عارضة المرمى الاسترالي ، أم عارضة إعادة الإعمار والتشاركية / د. يحيى محمد ركاج
د. يحيى محمد ركاج* ( سورية ) الثلاثاء 17/10/2017 م …
*باحث في السياسة والاقتصاد …
إن الركلة المباشرة التي لعبها لاعب المنتخب السوري في الدقائق الأخيرة من عمر الشوط الثاني للمباراة المؤهلة للملحق الأخير من تصفيات كأس العالم بين سورية واستراليا وارتطمت بالعارضة منهية حلم ملايين السوريين بالتأهل للمونديال العالمي، أصبحت الشغل الشاغل للعالم أجمع، فبعد أن أظهرت بعض الانقسامات في أواسط بعض من يدعون أنفسهم معارضة تمثل الشارع السوري، وكشفت أحقادهم، أصبحت أيضاً نافذة لفتح الكثير من القضايا الملحة في الفترة التي تتهأ فيها الجمهورية العربية السورية لإعادة الإعمار.
لقد أثارت هذه القضية مجدداً موضوع المهجرين والمهاجرين والهاربين من الإرهاب، والفارين من خدمة بلدهم لأسبب كثيرة لسنا بصدد الخوض بها اليوم، كما أعادت للعلن قضية في غاية الحساسية ألا وهي إمكانية عودتهم للمشاركة في الحياة العامة لبلدهم وكأن شيئاً لم يكن.
لقد جسد المنتخب السوري لكرة القدم حال البلد بدقة في مبارياته الأخيرة المؤهلة للمونديال، وهي حالة مشابهة لكل قطاعات البلد الإنتاجية والخدمية وغيرها، فإمكانيات اللاعبين الموجودين بالخارج تفوق نظرائهم المستمرون باللعب في الدوري السوري ممن تمت دعوتهم إلى خدمة بلدهم وتمثيلها بالمنتخب، وبغض النظر ما إذا كان من تمت دعوته هو الأفضل لموقعه بالمنتخب أم لا سواء من المقيمين في الخارج أو المتواجدين في البلد، لأنه حدث اعتاد عليه السوريون حتى في سنوات الحرب التي واجهتهم عندما يكون القرار لا مركزياً، الأمر الذي يشير إلى خطورة التعامل مع المرحلة القادمة وخاصةً في مجال مشاريع إعادة الإعمار والأيدي العاملة وتعاملهم مع نظرائهم من السوريين.
فقد رفع حزب البعث الحاكم في سورية في مؤتمره القطري العاشر في العام 2005 شعاراً يحمل التشاركية المجتمعية بكافة أطيافها “فكر يتسع للجميع” لكنه ترك التنفيذ لمن تم تزكيتهم لمناصبهم دون محاسبة أو تقييم مرحلي جريء وشفاف لآدائهم، الأمر الذي أدى بمصير العمل المشترك إلى الهاوية، فانقلب كل من تم إقصاؤه عن عمل أو استبعاده منه لقائمة الأعداء، والأخطر هو انقياد مجموعة ممن لا ناقة لهم ولا جمل بالأحداث وراء اختياره لصورته الجيدة المرسومة أمامهم بغض النظر أيضاً عن صحتها، نتيجة عدم معرفتهم بالدوافع الحقيقة وراء الإقصاء أو الإبعاد، وعدم معرفتهم بخطورة ما أتوا على فعله مستقبلاً.
والآن بعد أن استكملت القيادة السورية كل متطلبات المرحلة القادمة من إعادة الإعمار سواء من حيث التكوين المؤسساتي أو التشريعات، فإن المخاوف تزداد من تكرار السيناريو السابق بحلة جديدة، فانحرافات تنفيذ المرحلة السابقة قادت بالبلد لأن تتحول من الاستقرار والتطور إلى مرحلة المواجهة المباشرة مع الإرهاب المتربص بها، لكنه الآن وبعد أن ذاق البعض قساوة الحرب والدمار فإن الخطورة تكمن في انحرافه بصمت عن هدف إعادة الإعمار، الأمر الذي يوحي باختراق الدول -التي حاربتنا طيلة السنوات السبع- عبر الفكر الصامت المغيب عن الإفصاح ببلده، أو الفكر الصامت المغيب عن المشاركة بالقرار أو معرفة خباياه. وهو ما يقود إلى السقوط الخطر في براثن المنظمات أو المؤسسات الدولية المستقطبة لأبناء البلد.
إن خطورة المرحلة القادمة تبرز أيضاً بجمود الفكر التقليدي الذي تحمله بعض القيادات التنفيذية المتوسطة، والتي تمثل صلة الوصل بين قيادة الدولة والمواطن المقاتل في الميادين الوطنية كافة، فنقطة الماء التي يتم هدرها في مكان ما، أو الاستهانة بقدرتها في مكان آخر، تنحت الصخور في أماكن أخرى وتشكل الحياة للكثيرين في هذا العالم.
كما أن العارضة الاسترالية في سورية تشبه قرار قيادة المرأة للسيارة في السعودية، والاستفتاء الكردي في العراق والتضداد الفلسطيني بين الفصائل، ولها مثيلاتها في الأردن والمغرب والجزائر واليمن والكويت وجيبوتي والصومال والسودان والإمارات وغيرها وحتى في إيران.
فهل نتفادى العارضة الاسترالية في مرحلة إعادة الإعمار والمراحل القادمة قبل خروجنا من الميدان؟
سؤال برسم الدول العربية عموماً، وسورية على وجه الخصوص
التعليقات مغلقة.