الأردن .. تقرير هام لـ “الاقتصادي والاجتماعي” يرصد ويحلل آثار التطورات الإقليمية على الأردن

الأحد 15/10/2017 م …




الأردن العربي – أعد المجلس الاقتصادي والاجتماعي، تقريرا حول آثار التطورات والأحداث الإقليمية التي جرت منذ أوائل عام 2011 وحتى آب 2017، اي مع بداية ما سمي بـ «الربيع العربي» على الاقتصاد الأردني، حيث تم رصد الوقائع في المجالين السياسي والاقتصادي في هذه الفترة، ثم يستعرض التقرير بالتفصيل، الآثار المباشرة وغير المباشرة لتلك الوقائع على كلّ من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، والدخل الحقيقي للفرد، والسياسة النقدية، والإنفاق الحكومي، واحتياطيات النقد الأجنبي؛ وكذلك أثرها على قطاعات الزراعة، والسياحة، والصناعة؛ وانعكاسها على واقع الموارد الطبيعية (الطاقة والمياه) ومستقبلها؛ وتأثيرها على نِسب البطالة والتضخم؛ ونتائجهما القريبة والبعيدة المدى على حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتحويلات المغتربين والتجارة الخارجية.

ويقدم التقرير تحليلاً موضوعياً يعتمد على البيانات الإحصائية الرسمية، وتطرح في نهاية كل قسم منه توصياتٌ حول المسارات السياسية المقترحة، كما يطرح في نهاية التقرير نموذج لمصفوفة تهدف إلى تقييم نوعية الأداء وتحليل آثار التطورات الجارية والمستقبلية.

ويرمي التقرير إلى متابعة آثار التطورات الإقليمية على الاقتصاد الأردني. ويعد التقرير نقطة مرجعية لدراسات لاحقة منتظمة ومستمرة يأمل المجلس بالاستمرار في إعدادها لمتابعة آثار التغيرات الخارجية على الاقتصاد الاردني، وليتم بعد ذلك استنباط القضايا الرئيسية والتوجهات الاستراتيجية حسب أفضل الممارسات العالمية الملائمة للأردن، وثم وضع سيناريوهات، وسياسات اقتصادية ينبثق عنها استراتيجيات وخطط عمل مستقبلية قابلة للتطبيق..ويهدف إلى تقييم نوعية الأداء.

وتكمن قيمة التقرير في التقييم المقارن للأحداث والآثار الاقتصادية الكلّية اللاحقة، يضاف إلى ذلك أن السياسات والتوصيات المقترَحة تتسم بالعمومية، وقد تبدو بالتالي مكرَّرة، لأن المجلس الاقتصادي والاجتماعي يعتقد أن رسم السياسات وإقرارها يتطلب مشاركة جميع الأطراف المعنية.

ورغم أن التحليل يتركز على الأحداث التي وقعت بين عامَي 2011 و2017، فإن جانباً منه يتطرق إلى فترات سابقة، من أجل تبيان المنعطفات التي مرّ بها الوضع الاقتصادي، وصولاً إلى العام 2011، مع استمرار التركيز على الفترة الخاضعة للتحليل.

ويؤكد التقرير ان الأردن واحداً من أكثر الاقتصادات انفتاحاً في الشرق الأوسط، كما يعدّ من أكثر الدول اعتدالاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الحافلة بالاضطرابات، ويقع الأردن في قلب الاقليم، فإن للتطورات الإقليمية آثاراً متعددة الجوانب على الوضع في الأردن تشمل جميع جوانب الحياة (الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية). كما إن الأثرَ الكلّي لهذه التطورات متعددُ العناصر، وينعكس بدرجات متفاوتة من الحدّة على المناطق الجغرافية في المملكة.

وبالإضافة إلى ذلك، يمثّل الأردن واحة للاستقرار السياسي في منطقة تسودها الصراعات والفوضى.

