” التحرر الاجتماعي” بين شرط التحرر الوطني والتزييف اللبرالي / جورج حدادين

جورج حدادين ( المبادرة الوطنية الأردنية ) الخميس 19/10/2017 م …




التحرر الاجتماعي، هو مفهوم أصيل وأساس من مفاهيم علم الاجتماع، مرتبط بصيرورة حل التناقضات الرئيسة القائمة في  المجتمع، ومن ضمنها المجتمع الريعي التابع، من أجل ضمان عملية الانتقال إلى المجتمع الوطني المنتج الموحد المستقل، والانتقال من حالة المجاميع البدائية الماقبل الرأسمالية: العشائرية الطائفية المذهبية الأثنية الإقليمية…الخ،  إلى حالة المجتمع المندمج المنتمي الموحد،  أي معالجة مهمة الاندماج، أحد مهمات مرحلة التحرر الوطني ، والتي تشكل – التحرر الاجتماعي –  شرط رئيس متلازم من أجل إنجاز مهمات مرحلة التحرر الوطني، وفي الوقت ذاته التحرر من منظومة القيم البدائية الغرائزية في سبيل تبني منظومة قيم وطنية وإنسانية نبيلة .

أهمية وعي أهمية متلازمة ” التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي” ترتد في إنتاجية النضال الوطني؟

تحرير وطن من هيمنة قوة أجنبية وأتباعها المحليين، هو مشروع التحرر الوطني، وإنجاز مهمات المشروع المحددة تشكل أرضية للانتقال من واقع إلى واقع: من واقع الهيمنة الذي يتمثل في سيطرة قوة أجنبية على مجتمع ودولة، حيث يمارس المهيمن وأتباعه عبودية مقنعة على المجتمع والدولة، كما ويمارس عمليات استغلال بشع للبيئة ونهب للثروات الطبيعية والمقدرات الوطنية، ليترك المجتمع المهيمَن عليه في حالة تخلف اجتماعي: فقر وجوع وبطالة وشرذمة مجتمعية وصراع بين مجاميع وتزييف الوعي الجمعي.

التحرر الوطني يعني التحرر من التبعية وتحرير الإرادة الوطنية السياسية، وتحرير الثروات الطبيعية والمقدرات الوطنية المحتجزة، وتحقيق التنمية المتمحورة حول الذات الوطنية، بمعنى أخر، تحقيق الاستقلال الوطني الناجز، أي التحول في الدولة والمجتمع من نهج الاستهلاك إلى نهج الإنتاج، والذي يعني بدوره تحويل الثروات الطبيعية والمقدرات الوطنية إلى خيرات مادية ومعنوية تعم الوطن والمجتمع وترتقي بهما.

من المعلوم أن إنجاز هذه المهمات لا تتحقق بالدعاء والابتهال والتمني، بل بجهد وعرق وكفاح ووعي قوى اجتماعية محددة، تتميز بكونها صاحبة مصلحة حقيقية في إنجاز هذه المهمات،

فمن تكون هذه القوى بالفعل وفي الواقع؟.

إنجاز مشروع التحرر الوطني ومهماته يشترط بناء “حامل اجتماعي” والحامل الاجتماعي هذا يجب أن يتميز:

  • بالوعي التاريخي لصيرورة تشكل بنية مجتمعه الاقتصادية – الاجتماعية، والوعي بتراكم حضارته وثقافته.
  • والوعي بآليات الهيمنة القائمة وتشكيلة قوى التبعية أداة الهيمنة الداخلية.
  • والوعي بكوّن ” الحامل الاجتماعي” يتشكل بالضرورة وفي الواقع من ممثلي وطلائع الشرائح الاجتماعية الكادحة والمنتجة، صاحبة المصلحة النهائية في التحرر.

هناك وهم لدى كثير من النخب بإمكانية صياغة مشروع “سياسي للتحرر الوطني” بمعزل عن مشروع ” التحرر الاجتماعي” وهي نخب مزيفة الوعي، تقنع ذاتها بأنها تقوم بدور المخلّص للمجتمع، بالاعتماد على قوتها الذاتية، وعلى عاتقها وحدها تقع مهمة إنجاز ” التحرير الوطني” ونتيجة هذا الوهم، تتذبذب هذه النخب بتواتر بين الإحباط واليأس تارة، وبين النشوة الزائفة تارة أخرى، ومن المفارقة أن هذه النخب ذاتها في الأزمات تبحث عن الحماية لدى المجاميع البدائية أو المحاور القائمة.

