دراسة جديدة تفكك البناء الأيديولوجي والحركي لـ داعش

 

الأردن العربي ( الإثنين ) 23/3/2015 م …

يوقع الباحثان حسن أبو هنية ود. محمد أبو رمان كتابهما الجديد “تنظيم الدولة الإسلامية: الأزمة السنيّة والصراع على الجهادية العالمية”، الذي يصدر عن مؤسسة فريدريش أيبرت الألمانية في عمان، في فندق الماريوت الاثنين في الساعة السادسة مساءً، ويتحدث في حفل التوقيع كل من الدكتور مروان المعشر، والباحث والإعلامي السعودي، نواف القديمي، ومؤلفا الكتاب.

ويقوم الكتاب على مناقشة ونقد المقاربات الاستشراقية والثقافوية في فهم صعود الجهادية العالمية عموما وتنظيم الدولة الإسلامية خصوصا، وذلك من خلال الكشف عن الأسباب والشروط والظروف الموضوعية التي أدت إلى تنامي الظاهرة، باعتبارها نتاجا طبيعيا للسياسات الدولية والإقليمية من جهة، والدكتاتورية، التي اعتمدت منطقا طائفياً هوياتيا من جهة أخرى.

قبل أحداث الموصل، وما نجم عنها من صدمة ليس فقط للعراقيين، بل حتى للرأي العام العربي والعالمي، لم يكن موضوع “تنظيم الدولة الإسلامية” يحظى باهتمام كبير، لكنه منذ تلك الفترة بات يتصدّر العناوين الإخبارية عن المنطقة العربية، وموضوعاً ساخناً في الندوات والمناظرات، التي تؤمّها جماهير غفيرة تبحث عن أجوبة مقنعة في تقدير حجم قوة التنظيم الحقيقية، وحلّ الألغاز المرتبطة بانهيار الجنود العراقيين والسوريين أمامه، وفي تفسير هذا السلوك الدموي العنيف في تعامله مع الخصوم، ومشاهد الفيديو المصوّرة، التي تبثّها مؤسساته الإعلامية على شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.

لم يتبخّر “الهوس” الإعلامي والشعبي بمراقبة أخبار التنظيم ومتابعتها، مع مرور الوقت، إذ عزّز الإعلان عن قيام “الخلافة الإسلامية” من مساحة التساؤلات والحيرة حول هذا “الكائن العنيف” الجديد في المشهد المحلي والإقليمي، الذي قلب المعادلات الإقليمية والمحلية، فنظرت إليه الدول الكبرى كتهديد لمصالحها، ودفع بالإدارة الأميركية لتقود تحالفاً دولياً وإقليمياً كبيراً ولتتدخل، مرّة أخرى، عسكرياً في المنطقة (وإن اكتفت بالقصف الجوي حتى اللحظة الراهنة)، بالرغم من التحليلات التي كانت تؤكد عدم رغبتها في ذلك في حقبة الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما.

بالرغم من هذا الكم الكبير من المواد الإعلامية ومن المؤتمرات والندوات والنقاشات السياسية والفكرية المتعلقة بهذا التنظيم، إلاّ أنّه ما يزال يحظى بـ”هالة” من الغموض، تضفي طابعاً سحرياً على التحليلات والتفسيرات الشعبية وربما النخبوية عنه. ولأنّ المثقف العربي واقع – غالباً- في غرام نظرية “المؤامرة”، انبجست التحليلات والتفسيرات المتضاربة التي تربط صعود هذا التنظيم وأعماله بأجندات دولية وإقليمية، فبعضهم يتحدث عنه بوصفه “أداة إيرانية”، ومنهم يُجهد نفسه بوضع تحليلات وقراءات تضع التنظيم في سياق أجندة أميركية تهدف إلى تقسيم المنطقة على أسس طائفية- دينية- عرقية.