ومن ناحية السياسات، تتمثل الأولوية الأولى في تحديد وتحليل وتقدير حجم التأثير الحاصل بسبب التطورات الإقليمية، وكذلك الجوانب والمجالات التي يطالها هذه التأثير. ولا شكّ أن السياسات الوطنية حاولت التعامل مع التطورات الإقليمية الشائكة. لكن الخطوة الأولى في تصميم سياسات أفضل هي فهم التفاعل والتأثير المتبادل بين السياسات والتطورات الإقليمية والمتغيرات التي أثّرت فيها هذه التطورات، وتقييم تداعياتها الفعلية بطريقة شمولية.

ويوفّر التحليل مقياساً لتقييم نوعية الأداء لأغراض المستقبل، وللمتابعة، والرقابة، والتكهن بالاتجاهات والتفاعلات بين التيارات المحلية، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. كما إن ردود الفعل السابقة -سواء أكانت سلبية أم إيجابية- تجاه الأحداث المفاجئة والمتوقّعة، تشكّل تجربةً تراكمية يمكن الاستعانة بها، بل والتعلّم منها عند تصميم السياسات في المستقبل.

ومن شأن التحليل أن يقدم نظرة شمولية، مما يجعل منه نقطة مرجعية في المستقبل. يضاف إلى ذلك أن التحليل يحدد المتغيرات الأساسية التي ستجري متابعتها، كما يقدم نماذج تفسيرية توضح التفاعل والتأثير المتبادل بين العوامل المحددة. وستشكل هذه العناصر بمجموعها، ركيزة لإعداد السياسات في المستقبل. وهو ما يهدف هذا التقرير إلى تحقيقه.

يتضمن المحور الأول من التقرير، تلخيصاً موجزاً للتطورات في الإقليم منذ عام 2011، حيث يتم وضع تعريف مختصَر لكل حدث إلى جانب تاريخ وقوعه. ثم يتم رصد أبرز المحطات في مسيرة الحركة السلفية في الأردن، والتعريف بأسباب نشوئها اعتماداً على دراسات منشورة ومعتبَرة في هذا المجال.

ويلقي المحور الثاني، نظرة إجمالية شمولية على جميع القطاعات التي تسهم في تغيير النمو الاقتصادي. ويبين هذا المحور تأثيرات معدل التغيّرات في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، المستخلصة من نتائج حرب الخليج الثانية (1991) حتى الآن. كما يتتبّع التغيّرات في الدخل الحقيقي للفرد خلال الفترة الممتدة من عام 2011 إلى الوقت الحاضر، ويسلط الضوء على العوامل الخارجية التي أدّت إلى عدم الثبات في هذا السياق. ويتركز البحث بعد ذلك على مسـألتَي السياسة النقدية والإنفاق الحكومي لتحديد الكيفية والأسباب التي أدت إلى تغييرهما ولإبراز مساهمتهما في مجمل النموّ في الأردن. كما يتناول هذا المحور موضوع الدَّين العام واحتياطيات النقد الأجنبي قبل إطلالته على واقع الحال والمؤشرات الأساسية في قطاعات الزراعة، والسياحة، والصناعة.

ويُخصَّص المحور الثالث من التقرير للموارد الطبيعية في الأردن، من حيث استثمارها واستغلالها واستخلاصها.

ويقدم المحور الرابع شرحاً توضيحياً لاتجاهات ونسب العمالة والبطالة، ويبين بالتفصيل معدلات البطالة السنوية والربعية، ويعاين الزيادات الحادة وأسبابها في كليهما.

أما المحور الخامس، فيبين الاتجاهات التضخّمية للقطاع الاقتصادي في الأردن. وتُقَدَّم هذه الاتجاهات على أساس مؤشر السعر للمستهلك ومؤشر السعر الزراعي على السواء، ويجري تحليلها جنباً إلى جنب مع الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومة الأردنية مع صندوق النقد الدولي.

ويحدّد المحور السادس، العوامل الخارجية التي أسهمت في إحداث التغييرات في الاقتصاد الأردني، عن طريق استقصاء التغيّرات في حجم الاستثمار الأجنبي المباشر، والتحويلات النقدية والتجارة الخارجية، ويخلُص التقرير إلى استحداث مصفوفة نوعية موجزة في المحور السابع، تلخّص نتائج أهم البحوث التي أُجريت في هذا المجال، وترصد التطورات الإقليمية وتأثيراتها على الأردن، ليتسنّى تحديد المواضع التي يمكن البدء بها لإجراء إصلاحات وعلاجات فورية وعلى نطاق واسع.

