مقال نظري هام … أزمة الحزب الشيوعي اللبناني / محمد نجيب جمال

 

 

 محمد نجيب جمال* ( لبنان ) الإثنين 23/3/2015 م …

* عضو لجنة مركزية سابقاً

البحث في كيفية الخروج من أزمة الحزب الشيوعي بمناسبة التحضير لانعقاد مؤتمره، والنقاش الدائر بين أعضائه ومن هم خارج التنظيم، من الشيوعيين، لا بد أن يجعل المؤتمر ناجحاً وأكثر فاعلية، في الحياة السياسية اللبنانية. وبهذه المناسبة، أود أن أطرح بعض الأفكار للنقاش، وخاصة أن الصراع الدائر بين الشيوعيين هو في أساسه صراع سياسي أكثر من أن يكون خلافاً تنظيمياً.

هل يمكن أن يتوحد الشيوعيون بعدما وصلت الصراعات بين أعضائه، داخل التنظيم وخارجه، إلى هذا المستوى؟ هل يمكن أن نتوصل إلى صيغة تنظيمية تحفظ لأعضائه والكتل داخله تعدد الاتجاهات السياسية، إذا لم نتمكن من الوصول إلى وحدة سياسية وتنظيمية، حسب مبادئ لينين التنظيمية؟ علماً بأن هناك قضايا عدة لها الأولوية على ما عداها.

الحزب الشيوعي تأسس منذ تسعين عاماً على أيدي مناضلين حلموا، كما غيرهم، بإقامة مجتمع العدالة والديموقراطية والاشتراكية. لم تكن هذه أول محاولة في التاريخ لبناء المدينة الفاضلة والجنة على الأرض، كما كانت محاولة كل الأحزاب الشيوعية التي لم تصل إلى السلطة.

لقد حلم الإنسان بإقامة الدولة العادلة والجنة على الأرض منذ آلاف السنين، من عهد الإغريق إلى ثورة العبيد في روما بقيادة سبارتاكوس، وصولاً إلى دولة القرامطة، والثورة الاشتراكية بقيادة لينين. كانوا يحلمون بأنهم يستطيعون إقامة العدالة والحق على الأرض. بعض الأديان والمذاهب ربط تحقيقها بظهور المخلص وصاحب العصر والزمان.القضايا الكبيرة تبدأ حلماً، والأجيال القادمة تحوّلها إلى واقع.

في عصر النهضة في أوروبا، ظهرت الأفكار الاشتراكية. تمكن ماركس وإنغلز من بلورتها، من الاقتصاد السياسي الإنكليزي وأفكار الاشتراكية الفرنسية والفلسفة الألمانية. هذه الأفكار مجتمعة كونت الفلسفة الماركسية وسميت الاشتراكية العلمية. هذه الأفكار لاقت صداها في الحزب الاشتراكي الروسي، بقيادة لينين الذي حولها إلى واقع ملموس وطبقها على روسيا القيصرية، رغم معارضة المانشفيك الذين طالبوا بإقامة حكم وطني ديموقراطي، لأن الظروف ليست ناضجة حسب قول ماركس، فالاشتراكية تنتصر في البلدان الأكثر تطوراً، ولكن لينين أصر على الثورة. انتصار الثورة مكّن لينين من جعل الحلم واقعاً ملموساً على الأرض الروسية بقوة الحزب. وها قد استمرت الاشتراكية سبعين عاماً. وانتهت وعادت الرأسمالية إلى ربوع روسيا. فإذا لم تكن هناك استحالة العودة من الرأسمالية إلى الإقطاع، هناك استحالة من العودة من الاشتراكية إلى الرأسمالية.

ما هي الأسباب التي أدت الى انهيارها في روسيا وبلدان التجربة السوفياتية في أوروبا وآسيا باستثناء الصين وفيتنام وكوريا الشمالية وكوبا؟ وما هي إنجازاتها؟

1 ــــ غياب الديموقراطية، وتداول السلطة وطغيان المركزية على الديموقراطية، التي تصلح لحزب يناضل من أجل تسلّم السلطة، وليس لحزب في السلطة، ما أنتج البيروقراطية وفساد الحكم.

2 ــــ توزيع الإنتاج يتم في المجتمع الرأسمالي من خلال من يتمتع بملكية وسائل الإنتاج، وفي المجتمع الاشتراكي من خلال من هو بمركز القرار، وهو بعيد عن الإنتاج، الفرد في النظام الرأسمالي له مصلحة في تطوير الإنتاج وتحسينه، بينما ما كان سائداً في روسيا أخذ الإنتاج ولم يطوره للأسباب التي ذكرت.

