ما بعد قرار مرسي .. ليس كما قبله

ليس مستغرباً أن يتخذ الرئيس الإسلاموي الإخوني مرسي قراره بقطع العلاقات مع الدولة الوطنية السورية بالتزامن مع قرار العواصم الاستعمارية الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية  بتسليح ما أسمته المعارضة المعتدلة،وكانما هذه العصابات الإرهابية النيتوية الوهابية لم تُسلّح بعد، ولم تُدعم بكل أشكال الدعم، وهو الأمر الذي اعترفت به وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قبل نحو 22 شهراً عندما قالت أن (المعارضة ) مسلحة ومدرية وممولة جيداً، وفيما بعد دعت كلينتون (المعارضة)إلى رفض الحوار وعدم القاء السلاح،رداً على المبادرة السورية المتكاملة للحوار والمصالحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وليس مستغرباً أن يدعو مفتو الفتن في اجتماعهم بالقاهرة قبل ساعات على قرار مرسي إلى الجهاد ضد سورية، وان يعلن العريفي صاحب فتوى جهاد النكاح أن إسالة دماء السوريين وذبح وتقطيع أوصالهم حلال ومرضاة لله جل وعلا عن إفكهم وضلالهم وتخلفهم وعمالتهم .

ليس مستغرباً أن يدعو هؤلاء لما دعوا له، بل المستهجن أن لا يفعلوا ذلك، فالخيانة لا تتجزأ ، وعمى البصر والبصيرة، يضل عن العديد من القضايا ذات الأولوية ولا أولوية غيرها، وتحرف البوصلة ، وتجعل العدو صديقاً والصديق عدواً ـ ويخال هؤلاء أن مفاتيح الجنة ومخادع الحور العين في أيديهم ضلالاً وصلفاً وتألهاً على الله جل وعلا سبحانه عما يأفكون .

من الطبيعي جداً أن يتحالفوا مع الكيان الصهيوني، فتخفق أعلامه في سماء قاهرة المعز في عهدهم، وأن تغلق سفارة دمشق العصية على الإمبريالية ؛ التي لم تعقد اتفاقية مع تل ابيب ولم تتح لمؤسسات رأس المال العالمي التدخل في قرارها الاقتصادي، التي حققت أمنها الغذائي واحتضنت المقاومة والتي قرارها من (رأسها) وفق مصالح شعبها وأمتها وليس بالكونترول.

فقد سبق لهذا ألـ ( مرسي ) أن سخّر امن شبه جزيرة سيناء لصالح ( إسرائيل ) وغمر متنفسات غزة مع سيناء والعالم بالمياه العادمة إرضاء لـ تل ابيب وواشنطن، فصنع ما حاذر وخجل مبارك من تنفيذه، فعل مرسى ذلك رغم وحدة المرجعية لكل من حكومة غزة الانفصالية ومرسي ، وبالتأكيد ليس خروجاً عن توجيهات مكتب الإرشاد العالمي الإخوني في المانيا .

لقد بت منذ سنتين ونيف أكثر تفهماً للراحلين الكبيرين جمال عبد الناصر وحافظ الأسد يرحمهما الله ولعداء الإخونيين لهما وتوقيت العداء.. ولعداء الاسلامويين الآن للرئيس بشار الأسد ..

ولا بد أن القرار الغبي والمتخلف لـ مرسي (إضافة لكل الصفات الأخرى للقرار) كان بمثابة المسمار الأخير في نعش الأنظمة الإخونية والوهابية التي ولّدها الخريف الأمريكي الإسلاموي؛ الذي استبق استحقاقات الإصلاح والتغيير،بدعاوى الإصلاح والتغيير،فكلف الأمة ملايين الضحايا والجرحى والمهجرين داخل أوطانهم وفي الخارج، وأخسرهم مئات تريليونات الدنانير ، وأورثهم إحن وثارات وحرف للبوصلة وشروخ من التعصب المذهبي والطائفي والإثني .

لكن ذلك كله، وما حمل معه من آلام ومعانيات وخسائر، عرى وكشف نهائياً حقيقة تلك العصابات، التي تتلفع بالدين الإسلامي الحنيف فيما هي تعمل لصالح اعداء الأمة وتسيء للإسلام وتشتت أبناءه وتبيح دماءهم بالنيابة  عن أعداء العروبة والإسلام، وبهذا اتضح مدى ما يعتور الوطن العربي ويتخلله من اختراقات فكرية وديمغرافية وسياسية واجتماعية واستراتيجية كانت غير واضحة ولا مكشوفة، ما يتيح مراجعات شاملة، واستعادة الدين الإسلامي من مختطفيه ومزوريه ومدعيه، وتصويب الحراك الشعبي العربي واتجاه البوصلة نحو الأعداء الحقيقيين للأمة مسيحيين ومسلمين من كل المذاهب والطوائف والإثنيات ، فالأمة العربية هوية حضارية ثقافية جامعة لكل أبنائها دون أدنى تعصب من أي نوع ، بمواجهة أعدائها وأعداء الإنسانية من إمبريالية وصهيونية وعنصريين دينيين أو إثنيين أو ثقافة .

سيكون لقرار مرسي تداعيات مصرية وإقليمية ودولية،حيث امتلكت المعارضة المصرية بالمجان سلاحاً جديداً تقاتل به حكم المرشد الإخوني ،وتسرّع من تحولات الشارع ضد الإسلام السياسي في مصر، وربما اتاح هذا للجيش الوطني المصري فرصة استعادة كرامته التي استلبها المرشد ومرسي وقنديل(..)وسيشكل القرارإحراجاً كبيراً للجماعات الإسلاموية وبخاصة الإخونية في البلدان العربية التي تطمح فيها هذه الجماعات للوصول إلى السلطة .

وسيحدث القرار تمحوراً أكبر وتمايزا سياسيا أشد إقليميا ودولياً ، وسيجعل أي تردد في الجانب الحليف لسورية غير ممكن، ولا مطلوباً، وأكثر مشروعية . وسيزيد من شعبية المقاومة اللبنانية ، وتراجع حماس فلسطينيا وعربيا، ما سيخدم السلطة الفلسطينية وحركة فتح ، وسيتيح للأخيرة فرصة نسج تحالفات ربما مختلفة عن السابق وعلى صعيد اختلافاتها التاريخية .

بكلمات لقد كان قرار مرسي ، قراراً أكثر من غبي ، بمثابة انتحار وبيع بالقبان مجاناً، وبخاصة انه اتخذ بعد الوقت الضائع ولم يتوفر على مصلحة مصرية وطنية، ما أفقده عنصر المفاجأة والمصلحة معاً ، وجعل منه عبئا عليه وعلى جماعته،بل في صالح مصر والشعب المصري والدولة الوطنية السورية وحلفائها ،وسيعجّل القرار من احكام وحسم الصراع في سورية ، ووقف أي تردد في التعامل العسكري الصارم ، وعلى خلفية مزيد من المشروعية ومن التعاطف الشعبي  مصريا وسوريا وعربيا وإقليميا ودولياً .  .

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.