ورصد التقرير التطورات الإقليمية (2011-2017) ويعرض سجلاً زمنياً مفصَّلاً للأحداث الإقليمية الأساسية التي شهدتها الفترة الممتدة بين شهرَي كانون الثاني 2011 وآب 2017، والإشارات/ القرارات/ الأفعال التي برزت داخلياً خلال تلك الفترة. يلي ذلك تحليلٌ موجَز لنشوء الفكر الأصولي السلفي في الأردن، نتيجة للتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة. ثم يقدَّم رصدٌ للأزمة الخليجية (قطَر)، التي ما زالت في بدايتها، والتي ستتحدَّد آثارها مع انكشاف المزيد من جوانبها ومساراتها في المستقبل.

النمو الاقتصادي

إن معدل النمو الاقتصادي الحقيقي، هو المؤشر الأبرز في قطاع الاقتصاد، بل إنه أكثر المؤشرات شمولاً لأنه يلخص جميع الأنشطة الاقتصادية من حيث قيمتها المضافة عاماً تلو آخر. ومن الجدير بالذكر أن معدل النمو سريع التأثر بالصدمات الخارجية وعلى نطاق واسع، وبخاصة عند صدمات العرض والطلب.

وما لم يتحقق استقرار النمو وباتجاه تصاعدي على مدى سنوات، فإن من المتعذر القول إن الاقتصاد قد غدا أكثر نمواً. وتدلّ الذبذبات الناجمة عن الأحداث والتطورات الخارجية، صعوداً وهبوطاً، على تدهور الاقتصاد وافتقاره إلى النمو.

وينبغي ألّا يكون للتطورات الإقليمية أيّ تأثير على النمو في حال توفرت الإدارة الاستراتيجية للاقتصاد. والعكس صحيح بطبيعة الحال.

الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي

نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل سنوي بلغ 5.3% خلال الفترة بين عامَي 1993 و1995، وهي الفترة التي تلت مباشرة عودة الأردنيين من الخليج في أعقاب حرب الخليج الثانية. ومن الجدير بالملاحظة أن هذه الفترة تمثل بداية انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 14.35 % عام 1992، وهو العام الذي شهد عودة 200 ألف أردني من الكويت وهم يحملون مدّخراتهم قبل أن يعملوا على مضاعفة حجم الاستثمارات في الأردن.

وكان من المتوقّع أن الانخفاض المفاجئ في معدل النمو بنسبة 10% سيكون بمثابة إنذار بما سيحدث لاحقاً، غير أنه لم يكن كذلك. كما إن الذبذبات خلال عام واحد، صعوداً وهبوطاً، كانت ناتجة عن أن النسبة الكبرى من المدخرات قد استُغلّت في المشاريع العقارية، وهذا هو السبب المعهود للنمو السريع، غير أنه لم يؤثر بصورة دائمة على الاقتصاد بعد الانخفاض الذي وقع في العام 1994. فقد انتعش الاقتصاد مرة أخرى عندما أبرم الأردن اتفاقية سلام مع إسرائيل في شهر تشرين الثاني من ذلك العام، فحقق معدلَ نمو يبلغ 6.2% سنوياً جراء التفاؤل الذي شاع آنذاك .

كانت الفترة الثانية الأكثر أهمية هي الفترة بين عامَي 1996 و1999. واتسمت بمعدلات نمو مخيّبة بدأت بـ 2.1% في عام 1996 وبمعدل نمو يعادل 2.9% خلال تلك المدة. وحدث في عام 1996 تطورات إقليميان؛ إذ اتخذت حكومة بنيامين نتنياهو، وخلال الفترة بين عامَي 2000 و2003، بلغ معدل النمو 4.9% سنوياً. وكان للانتفاضة الفلسطينية الثانية التي بدأت في شهر أيلول لعام 2000 وامتدت حتى شهر شباط عام 2005، تأثيرات مبكرة على الأردن.