ولا غرو عندئذٍ أن يتسمك هذا “النفر المثقف” بقصص مختلقة مزوّرة مفبركة منسوبة لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، تصف فيه التنظيم بأنّه “صناعة أميركية”، أو يردد قصصًا خيالية تتحدث عن تدريب “الخليفة البغدادي” على يدّ جهاز الموساد الإسرائيلي، فنجد مثل هذه العناوين الضخمة المضحكة تتصدر وسائل إعلامية عربية وإقليمية من دون تدقيق وتمحيص لصحة هذه الأخبار وموثوقية مصادرها، أو الاهتمام بمدى تأثير ذلك على مصداقيتها ومهنيتها!

كثيرٌ من التفسيرات أصرّت على ربط التنظيم بما هو خارج السياق المجتمعي أو السياسي العربي الراهن، سواء كان ذلك في العراق أم سورية، فقد نفض المثقفون والوعّاظ والسياسيون والتيار العام في الشارع العربي أيديهم من “هذا التيار المتوحّش” بوصفه غريبًا عن البيئة العربية؛ وكأنّه ليس إنتاجًا صادقًا وأمينًا للواقع الراهن، أو أنّه ليس مؤشّرًا موضوعيًّا للمدى الذي يمكن أن تصل إليه الانهيارات السياسية والأخلاقية والثقافية والمجتمعية. أو كأنّه “كائن غريب” عن مخرجات الأنظمة السلطوية الفاسدة من جهة، والسياقات الاجتماعية المتردّية من جهة ثانية، وجمود المنظومة الفقهية والفكرية والاختلالات التي تعاني منها من جهةٍ ثالثة!

ربما ما حاولت تلك التفسيرات تجنّبه هو الإقرار والخروج من حالة الإنكار، على النقيض من ادعاءاتنا، بأنّ هذا التنظيم هو، فعلاً غزو، لكنه داخلي، أكثر منه خارجي، وهو نتيجة متوقعة لما وصل إليه الواقع السياسي والمجتمعي العربي الراهن، بخاصة في كل من العراق وسورية، مع انتشار النزعات الطائفية والعرقية وتحول طبائع الصراع نحو المنحى الهويّاتي، وتحول العملية السياسية إلى صراع مجتمعي، لا تنافساً سياسياً أو حزبياً صرفاً.

هذا الرأي غير المتداول كثيراً في أوساطنا السياسية والإعلامية يضعنا مباشرةً أمام الفرضية التي نسعى إلى مناقشتها عبر هذا الكتاب، وما نطرحه فيه من قراءة تحليلية لهذا التنظيم، ومساره وتحولاته ودور الشروط الموضوعية الواقعية في تفسير انبثاق هذا “الكيان الشرس” وكشف أسباب صعوده في الفترة الأخيرة.

ولأنّ هذا التنظيم في جذوره ومساره اشتبك مع التيار السلفي الجهادي العالمي، وارتبط بتنظيم القاعدة المركزي، فإنّ انقلاب تلك العلاقة من “الوحدة والأخوة” إلى الخصام والشقاق والصراع الأيديولوجي والمسلّح، سواء مع القاعدة نفسها أم مع جبهة النصرة شكّل بدوره صدمة أخرى لأبناء التيار السلفي الجهادي عموماً، الذين كانوا يرون في أي حديث عن الخلافات داخل التيار من زاوية الحرب النفسية والدعاية المضادة، حتى دخلوا هم أنفسهم في حالة الاستقطاب الحادّ في أوساط التيار، بين مؤيد لتنظيم الدولة الإسلامية وخليفته أبي بكر البغدادي أو للقاعدة المركزية بقيادة الظواهري وجبهة النصرة بزعامة الجولاني، وهو الصراع الذي امتدّ وتمدّد إلى مختلف المناطق والمجتمعات التي ينتشر فيها أبناء التيار، ليشعل حرباً أخرى داخلية، في أوساط هذا التيار، بعد انشطار القاعدة نفسها، بين اتجاهين يكفّران ويبدّعان بعضهما ويقتتلان بشراسة وقوة مميتة.

