اغتيال إرث الروائي عبد الرحمن منيف / نوال العلي
نوال العلي ( الإثنين ) 23/3/2015 م …
هل عبد الرحمن منيف لا أحد؟”، تطرح زوجته سعاد قوادري، على حسابها في “فيسبوك”، هذا السؤال المؤلم، مستنكرة “لكونه لا يحمل جنسية أي بلد، هل هو لا أحد؟”. نفهم من قراءة ثلاثة إعلانات صادمة كتبتها قوادري أن تساؤلها يأتي إثر تعرّض مكتبة صاحب “مدن الملح” للسرقة والتشويه والإتلاف بصور مختلفة.
وهي تقف الآن وقد أُسقط في يدها لتعرف إن كان منيف (1933 – 2004)، الذي عاش غريب بلادٍ، فيما صارت كتبه موطناً للقرّاء، سيجد من يدافع عن مكتبته الـ”غنية بكتبها القديمة والتي تتجاوز الخمسة عشر ألف كتاب، بينها الموسوعات والقواميس والحوليّات والدوريات… والتي تعود لبداية القرن، بما تضم من تراث عربي أصيل وكتب عن حضارة المنطقة، وكتب تعتبر بحد ذاتها وثائق نادرة، والطبعات الأولى لكتب لم يُعَد طبعها”، وفق وصفها.
تتّهم قوادري، بشكل صريح، أمين سر الاتحاد العام للكتّاب والصحافيين الفلسطينيين، حمزة برقاوي، وابنه سامي، بـ”تدمير وإتلاف وتشويه” المكتبة. وروت في التفاصيل، مبادرتها باستضافة الابن سامي برقاوي إثر تعرّض بيته في منطقة حرستا في ريف دمشق للقصف، كنوع من تقديم المأوى والمساعدة.
تقول قوادري: “ارتكبت الخطأ الكبير الذي سيؤلمني ما حييت، العمل الذي تسبب في ضياع ونهب تراث عبد الرحمن منيف ومكتبته، الخطأ المريع الذي لن يمحى من ذاكرتي وكياني. إنني بدافع إنساني استضفت في هذا البيت ابن العائلة التي كنت أظن أنه يستحق المساعدة عندما تعرض بيته للإصابة في المواجهات […] أقام سامي حمزة برقاوي مع زوجته رندة عبد الكريم، في حين أساء الأمانة […] اشتركت عائلة حمزة برقاوي وزوجته ماجدة شاكر بالسطو على المكتبة وكامل تراث الروائي عبد الرحمن منيف”.
وفي اتصال معها ، تروي قوادري التفاصيل: “كنت أستعد للسفر لزيارة أبنائي في أميركا ودبي، حين تعرّض منزل سامي للقصف، وهم أصدقاء لنا، فقلت لا بأس أن يجلسوا في البيت لحين عودتي، من دون أي مقابل بالطبع”.
وتبيّن أنها كانت قد وضعت المخطوطات المهمة والثمينة في خزنة، لكن برقاوي طلب منها المفاتيح قبل أن تغادر بحجّة أن الأمن قد يمرّ في ظل الظروف التي تعيشها البلاد، أو قد يتعرض المكان لأي شيء ومن الأفضل أن تظل المفاتيح معه، وهنا تبكّت نفسها معتبرة أن الأمر كان ضرباً من الغباء منها.
وتقول قوادري : “عدت بعد قرابة تسعة أشهر. كان كل شيء مهملاً، واعتقدت أن حالة المكتبة التي يرثى لها نتيجة الإهمال فقط. كنت ممتعضة جداً، ولأن الوقت كان شتاءً لم أقم بترتيبها. البيت كبير ومرّ وقت قبل أن أبدأ بترتيبها واكتشاف ما حدث”.