لقد سيطرت حرب الخليج الثالثة على الفترة بين عامَي 2004 و2009، وارتفع معدّل النمو الاقتصادي في الأردن ليبلغ 7.6% سنوياً. وتدفق الأثرياء العراقيون على الأردن ودشّنوا مرحلة من النمو المهم استمرت حتى الربع الثالث من العام 2008. وفي العام 2004، أعلن الأردن أنه نفذ ستة من البرامج الإصلاحية التي اقترحها صندوق النقد الدولي. وعلى الرغم من توقف دعم النفط الوارد من العراق للأردن، إلّا أن الآثار السلبية لذلك توارت بسبب مشاريع الأثرياء والحرفيين العراقيين الذين تدفقوا على الأردن بحثاً عن الأمن والأمان. وحقق الناتج المحلي الإجمالي الزيادة الأعلى في عام 2005 حين ارتفع بنسبة 8.6%، ثم ارتفع بنسبة 8.1% سنوياً في عامَي 2006 و2007، ثم ما لبث النشاط الاقتصادي أن بدأ بالانخفاض مع الربع الثالث من العام 2008 بسبب ما أصبح يُعرف بـ «أزمة سوق الأوراق المالية» التي اندلعت مع انهيار بنك «ليمان بروذرز» في آب 2008، وبداية الأزمة المالية الدولية.

ودخل الاقتصاد الاردني في العام 2009 مرحلة من تباطؤ النمو، وتناقص الاقتراض البنكي لأن السياسة النقدية اتجهت إلى تخفيض الإنفاق والمزيد من التبصّر. وشحت الأموال (ففي عام 2009، كان معدل النمو في الإقراض للقطاع الخاص المقيم 1.3%، وهو معدل متواضع جداً إذا ما قورن بمعدلات السنوات السابقة). وفي شهر آب من للعام 2009، أعلنت الدول متقدمة النمو نهاية أزمة الاعتمادات المالية العالمية، فيما كان الأردن يوشك على الانغماس فيها ويبدأ فترة اتسمت بتدنّي معدلات النمو بصورة حادّة.

وشهد معدل النمو مزيداً من الانخفاض خلال العام 2012، ليبلغ 2.3%، وقد مثّل ذلك هبوطاً كبيراً في الناتج المحلي الإجمالي بالمقارنة مع معدل النمو الذي شهدته الفترة السابقة، ويمكن أن يعزى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، جزئياً، إلى تناقص الاستثمار الأجنبي المباشر (الذي وصل مستواه إلى 1.2 مليار دينار في العام 2010، وهو الأدنى منذ 2005).

وشهد عام 2012 بداية تأثيرات الأزمة السورية على الأردن، عندما دخل 100 ألف سوري الأراضي الأردنية وانخفض إلى النصف التبادلُ التجاري مع سوريا (وكانت 40% من التجارة الأردنية تمر آنذاك عبر الحدود السورية)، واستمر منذئذٍ تدفق اللاجئين إلى الأردن مع بروز مؤشرات على تأثيرات حادّة على الاقتصاد الأردني.

كانت دول مجلس التعاون الخليجي قد تعهّدت في عام 2012 بحزمة من المعونات تبلغ قيمتها 3.5 مليار دينار لمشاريع تنموية على مدى 5 سنوات، وتتشارك فيها السعودية، ودولة الإمارات، والكويت، وقطر. وبلغ إجمالي ما تسلّمه الأردن من هذه المنحة حتى أواخر عام 2016، حوالي 1.66 مليار دينار فقط. إذ حولت السعودية 524.94 مليون دينار، والكويت 721.4 مليون دينار، ودولة الإمارات 415.4 مليون دينار. وبحلول عام 2016، بلغ مجموع المنح التي تعهّد بها المانحون 2.469 مليار دينار.

بقي معدل النمو منخفضاً، وبلغت نسبته 2.8% في عام 2013، وأعلنت الحكومة أنها ستتخذ ترتيبات احتياطية مع صندوق النقد الدولي من شأنها تقديم قروض للحكومة إذا تمت الإصلاحات بالفعل. وشهدت الفترة الممتدة بين عامَي 2010 و2013 اقتصاداً ضعيفاً في غمرة تقلبات «الربيع العربي» وتفاقم الأزمة في سوريا، ثم في العراق مع انتشار تنظيم «داعش»، الأمر الذي أثّر على الأردن في ظلّ استمرار تدفق اللاجئين وعدم الاستقرار في المنطقة.

