أفعال وردود أفعال / بنت الأرض
بنت الأرض ( الأحد ) 22/3/2015 م …
خلال أسبوع واحد شنّ اعتداء أثيم على متحف باردو في تونس وكذلك أكثر من مئة شهيد وجريح في الحسكة في عمليات تفجير آثمة، وتمّ تفجير مركز بدر الإسلامي ومراكز عبادة أثناء وجود المصلين في الجوامع في اليمن والباكستان..
وتمّ اغتيال العلماء المتنورين والمعتدلين والداعين إلى التآلف والتعايش ونبذ الطائفية وعلى رأسهم العلامة المحظوري، كما استُشهِد بين هذا وذاك العشرات في العراق وليبيا وسورية واليمن وتونس في عمليات منظّمة ومدروسة تختار أهدافها بدقة وتعمل في نهاية المطاف على تدمير الهوية الثقافية والتراث والتعايش بين تابعي الديانات السماوية الثلاث. وما نحظى به نحن المشاهدين، مع أننا معنيون ومترقبون وطامحون إلى استئصال هذه الشرور، هو تغطية إعلاميّة لكلّ هذه الأحداث، وفي أحسن الأحوال، قد تصلنا إدانة هذه الجريمة أو تلك، حسب القوة التي يمكن لها أن تحرّك ضميراً فات عليه أن يتحرك منذ دهور. ونتأمل في عالمنا العربي وعالمنا الإسلامي، وهما الخاسران الأساسيان من كل الجرائم المستمرة بهما وعليهما منذ عقود، فلا نرى أكثر من تغطية للحدث، أو شكوى لجهات دولية لم تعمل يوماً على وضع الأمور في نصابها، ولم تتخذ إجراءً يعاقب مجرماً أو ينصف مظلوماً سواء أكان شخصاً أم حركة أم دولة.
ونتساءل بعقل بارد وقلب خالٍ من الضغينة: ما السبب أن كلّ هذه الأعمال الإرهابية الإجرامية التي تعصف ببلادنا وشعوبنا وعلمائنا ومناضلينا وخيرة أبناء شعوبنا على مدى عقود، مع أن نارها ازدادت إيلاماً في هذا العقد، ما السبب أننا لم نشهد عملاً قادراً على كبح جماحها، أو وضع حدّ لانتشارها، إضافة الى معالجة أسبابها القريبة والبعيدة على حدّ سواء؟ هل حقاً يعجز ما يقارب أربعمئة مليون عربيّ عن وضع حدّ لجرائم حفنة من أبناء جلدتنا لا يربطهم بنا شيء، بل هم كالأعداء أو أشدّ قسوةً؟ وهل فعلاً عجز مليار مسلم ونيّف عن تطهير صورة الإسلام من أعمال حفنة من أعداء الإسلام تلحق بالغ الأذى بالمسلمين وتشوّه صورة الإسلام في أذهان وأفكار من لا يعتنقه؟ ما السبب أن ردود الأفعال على أكثر الجرائم خطورة في تاريخ منطقتنا والعالم الإسلامي لا ترقى أبداً لتوفير ردّ حاسم وفعّال على جرائم قضّت مضاجع شعوبنا وحرمت أطفالنا من طفولتهم وشبابنا من زهوة عمرهم وأحلام مستقبلهم؟ هل فعلاً عجزت الأمتان العربية والإسلامية عن مواجهة الأخطار التي تحيق بهما؟ أم إن المواجهة لم تبدأ بعد، أم إن التفكير بالمواجهة ما زال في مراحله الأولى؟
لا شكّ أن الراغبين في اجتثاث هذا الخطر يبلغون الملايين ولا شكّ أن المشاعر الإنسانية الطبيعية لدى معظم الناس القاطنين في مناطق هذه الجرائم والحروب تصبو إلى انتهاء هذه المخاطر. ولكن المطلوب اليوم وبعد كل الحقائق التي لم تعد قابلة للتساؤل أو التشكيك، المطلوب اليوم، هو تجاوز نقل الأخبار والإعلام عما يجري والشكوى. المطلوب اليوم هو تجاوز ردود الأفعال اليوميّة والآنيّة والانخراط بدراسة وتمحيص وتهيئة ردود أفعال إستراتيجية تعالج كل الثغرات التي نفذ منها هؤلاء إلى أعماق بلداننا وقلوب وعقول بعض المستأجَرين من شعوبنا والغافلين عن مصلحة بلدانهم والمتواطئين مع من يستهدفهم ويستهدف أمتهم.
المطلوب اليوم هو وضع الأمور في مواضعها السليمة وتشخيص ما حلّ بأمتنا تشخيصاً سليماً ومواجهة المرض بجرأة وكفاءة عاليتين، والتوقف عن استسهال ما يحدث واعتباره حدثاً يومياً عشوائياً يضرب هنا وهناك وترتفع الآهات والصلوات لتغييبه عن ضمير المتضررين. ما نحتاجه اليوم هو الاعتراف الجريء أنه مع كل النيات الحسنة ومع كلّ مشاعر الانتماء والوفاء مازال عالمانا العربيّ والإسلاميّ يفتقران إلى آليات عمل ناجعة وواضحة تستثمر الطاقات الهائلة الموجودة بهما وتحولها إلى قوة ضاربة قادرة على استئصال كلّ هذه الآفات السرطانية التي تقصف بتاريخنا وديننا ومجتمعنا ومستقبل أبنائنا. ما نحتاجه اليوم، أولاً وقبل كلّ شيء، هو إعادة الاعتبار للفكر والنخبة والقدوة القادرة على التحليل الصائب والعمل الصافي الصادر عمن وهب نفسه وفكره وقلبه للإصلاح. ما نحتاجه اليوم هو أن نعود لإرساء قواعد الأساسيات والعمل وفقها، إذ هل يُعقل مثلاً أن يستغرق الفلسطينيون تحت الاحتلال ستين عاماً حتى يوحدوا قائمتهم الانتخابية؟ وهل يُعقل مثلاً أن يغفل العرب والمسلمون قاعدة أساسية وهي أن كل ما يوحدنا هو صحيح وكل ما يفرقنا هو خطأ؟ وهل يُعقل أن ينتشر علماؤنا وأطباؤنا في كل أصقاع الأرض إلا في الأراضي التي أنجبتهم؟ وهل يُعقل أن نعكف على استيراد نتائج أبحاثهم بأغلى الأثمان في حين يختفي البحث العلمي من حياتنا وجامعاتنا؟ عشرات الأسئلة بحاجة إلى إجابات قبل أن تتخطى أعمالنا ردود الأفعال وتتحول إلى عمل مقاوم ومنتج وبانٍ لمستقبل لا يطاله إرهاب ولا أدوات متصهينة ولا يزعزع استقراره عدوّ مهما تربّص به واستجمع من طاقات لاستهدافه.
التعليقات مغلقة.