أخي في الإرهاب / إنعام كجه جي
إنعام كجه جي ( الإثنين ) 23/3/2015 م …
انفجرت سيارتان ملغومتان في مدينة الحسكة السورية أثناء احتفال الأهالي بعيد نوروز، أول من أمس. عيد للاستبشار بحلول الربيع يتحول إلى مجزرة. والحسكة تقطنها نسبة كبيرة من الأكراد. ونوروز عيد شعبي له أهميته في ثقافتهم. يخرجون فيه إلى الطبيعة للتماهي مع ألوانها وخصوبتها. ترتدي النساء أزياءهن البراقة ويلف الرجال اليشامغ الملونة على الرؤوس ويدبك الجميع على أنغام الطبل والزرنة. ثم… بوم… انفجار مدو وغبار ودماء وشظايا وأشلاء تختلط ببعضها. تتوقف الحياة ويحضر الموت، مُفرّق اللذات.
خلال ذلك، كان سفراء مجموعة من دول آسيا الوسطى يحتفلون مع ضيوفهم بالعيد ذاته في اليونيسكو بباريس. إنهم يمهدون لمسعى ثقافي وحضاري مهم يهدف لوضع تقاليد احتفال نوروز على قائمة التراث الشفهي للإنسانية. ويتعاون، لتحقيق ذلك، مندوبو كل من العراق وإيران وتركيا وأفغانستان وأذربيجان والهند وكازاخستان وقرقيزيا وباكستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان. إن عيد نوروز لا يخص الأكراد فحسب بل يمتد إلى الأقوام العريقة لهذه البلاد.
والإرهابي الجديد يختطف الدين ويحتجزه رهينة لديه. ويبدو لي أن مهمته هي قطع الرؤوس وإحراق القلوب وتحويل الأفراح إلى مآتم. والمساجد إلى ركام. والمتاحف إلى خرائب ينعق فوقها البوم. وأقول الإرهابي الجديد لأننا عرفنا، في السابق، إرهابيين من نوع «نبيل» إذا صح القول. أي أولئك الذين ناضلوا لتحرير شعوبهم أو طرد الاستعمار عن أراضيهم أو لفت أنظار العالم إلى قضاياهم. وبالمقارنة مع ما نراه اليوم، تكون الصفة قد أُلصقت بهم زورا. وكان أحد مشاهيرهم، الفنزويلي كارلوس، يعترض على وصفه بالإرهابي ويصر على أنه «مقاتل من أجل الحرية». وهو ما زال يقبع في سجن قريب من باريس، محكوم بالحبس مدى الحياة، يدخن السيجار ويطالع الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية ويكتب ردودا على المقالات التي تنتهك سمعته كمناضل أُممي ثوري. وتنشر الصحف ردود كارلوس، بانتظام، في بريد القراء.
ماذا يقول صديقي «لسان العرب» عن الفعل «رَهَبَ»؟ لا مكان للدهشة أن يكون الراهب والإرهابي من مصدر لغوي واحد. مثلما لا مكان لها ونحن نستمع إلى عبد المجيد عبد الله يغني «رهيب» فنهز الرؤوس طربا ويرددها الملايين من الخليج إلى المحيط.
وفي ملتقى القاهرة الدولي للرواية الذي عقد قبل أيام، سمعت الشاعر والناقد المصري شعبان يوسف يتحدث في ندوة عن تجليات القمع في الأدب الروائي ويقول ما معناه إن الإرهاب كان محببا، في فترة من الفترات، خلال أربعينات القرن الماضي. وكان الرئيس الأسبق أنور السادات يتفاخر بكونه إرهابيا. وقد كتب مقدمة لكتاب «أسرار معركة الحرية» لحسن عزت، رفيقه المناضل ضد الإنجليز، وكان عنوان المقدمة «أخي في الإرهاب». ومن الفصول المعروفة في حياة السادات اتهامه بالاشتراك في اغتيال أمين عثمان، وزير المالية، قبل ثورة يوليو. ودخل السادات السجن وخرج منه بعد تبرئته لعدم كفاية الأدلة. وفي السجن أصدر مع بعض رفاقه «الإرهابيين» نشرة ساخرة بعنوان «الهنكرة والمنكرة». إرهابيون خفاف الدم.
ماذا سيقول الرئيس المؤمن عن إرهاب «داعش» وكيف تستقيم النكتة في حضور الأشباح والسكاكين؟ لقد نسفوا كل القيم وشككوا البشر في معتقداتهم وأرخوا على البلاد خيمة ثقيلة من الكآبة والسواد. ولعل كارلوس يقرأ أخبار النحر والحرق والتفجيرات القائمة على أقدام وسيقان، لا تفرق بين مذنب وبريء، ولا بين الحسكة وتونس، فيرمي الجريدة من يده ويصيح: «هَزُلَتْ».
التعليقات مغلقة.