وفي تفاصيل إعلانها على “فيسبوك”، تستهجن كيف استطاع برقاوي تصوير محتويات المكتبة الضخمة. وعن ذلك، تقول : “لقد عرفت أن هذا الأمر مكلف جداً، لذلك لا أعتقد أنه جهد أفراد”، مضيفة: “لقد تأكدت أن البرقاوي من قام بذلك، لأن اسمه كان مكتوباً على من أرسل له الكتب لإعادة التغليف بعد إتلافها، وقد نسي أن يزيل اسمه. كما أنني كنت أضع في بداية كل يوميات عدد صفحاتها، وقد وجدت أن كثيراً من الدفاتر التي كانت في خمسين صفحة أصبحت ثلاثين، وأنا قلقة الآن لأنه اجتزأ من يوميات منيف مخافة أن يقوم بالتشويه فيها بالزيادة عليها مثلاً”.
ليس هذا فقط، بل إنه “انتهك الحقوق الفكرية لكتبه ورواياته الخاصة، فصوّر وتصرف كما يحلو له للمتاجرة. يخلع الغلاف غير مبالٍ بما يتعرض له، ويفتح ملازم ويصوّر ثم يعيد لمّه بطريقة بدائية”، مضيفةً أنه قام بـ”وضع صور مشوهة مكان النسخ الأصلية لبعض الكتب وأخذ الأصل. فتركت مكتبة عبد الرحمن حزينة قذرة ومشوّهة”.
أما الرسائل بين منيف وأصدقائه والتي كانت قوادري قد فرزتها وأعدتها للنشر، فقد سرقت هي الأخرى، إضافة إلى يومياته الخاصة التي كانت نشرت بعضاً منها وكانت ستنشر ما تبقى على التوالي، وكذلك “سرقت أوراقه الخاصة وكل المدونات، وتخطيطات ورسوم عائدة له ولبعض رسامين كبار رسموا على دفاتره أحياناً. والمريع سرقة مخطوطات لم تنشر بعد”. وبدايات لروايات، كما أضافت لنا، لم يكملها منيف.
لكن لماذا انتظرت قوادري كل هذه الشهور حتى تعلن ما حدث؟ تجيب بأنها أرسلت وساطات من المثقفين والأصدقاء بهدف تسوية الأمر، ولكن برقاوي الابن أنكر وزعم أنها اخترعت الأمر كلّه، ثم قيل لها “إن الأمر لا يستأهل كل هذا”. وعن اللجوء إلى القضاء، تبيّن “لقد تحدثت إلى محام فعلاً وقال لي إن سرقة مكتبة والشأن الثقافي برمته في ظل ظروف الحرب الآن هو أمر مهمّش، ولا يعتقد أن اللجوء إلى القضاء سيكون مجدياً”.
اتصلنا بسامي برقاوي الذي قال “ليس لدينا ما نقوله سوى أن ما ورد في بيان القوادري محض افتراء وأكاذيب وعار من الصحة”. وأضاف “لقد أقمت في منزلها تسعة شهور بطلب منها بحكم العلاقة التي تربط العائلتين والتي تمتد ﻷكثر من 50 عاماً والتي فسرت موقفها لاحقاً بأنه بدافع من الشفقة”.
ولدى السؤال عن تفسيره لهذا “الافتراء” إذا كانت تربط العائلتين صداقة عميقة إلى هذا الحد، أجاب برقاوي: “لا ندري من هي الجهة التي دفعتها لذلك” مستنكراً: “هل يعقل بأن سرقة كبيرة بهذا الحجم تكتشف بعد سنة كاملة (غادر برقاوي المنزل في 4/3/2014)، سنة كاملة كفيلة بأن تلفق ما تريد. هي تتكلم عن سرقة وإتلاف ما يزيد عن 15000 كتاب، من يتعرض لسرقة من هذا النوع لا يمكنه الانتظار يوماً واحداً، سيتصرف بسرعة باللجوء إلى القضاء. ما لجأت إليه منذ البداية هو الرغبة في التشهير واﻹساءة؛ بدأت بي وانتهت بوالدي وعائلتي. نحن كعائلة لا ندري السبب الحقيقي، التفسير الوحيد أنها تود بناء مجد لها من خلال اسم زوجها على حساب سمعة اﻷخرين”.
التعليقات مغلقة.