وباختصار، فإن ما يسمّى «برنامج الإصلاح الاقتصادي» المرتبط بصندوق النقد الدولي، زاد من تعقيدات المشكلة من خلال توجّه الحكومة إلى خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات، لسد عجز الموازنة العامة والمديوونية كأولوية عوضاً عن البحث في زيادة النمو الفعلي للاقتصاد. وإذا أخذنا بالاعتبار أن الاقتصاد قد شهد خلال السنوات الأخيرة معدلات نمو متدنية، فإن زيادة الضرائب والرسوم من جانب الحكومة قد تعمّق حالة الركود وتولّد مخاطر سياسية إضافية.

الدخل الحقيقي للفرد

من المهم مناقشة قضية معدل الدخل الحقيقي للفرد في الأردن في الفترة 2011-2016. فبالإضافة إلى المعدلات الإجمالية للنمو الحقيقي، فإن التغيرات في دخل الفرد توضح لنا ما إذا كان معدل الدخل قد تأثر بالمتغيرات الإقليمية، ولحساب النمو في دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، فإن نمو السكان يُطرح من معدل النمو الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي، لتحديد ما إذا كانت هناك زيادة أو نقصان بالمعنى الحقيقي على مستوى الفرد. ويقدم الشكل (2) بيانات وأرقاماً ذات دلالة تم استخلاصها من مصادر رسمية.

عند انطلاق «الربيع العربي»، كان دخل الفرد قد بدأ بالنمو بمعدل سلبي، وازداد الأمر سوءاً مع تدفق اللاجئين، وارتفاع أسعار الطاقة، وإغلاق الحدود مع سوريا والعراق. وفي عام 2016، انخفض معدل دخل الفرد بنسبة أقل بعد انحسار معدل تزايد السكان جراء انخفاض حجم تدفق اللاجئين إلى الأردن، وعلى العموم، تميزت تلك الفترة بانخفاضات حادة في الدخل الحقيقي للفرد.

السياسة النقدية – الإنفاق الحكومي

عرض التقرير تحليلاً للإنفاق الحكومي الإجمالي خلال الفترة بين عامَي 2005 و2016. ويغطي التحليل ثلاث فترات متميزة هي: (2005-2007) التي اتسمت بمعدلات نمو عالية في أعقاب الغزو الأميركي للعراق، ثم (2012-2016)، التي شهدت توسّع موجة «الربيع العربي»، والأزمة السورية وتدفق اللاجئين، وإغلاق الحدود مع سوريا والعراق، وحزمة صندوق النقد الدولي الإصلاحية، وتجدر الإشارة إلى أنه تم استثناء عام 2011 والتعامل معه بشكل منفصل.

الدَّين العام

عند تحليل الدين العام، لا بدّ من تغطية الفترة 2004-2016 ليتسنى لنا إبراز بعض الأحداث المحورية قبل عام 2010، أي قبيل انطلاق «الربيع العربي» وما استتبعه من أحداث وتطورات، وتغطي البيانات إجمالي الدين العام ونموّه كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وإجمالي الدين المحلي ونموه كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وإجمالي الدين الأجنبي ونسبته المئوية من الناتج المحلي الإجمالي.

يتبيّن من نظرة سريعة أن إجمالي الدين المحلي قد تزايد بمعدل سنوي بلغ 1435.5 مليون دينار خلال الفترة بين عامَي 2005 و2006. وخلال الفترة نفسها، زاد إجمالي الناتج المحلي الاسمي بمعدل بلغ 1489 مليون دينار؛ أي بفارق يعادل 53 مليون دينار فقط، ومن جهة أخرى، وخلال الفترة نفسها، زاد الدين المحلي بمعدل سنوي بلغ 1045 مليون دينار، والدين الأجنبي بمعدل 381 مليون دينار.