تلك “التطورات الداخلية” تقود إلى فرضية ثانية يسعى الكتاب إلى تفكيكها ومناقشتها في هذا الكتاب، وتتمثّل في القول بأنّ الخلافات بين تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة لها جذور ممتدة إلى مرحلة أبي مصعب الزرقاوي، الأب الفعلي والروحي المؤسس لهذا التنظيم، وتطورت في المراحل التالية يصورة متدرجة، بالرغم من بقائها غير معلنة، إلى أن انفجرت مع رفض أبي محمد الجولاني، مسؤول جبهة النصرة إعلان أبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، عن دمج التنظيمين في تنظيم واحد باسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (في نيسان/ إبريل 2014).

من خلال ما سبق، فإنّ هدف الكتاب يتمثّل بالإجابة عن جملة من الأسئلة والإشكالات والتساؤلات الرئيسة عن تنظيم الدولة الإسلامية أولاً، وعلاقته بتنظيم القاعدة وجبهة النصرة ثانياً، ومن أبرز هذه الأسئلة:

ما هي المعالم الرئيسة لأيديولوجيا هذا التنظيم؟

كيف نفسّر صعوده السريع وتحقيقه انتصارات عسكرية سريعة في كل من العراق وسورية قبل أن يتشكّل التحالف الدولي والإقليمي لمواجهته؟

هل أسباب صعود التنظيم مرتبطة بشبكة علاقاته وتكمن بمصالح إقليمية متوارية وراء المشهد أم بعوامل ذاتية أم بشروط واقعية موضوعية أخرى أم أسباب مركّبة ومتعددة؟

وهل الخلافات بين تنظيم الدولة والقاعدة المركزية مرتبطة بالصراع على النفوذ والقوة والسيطرة؟ أم أنّ ما هي طبيعة التركيبة الداخلية لتنظيم الدولة الإسلامية؟ وهل تملك خبرة عسكرية أو إدارية في التعامل مع التحديات الكبيرة التي تواجه التنظيم؟ وما هي التوقعات النسبية لحجم التنظيم؟

ما هي الاحتمالات والمؤشرات المتوقعة حول مستقبل التنظيم وخياراته في المرحلة القادمة في مواجهة التحالف الدولي والإقليمي ضده؟

للإجابة على هذه التساؤلات وتفكيك هالة الغموض ومواجهة القراءات المتضاربة حول تنظيم الدولة الإسلامية أو حتى استنطاق المساحات المشتركة والخلافات بينه وبين تنظيم القاعدة المركزية، ترصد الفصول الأولى من الكتاب وحللت مسار تطور تنظيم الدولة الإسلامية والمراحل والتحولات التي مرّ بها، والأسباب التي أدت إلى تراجعه في الأعوام الماضية، قبل صعوده الثاني الأخير منذ العام 2011، وصولاً إلى إعلان الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام ولاحقاً الخلافة.

ويتناول الكتاب جبهة النصرة، في المشهد السوري، ويقف على الخلافات الداخلية بينها وبين تنظيم الدولة الإسلامية، التي أدت إلى انشطار القاعدة والصراع بين التيارين، وسنحاول تمييز البناء الأيديولوجي لتنظيم الدولة مقارنة بجبهة النصرة وبالسلفية الجهادية عموماً.

يتطرق الفصل الأخير إلى البنية الداخلية والهيكلية لتنظيم الدولة الإسلامية، وكيف تطوّر عبر الأعوام الماضية من جماعة بسيطة إلى محاكاة نظام الدولة المعاصرة ومزاوجة ذلك بالميراث الفقهي الإسلامي.

في الخاتمة، سنحاول استنطاق المؤشرات الرئيسة للمرحلة القادمة، على صعيد التحالف الدولي والإقليمي والحرب الراهنة وعلى صعيد تنظيم الدولة الإسلامية وأخيراً الخلافات في أروقة القاعدة وداخل التيار السلفي العالمي.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.