بعض ملابسات ومخاطر عدم تصديق الرئيس ترامب على الاتفاق النووي الإيراني / د. بهيج سكاكيني

 

د. بهيج سكاكيني ( الخميس ) 19/10/2017 م …




لا شك أن عدم التصديق على الاتفاقية أو الغائها من قبل الرئيس ترامب التي يعتبرها المجتمع الدولي إحدى الاتفاقيات الناجحة التي تلبي الى حد كبير مصالح ومطالب جميع من وقعوا عليها وإقرارها في مجلس الامن الدولي ستؤدي الى عزل الولايات المتحدة وتركها وحيدة في هذا الاطار من قبل جميع حلفائها الغربيين التقليديين الذين اعتمدت عليهم الولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في تسويق وتنفيذ استراتيجيتها على الساحة الدولية والمشاركة في حروبها في العديد من الدول دون ان يكون لها مصلحة مباشرة لذلك لا بل وانها في العديد من ذلك تركت دون تحصيل أية “غنائم” من هذه الحروب هذا في الوقت الذي طلب منها تقديم قواتها وأموالها والتضحيات بأناسها في مثل هذه الحروب.

وفي مجال العزل نرى أن الانسحاب أو عدم التصديق على الاتفاق النووي مع إيران كما فهم من خطاب الرئيس ترامب وحقيقة لا اعتقد ان هنالك فرق كبير بين التسميتين والتهديدات والافتراءات والاكاذيب التي أطلقها ترامب في خطابه لم تحرك ساكنا في كل عواصم العالم الوازنة على مستوى الساحة العالمية. فالاتحاد الأوروبي وعن طريق مسؤولة السياسة الخارجية له صرحت ” لا يحق لأي دولة إنهاء إتفاق إيران النووي. أما الرئيس الفرنسي فقد صرح بأن “باريس والاتحاد الأوروبي سيدافعان عن الاتفاق النووي” وأضاف “ان سياسات البيت الأبيض حيال الاتفاق النووي ناتجة عن خلافات واشنطن الداخلية”. ولقد أصدرت كل من فرنسا وبريطانيا والمانيا بيانا مشتركا جاء فيه ان ” الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران يصب في مصلحتنا الوطنية” وانه ” لا سلطة لدى ترامب لإلغاء الاتفاق النووي”. وبحسب مفهومنا فإن هذه الدول هي التي تشكل حلفاء للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية وهي التي شاركت بشكل فعلي في الحروب التي قادتها أمريكا سواء منفردة أو من خلال حلف الناتو قديما وحديثا في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن وغيرها من الدول.

ومن الخطأ ان نقول كما يقول البعض أن سبب اصطفاف هؤلاء الحلفاء الأوروبيون ضد موقف إدارة ترامب هو العامل الاقتصادي الذي يتلخص في عقد الكثير من الاتفاقيات والصفقات والاستثمارات مع الطرف الإيراني من قبل العديد من الشركات الأوروبية والتي من شأنها ربما أن تحسن الوضع الاقتصادي في بعض الدول الأوروبية التي ما زالت تعاني من الركود الذي أصابها عام 2008 وعدم تعافيها منه بعد. فالدول الأوروبية وعلى رأسها المانيا وفرنسا على وجه التحديد لا  الحصر بدأت تشعر أكثر من أي وقت مدى الخسائر الاقتصادية والبشرية والسياسية والدبلوماسية التي دفعتها نتيجة تكبيل ارادتها السياسية من قبل الولايات المتحدة.

أما الدول التي أبدت تأييدا لما جاء في خطاب ترامب لا بل وحثته على إتخاذ المزيد من الإجراءات ضمن ما سمي “الاستراتيجية الجديدة” والتي حقيقة لا تحتوي على أي شيء جديد، هذه الدول لم تتعدى إسرائيل والسعودية والامارات والبحرين المحمية السعودية وهذه الدول لا تتعدى كونها أدوات ولا ترقى الى درجة الحلفاء وهي تحث الولايات المتحدة ان تحارب إيران بالنيابة عنها لأنها أعجز من أن تقوم بهذه المهمة بالرغم من كل التصريحات النارية التي تخرج بين الحين والأخر وخاصة من الكيان الصهيوني ومنذ تولي نتنياهو رئاسة الوزراء في الكيان منذ 2009 .هذه هي الدرجة من العزلة التي تعيشها الولايات المتحدة وإدارة الرئيس ترامب اليوم بالنسبة لهذا الملف على مستوى الحلفاء هذا بالإضافة الى كل من روسيا والصين. بمعنى انها تقف وحيدة أمام كل الدول الوازنة والفاعلة على المستوى العالمي في هذه القضية.

وربما هذا هو السبب الذي أدى بمستشاريه لإقناعه بالإبقاء على الاتفاقية من ناحية تقنية في الوقت الذي يطالب فيه الكونغرس بفرض عقوبات غير مرتبطة بالاتفاق النووي وتعديل التشريع الذي يستدعي الرئيس أن يضع بصمته على الاتفاقية كل تسعين يوما. وهذه إحدى السبل للإبقاء على الاتفاقية وإعطاء ترامب الفرصة لبث كراهيته لها ربما لإشباع غروره والانا الذي تميزه الى جانب كراهيته لإرث أوباما ومحاولة شطب هذا الارث. او كما يقولها البعض ” أنها طريقة يتم استخدامها لإرضاء رئيس مشاكس ونكد ومقاوم لتقبل الحقائق والوقائع على الأرض”. ويرى البعض أن ” نظير الشؤم في قرار ترامب في عدم التصديق على الاتفاقية أنه غير مرتبط بأية حسابات استراتيجية يمكن إدراكها”.

