها.

·        الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديدا لتفوقها (وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام) والواجب تجاه تلك الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية. و من هنا يمكننا تقدير اسباب رعب الغرب وجنونه من التطور العلمي في ايران , و من هنا يمكننا تفسير سبب تدمير مفاعل تموز وما قيل عن تدمير مفاعل دير الزور في سوريا بأوقات سابقة , كما يمكننا ايضاً تفسير عمليات اغتيال العلماء المصريين في الستينات و م بعد ذلك و وصولاً للقتل الجماعي لعلماء العراق وسوريا على يد مخابرات أمريكا و الموساد ,

من ما سبق نجد أن وعد بلفور اتى في سياق تننفيذ مقررات مؤتمر كامبل بانيرمان وأن المستهدفين هم العرب والمسلمين لا الفلسطينيين كجزء من الشعب العربي ومن هنا نستطيع أن نقدر جريمة ما قامت به بعض القيادات الفلسطينية من اختزال للقضية الفلسطينية وتحويلها من قضية عربية ,اسلامية أممية وانسانية لقضية بأفق ضيق ومن هنا نستطيع أن نقدر سبب غياب القضية عن الوجدان العربي والإسلامي , إن قضية تحرير فلسطين ليست منوطة ببعض التنظيمات الفلسطينية بل بمجل حركات التحرر في الوطن العربي والعالم وبمحور قوى المقاومة , أنهي من حيث بدأت أن مناسبة وعد بلفور هي لإستنهاض الهمم لا للبكاء على الأطلال بل هي مناسبة لإعادة القضية الفلسطينية لمسارها الصحيح ولفضائها الحقيقي لا الوهمي

  • شاكر زلوم ,, كاتب وباحث  . 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.