احتياطيات النقـد الأجنبـي

تتشكل احتياطيات النقد الأجنبي في أي دولة من الفرق في ميزان المدفوعات عندما تُطرح دفعات الدولة إلى دولة ما من الدفعات التي يجري تسلّمها من دول أخرى. وبسبب التوازن التجاري السلبي في الأردن، حيث تزيد قيمة الواردات عن قيمة الصادرات بمقدار كبير جداً، فإن احتياطيات النقد الأجنبي التي يولدها الميزان التجاري تقابلها (جزئياً) التحويلاتُ المالية، والاستثماراتُ الأجنبية المباشرة، وعائداتُ السياحة. ثم إن الأردن، وهو متلقٍّ أساسيّ للمساعدات على هيئة قروض ومنح، يودِع المعونات، التي تكون عادة بعملة أجنبية في البنك المركزي الأردني، ويقترض على أساسها بالدينار، ومن هنا فإن المساعدات، بالإضافة إلى عوامل أخرى، تولد التوازن في احتياطيات النقد الأجنبي.

الزراعة

يمثل القطاع الزراعي أقل من 4% من الناتج المحلي الإجمالي (بلغ المعدل 3.31% بين عامَي 2012 و2016)، وهو يوظف أقل من 3% من القوى العاملة. ويعاني هذا القطاع من كون الأردن من أفقر عشر دول في العالم في مصادر المياه، والأفقر بالتأكيد من حيث تجاوز الطلب لمستوى العرض، الأمر الذي أسفر عن تخفيض حصة الفرد من المياه. ومع ذلك، فإن الزراعة تبقى قطاعاً مهماً، لأن كثيراً من الفئات المعرّضة للمخاطر تعتمد عليه كمصدر للدخل.

السياحة

بفضل ما يتمتع به الأردن من تراث ثقافي غني، وموقع مركزي في الشرق الأوسط، ومناخ دافئ وتنوع في التضاريس، فإن القطاع السياحي بقي على الدوام ركناً أساسياً في الاقتصاد الأردني. غير أن الأحداث في السنوات الأخيرة، مثل أزمة الاعتمادات المالية العالمية في عام 2009، وثورات «الربيع العربي» في العام 2011، بينت بصورة جلية أن الأردن سريع التأثر على نحو خاص بالتقلبات في البيئة الاقتصادية الدولية والاضطرابات الإقليمية.

الصناعة

تراجع النمو في الصناعات التحويلية بعد ارتفاع مفاجئ في عام 2004، نظراً لزيادة الإنتاج بقصد التصدير إلى العراق خلال الفترة بين عامَي 2005 و2016، لأن القسط الأكبر من أموال العراقيين الذين وفدوا إلى الأردن على إثر الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 تركّز على الاستثمار في قطاع العقارات. وكان من نتائج ذلك أن الجهد انصبّ على تحويل استثمارات الأردنيين وأبناء الجنسيات الأخرى من القطاع الصناعي «الوليد» إلى استثمارات أسهل وأكثر ربحاً في مجال العقارات. وشهدت بقية هذه الفترة معدلات نمو منخفضة عندما ارتفعت أسعار الطاقة وأصبحت الصناعة التحويلية أقل تنافسية.

الموارد الطبيعية

يبيّن التقرير الذي أصدره البنك الدولي في شهر أيار 2016 بعنوان «درجة حرارة مرتفعة ومناخ جاف: تغير المناخ والمياه والاقتصاد»، آثار التغيرات المناخية على دورة المياه والآثار اللاحقة على النمو الاقتصادي في المناطق المختلفة في العالم.

ويحذّر التقرير من أن انخفاض كميات المياه العذبة والمنافسة من جانب الاستخدامات الأخرى كالطاقة والزراعة على سبيل المثال، سيؤديان إلى تناقص الماء المتاح في المدن بما يعادل الثلثين بحلول عام 2050 بالمقارنة مع الوضع في عام 2015. ويؤكد التقرير أن المخاطر التي ينطوي عليها انعدام الأمن المائي في المستقبل قد تفضي إلى النزاعات، وربما إلى ارتفاع حاد في أسعار الغذاء بسبب الجفاف، وتؤدي إلى الهجرة.