النخب هذه تختزل مشروع ” التحرر الوطني” بصياغة “مشروع سياسي” والأكثر تقدماً من هذه النخب، يضيف “مشروعاً اقتصادياً” ، وتضيف الأحزاب السياسية “مشروعاً تنظيمياً” وهي بالفعل وفي الواقع مشاريع منفصلة عن بعضها البعض، لا ترتبط بعلاقة جدلية، ولهذا السبب لا يمكن أن تكون مشاريع منتجة، ولا يمكن أن تكون بديلاً لمتلازمة ” التحرر الوطني والتحرر لاجتماعي” لسبب أن هذه المتلازمة تعبر عن وحدة وجدلية العلاقة بين البنية والوظيفة، وبين المشروع والحامل.

شكل حزب الله حالة شاذة في هذا المجال، لسبب أنه أنطلق بمشروع وطني، بنى له حاملاً اجتماعياً، بالرغم من أن البنية مذهبية، تحول بهذا النهج من حزب محلي مقاوم إلى قوة أقليميةمعترف بها عالمياً.

هل يعني ذلك، أن لا دور للأحزاب ولا دور للنخب في مرحلة التحرر الوطني؟

بالتأكيد كلا، بل إن ما سبق طرحه، يعني أن على الأحزاب والنخب الانخراط في مشروع التحرر الوطني والانخراط في بناء الحامل الاجتماعي، وتخطي مفهوم وسلوك الفصائلية ونرجسية النخب الخاوية.

نخب بهذا الوعي المزيف غير فاعلة وغير منتجة بل تشكل عائقاًأمام التطور، وفي الوقت ذاته هي نخب متعالية على التاريخ بلا وعي، تتماثل – هذه النخب – بشكل أو بآخر تماماً مع القوى الغيبية الدينية واللبرالية، التي تؤمن بوجود قوى خارجية خارقة تدير شؤون البشر في المجتمع  وتتحكم في مسار التطور بحتمية مطلقة، قوى دينية تنطلق من تصور ضعف الإنسان وعجزه أمام الطبيعة، لترهن مصيره وحمايته بقوة خارجة، بالمقابل ترهن اللبرالية مصير البشر بعقلانية السوق ودوره في تنظيم نفسه بنفسه، بحسب قوانين المنظومة الرأسمالية، وتتغاضى عن أزمات المنظومة الرأسمالية المتكررة والويلات التي تجرها على مجتمعات الكون، فيما تؤمن القوى القومية بالرسالة الخالدة لتسيير شؤون الأمة العربية، والقوى “الشيوعية” بالحتمية التاريخية لإنجاز مهمات التحرر الوطني.

متلازمة ” التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي” هي قاعدة الانطلاق وشرط إنجاز مهمات التحرر الوطني، وفي الوقت ذاته، فعل تطور وتقدم ورقي المجتمع، وفعل ترسيخ وحماية المنجزات الوطنية العامة وصيرورتها المستمرة.

ثبت بالمطلق فشل كافة مشاريع “التحرر الوطني” المنفصلة عن “التحرر الاجتماعي” فشلاً ذريعاً. حيث يتم فصل متلازمة ” التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي”  بحجة التتابع، أي إنجاز مهمة ” التحرر الوطني” ومن ثم معالجة مهمة “التحرر الاجتماعي” والتجربة العملية تثبت فشل هذه المقاربة، فلم تنجز تلك القوى التي تبنت هذا النهج،أياً من المهمتين، والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى: تجربة الجزائر، ومصر، والعراق وسوريا، واليمن ومنظمة التحرير الفلسطينية و” حركة التحرر الوطني العربية” …الخ بينما نجحت تجارب الشعوب والقوى التي تبنت متلازمة ” التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي” : كوبا وكوريا الديمقراطية …الخ.

تعرض مفهوم “التحرر الاجتماعي” لعملية تزييف ممنهجة من قبل إعلام المركز الرأسمالي الموجه، ومن قبل طرفي التبعية في بلادنا: الدينية واللبرالية ومن قبل قوى اليسار المتحول والقوى القومية الغائبة عن الوعي التاريخي، ساهمت جميعها في تشويه مفهوم ” التحرر الاجتماعي” و ” الحامل الاجتماعي” تحت عناوين مختلفة وبالغالب منفرة للعامة غير الواعية: مقولة الانحلال الاجتماعي الأخلاقي من قبل قوى التبعية الدينية، وتحت عنوان الحرية الفردية على كافة المجالات والنشاطات، بالنسبة لقوى التبعية اللبرالية واليسارية المتحولة، والقائد الملهم بديلاً للحامل الاجتماعي بالنسبة للقوى القومية.

” كلكم للوطن والوطن لكم”

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.