3 ــــ هل الظروف كانت ناضجة للانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية؟

وهل الرأسمالية أصبحت في حالة انهيار ومعيقة أمام تطور القوى المنتجة في المجتمع، أم ما زالت بحالة صعود؟

ولكن كان للاشتراكية إنجازات مهمة؛ منها:

أ ــــ حصل المجتمع الاشتراكي على إنجازات مهمة في التعليم والطبابة والصحة وتصنيع البلاد وعلم الفضاء ونقل البلد إلى مجتمع متقدم.

ب ــــ مساعدة الدول النامية في العالم الثالث على تحررها من الاستعمار، وتعليم كوادرها وتقديم العون لها.

ج ــــ انقسم العالم إلى معسكرين، اشتراكي ورأسمالي وبينهما دول العالم الثالث، ما ساعد الدول الصغيرة على التحرر والطبقات الفقيرة في الدول الغنية في الحصول على بعض حقوقها.

4 ــــ حسب نظرية ماركس، الاشتراكية تنتصر في البلدان الأكثر تطوراً. وعندما تصبح الرأسمالية معيقة لتطور القوى المنتجة، عندها يكون النظام الأفضل هو البديل، أي الذي يساعد على تطور القوى المنتجة، من دون أي إعاقة ويصبح النظام الجديد أكثر تطوراً من النظام الرأسمالي على كل الأصعدة، وعندها يكون من المستحيل العودة إلى الوراء.

كانت الاشتراكية حلم ماركس وإنغلز، حاول لينين أن يجعل الحلم واقعاً ملموساً دام سبعين عاماً وعادت روسيا إلى الرأسمالية.

هل إنساننا اليوم قادر على إقامة المجتمع الاشتراكية والشيوعي المتقدم؟

هل نضجت الظروف لذلك؟ أم ما زال الحلم حلماً؟

ولكن هل سيصل الإنسان مع تطوره إلى إقامة المجتمع الأفضل، وهذا يترك للأجيال المقبلة؟!!

نعود إلى الحزب الشيوعي اللبناني، فهو حزب مأزوم كما هي مأزومة كل الأحزاب الشيوعية واليسارية عموماً بعد فشل التجربة السوفياتية، ولنفس الأسباب التي ذكرت تجربة بعض دول أميركا الجنوبية موضع آخر يبحث؟

ولكن لنكن أكثر تواضعاً، فلنناضل من أجل إقامة دولة وطنية ديموقراطية علمانية قوية وعادلة في لبنان تنجز قانوناً انتخابياً على أساس النسبية ولبنان دائرة انتخابية واحدة خارج القيد الطائفي، فنكون قد أنجزنا عملاً عظيماً على طريق أفكار ماركس والمتنورين من أبناء شعبنا الديموقراطيين، والتقدميين الذين ضحوا ولم يبخلوا يوماً في تقديم الغالي والنفيس لتحقيق أهدافهم المشرفة.

على خط ذلك، أطرح السؤال التالي على الشيوعيين داخل التنظيم وخارجه: ماذا نريد؟ هل نحن بحاجة إلى حزب تنخرط فيه كل القوى المؤمنة بالتغيير الديموقراطي والخلاص من هذا النظام الطائفي المحاصصي البغيض أم لا؟ وهذا يتطلب إنشاء إطار تنظيمي لهذا الهدف من كل القوى اليسارية والديموقراطية تحت شعار إقامة الدولة الديموقراطية والعادلة.

إذاً، الأزمة في الحزب الشيوعي وقوى اليسار أزمة بنيوية، وعليهم أن يتخذوا القرارات الصعبة للخروج من أزمتهم ويتطلعوا إلى مصالح شعبهم الأكثر أهمية والممكن تحقيقها.

بناء الدولة وهذه ليست مهمة الشيوعيين وحدهم، بل مهمة كل القوى المشار إليها، علماً بأن للشيوعيين خلال السنوات التسعين الماضية تاريخاً مجيداً ناصعاً، أبدوا التفاني والنضال ليحولوا الحلم إلى واقع ملموس. إننا كنا سابقاً على اقتناع بأن كل الظروف ناضجة لتسلّم السلطة، بينما أثبت الزمن أن الظروف لم تكن ناضجة.

هذا التاريخ كان حلماً جميلاً مجيداً نفتخر به، فالقضايا الكبيرة تبدأ حلماً والأجيال القادمة تحوّلها إلى واقع.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.