ويوضح التقرير أنّ أيّ نقص في إمدادات المياه سيؤثر بالتالي على نمو الاقتصادات، لأن الماء عنصر جوهري في جوانب الاقتصاد جميعها، بما فيها الصناعة، والزراعة، والطاقة.

الطاقة

في أوائل التسعينات من القرن العشرين، كان الأردن يستورد المحروقات من العراق بسعر منخفض. غير أن إمدادات الوقود منخفض الكلفة تعثرت بسبب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، فحلّت مصر محلّ العراق بعد ذلك بعام واحد بوصفها المزود الرئيس للغاز الطبيعي إلى الأردن عن طريق أنبوب الغاز العربي، وبشكل خاص عبر الأنبوب الذي يمتد في نطاق الأنبوب العام مسافةَ 266 كيلو متراً من العريش المصرية إلى العقبة الأردنية، والأنبوب الذي يمتد مسافة 425 كيلو متراً داخل الأراضي الأردنية من العقبة إلى رحاب. ومع انطلاق «الربيع العربي» ثم اندلاع الثورة في مصر في مطلع عام 2011، تعرض تدفق الغاز من مصر عبر هذا الأنبوب إلى 14 اعتداء تخريبي بين عامَي 2011 و2012 أدت إلى انقطاعه. وبما أن أنبوب الغاز العربي كان يلبي 89% من احتياجات الأردن لتوليد الطاقة الكهربائية في عام 2010، فإن تطور الأحداث على هذا النحو ترك آثاراً سلبية كبيرة على الاقتصاد الأردني.

العمالة والبطالة

يتميز سوق العمل الأردني بدرجة عالية من التجزئة، ويبرز فيه عدد من السمات التي نشهدها عادة في دول منطقة (MENA): أي معدلات البطالة العالية (ولا سيما في أوساط الشباب، وازدادت حدة هذه الخصائص المميزة بفعل الأحداث الإقليمية التي دفعت الأفراد الذين يقعون في الفئة العمرية القادرة على العمل، إلى اللجوء إلى الأردن من دول الجوار. وتمثل الأزمة السورية آخر الأمثلة في هذا المجال.

وبلغ إجمالي عدد سكان الأردن 9.53 مليون نسمة استناداً للتعداد السكاني الذي أجري في 30 تشرين الثاني 2015، وقُدّر عدد الأردنيين بـ 6.61 مليون نسمة؛ بمعنى أن غير الأردنيين يشكّلون حوالي 30% من إجمالي السكان، نصفهم تقريباً من السوريين.

التضخُّم

شهدت الفترة بين عامَي 2011 و2015 زيادة مستمرة، وإن كانت بطيئة، في مؤشر أسعار الاستهلاك؛ وهو الاتجاه الذي تراجع أخيراً في عام 2015، وأظهر ضغوطاً تضخمية، فيما استمر تباطؤ النمو الاقتصادي. ومن جهة أخرى، ارتفع مؤشر الأسعار الصناعي ارتفاعاً طفيفاً في عام 2012 بعد الزيادة الأولى في أسعار الطاقة، ثم انخفض بما يقرب من 4 نقاط في عام 2013، و0.5 نقطة في عام 2014 عندما عدّل الصناعيون أساليب الإنتاج وفقاً لأسعار الطاقة الأعلى، ثم بدأ بالانخفاض إلى 108.3% في عام 2016. ويعود هذا الانخفاض إلى تزايد الاعتماد على الغاز المستورد من خلال ميناء الشيخ الصباح في العقبة والبدء باستخدام خليط من المصادر البديلة مثل الفحم، والسولار، والغاز الطبيعي المسال وسوائل الغاز البترولي.

تحويلات المغتربين

تشكل تحويلات المغتربين الأردنيين العاملين في الخليج، مكوناً مهماً من مكونات ميزان المدفوعات، لأنها تخفف جانباً من العبء الناجم عن العجز التجاري الذي يعانيه الأردن. غير أن تزايد حجم التحويلات بنسبة 100% بين عامَي 2000 و2016 صاحَبهُ تزايد في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بنسبة 300% في الفترة نفسها. ويعني ذلك أن انخفاض أهمية التحويلات كمصدر للادّخار والعملات الأجنبية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.