ولا بد لنا من الإشارة هنا أن السبب الوحيد الذي أدى بالمفاوضين الى التوصل الى الاتفاق النووي مع طهران كان لأنهم تراجعوا عن بعض مطالبهم الاصلية. فالمتشددين من الطرف الأمريكي أرادوا عدم امتلاك إيران لأي قدرات نووية على الاطلاق ولا حتى التكنولوجيا المناسبة والضرورية لتطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية. وقطيع الصقور أرادوا أيضا تضمين الاتفاقية حرمانإيران من تطوير الصواريخ الباليستية وتعهدها بالتخلي عن تقديم أي دعم لحزب الله وغيره من “الحركات الإرهابية” بحسب قولهم، وهم ما زالوا يصرون على هذا المطلب. ولو قام المفاوضون بطلب مثل هذه التنازلات لما كان بالإمكان تحقيق الاتفاق النووي مطلقا.

ومن الواضح ان إيران رأت وقررت ان المنافع والمكتسبات التي يمكن الحصول عليها من التنازلات التي قدمت من طرفها مقابل الحصول على التشابك الاقتصادي وبناء العلاقات الدبلوماسية مع دول العالم وفك الحصار عنها تفوق في الأهمية وترجح على ثمن متابعة الحصول وامتلاك قوة الردع النووي، هذا إذا ما افترضنا أن الهدف الإيراني كان الحصول على الأسلحة النووية. وقد تكون هذه الحسابات هي احدى التفسيرات لموافقة إيران على الاتفاقية والالتزام بها والتقيد ببنودها. والمشكلة هنا ان تقويض الاتفاقية من قبل ترامب على الأرجح سيكون لها نتائج عكسية على حسابات الربح والخسارة الإيرانية لان ذلك من شأنه إضعاف حجم المنافع التي يمكن أن تجنيها إيران من عملية التشابك الدولي السلمي بحيث يصبح ثمن الحصول على قوة الردع النووي مقبولا بالمقارنة. وهذا يعني أن إيران ستعمل على تطوير قدراتها النووية وبشكل متسارع من النقطة التي توقفت عندها عند توقيع الاتفاقية، وهذا ما يحذر منه مؤيدي الاتفاقية من الحلفاء الغربيين التقليديين للولايات المتحدة، مما سيخلق معضلة حقيقية لها. وعندها فإن رؤساء الولايات المتحدة سيواجهون خيار تقبل إيران كقوة تمتلك أسلحة نووية في ظرف بضع سنوات أو الاقدام على حرب استباقية لتعطيل هذه المحصلة وكلاهما كارثيا للولايات المتحدة وحلفائها وأدواتها في المنطقة.

من المؤكد ان عزلة الولايات المتحدة نتيجة عدم تصديق الاتفاقية أو الغائها عمليا لن تكون الارتداد الوحيد على النطاق العالمي فيما يخص بالموقف من أمريكا. فهذا العمل من قبل الإدارة الامريكية سيلقي بثقله على رفع الشكوك حول مصداقية الولايات المتحدة والثقة بها وبالاتفاقيات التي توقعها مع الدول الأخرى. فهي تعطي الإشارات الواضحة لدول مثل كوريا الشمالية وغيرها بأن الولايات المتحدة لا يمكن الوثوق الولايات المتحدة لأنها لا تحترم العهود او المواثيق وهذا يندرج على كوبا وغيرها من دول أمريكا اللاتينية الى جانب روسيا والصين الذي تتربص بهم الإدارة الامريكية. وفي هذا المجال نأمل من الاكراد سواء في العراق أو سوريا التنبه الى أن الولايات المتحدة وإن بدت أنها تؤيدهم وتطلق الوعود لهم من الممكن ان تتخلى عنهم عند أي منحنى في الطريق لأنها ببساطة فاقدة المصداقية في تعاملها وهذا لا ينطبق على هذه الإدارة فقط وإن بدت أكثر وضوحا وعنجهية في هذا الإطار بالمقارنة ممن سبقوها.

كما أن عدم التصديق على الاتفاقية سيكون له ارتدادات على القارة الأوروبية. فأوروبا اليوم أكثر بعدا من الولايات المتحدة عن أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية وهذا لأسباب لا تقتصر فقط على عدم تصديق الاتفاقية بل للعديد من المواقف التي أبدتها الإدارة الجديدة والتي تراكمت منذ مجيئها والتي رفعت شعار “أمريكا أولا” دون الاخذ بعين الاعتبار مصالح الحلفاء وخاصة الأوروبيون منهم. فمن توبيخ المانيا وإهانة المستشارة الألمانية ميركل الى تهديد الدول الأوروبية بشكل فظ أنها يجب أن تدفع التزاماتها المالية لحلف الناتو إذا ما أرادت استمرار الحماية الامريكية من الخطر المزعوم “البعبع الروسي”. والإدارة الجديدة قامت بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ والتي وقعت من قبل 194 دولة، كما قامت بالانسحاب من اتفاقية ” الشراكة الاستراتيجية عبر المحيط الهادئ”. كل هذه التصرفات الرعناء والتعامل الفوقي مع الحلفاء جعلت بعض السياسيين الأوروبيين يفكرون جديا في إقامة علاقات اقتصادية استراتيجية مع كل من الصين وروسيا التي أبدت مصداقية عالية في تعاملاتها مع الدول وعدم التصرف بالازدواجية التي تشكل احدى السمات المميزة للسياسة الخارجية الامريكية، هذا بالإضافة الى غياب الحكمة الواقعية في التعامل مع المشاكل الدولية واعتماد صيغة التهديد والوعيد وتأجيج الصراعات ودفع العالم الى شفير هاوية الحرب الثالثة النووية، كما يتضح من التعامل مع الازمة مع كوريا الجنوبية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.