اتفاق فيينا النووي في الميزان (2) / عبدالحفيظ ابو قاعود

 عبدالحفيظ ابو قاعود ( الأردن ) السبت 21/10/2017 م …



تسعى ادارة “ترامب”  الى الانسحاب من الاتفاق او تعديله بطلب  من ادوات الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل بالضغط على ايران وحلفها المقاوم للدخول بمصالحة مكشوفة مع إسرائيل والتفاهم مع “مملكة ال سعود” على النفوذ في الاقليم ،واستعادة النفوذ الامريكي، كما كان الحال في عهد الشاه بالسماح لها بإقامة القواعد العسكرية الثابتة والمتحركة، وان تكون سوقا لمنتجاتها ،والانضمام الى منظومة التحالف الامني الاقليمي ،والاشراف على المشروع النووي، كما هو الحال في باكستان، وتخضع سلاحها الاستراتيجي لأشراف البنتاغون ، وذلك بالعودة  للمربع الاول .
فجاء  الرد الايراني سريعا على لسان قائد الحرس الثوري على الموقف الجديد لإدارة ” ترامب”  قبل اعلانه سواء  الانسحاب من الاتفاق من طرف واحد او تعظيم العقوبات الاقتصادية او في حال اعتبار الحرس الثوري منظمة ارهابية ، بان عليها نقل القواعد العسكرية الامريكية الثابتة والمتحركة في الاقليم والمنطقة  الى مسافة لا تقل عن الفي كيلومترا من حدود إيران الدولية ،باعتباره قواعد تغذي الارهاب .
واستمّرت إسرائيل  ومعها الولايات المتحدة  الأمريكية والغرب المتصهين و”عربان الكاز” بالتحريض على الملف النووي الإيراني، حتى انتصرت بعلماء الفيزياء وجهابذة الفكر الواعي المؤيد بالحق، وخَّصبت اليورانيوم ذاتيا  وأنتجت السلاح النووي ، وانصاعت دول الخمسة زائد واحد، الى موقفها الصلب في امتلاك السلاح النووي السلمي .
لكن خطوات موقف “ادارة  ترامب” الجديد القديم من الاتفاق النووي مع إيران في عرضه على مجلسي النواب والشيوخ في مهلة الستين يوما لعدم المصادقة عليه او الطلب  لتعديله او الانسحاب منه ؛ جاء بعد هزيمة المشروع التكفيري المتوحش في العراق وسورية ،التي كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تعولان عليه لتدمير حلقات المحور المقاوم من خلال مؤامرة الشرق الاوسط الجديد لتفتيت العراق وسورية .
السياسة الامريكية الخارجية في الشرق محكومة بالشروط والاملاءات الامريكية الثلاث المتلازمة على الدول العربية والاسلامية من خارج النفوذ الغربي المتصهين لضمان ما يسمى بالسلام الاقليمي ” مسار السادات لتسوية الصراع العربي الاسرائيلي ،هي ؛
اولا :- المصالحة المكشوفة مع إسرائيل ،والاعتراف بيهودية الدولة في فلسطين المحتلة .
ثانيا :- التعاون الاقتصادي والتفاهم العسكري مع الولايات المتحدة / الانضمام الى منظومة التخالف الامني الاقليمي/لضمان النفوذ الامريكي  في الشرق .
 ثالثا :- التفاهم مع “مملكة ال سعود ” باعتبارها الخزان البشري و المالي لتمويل مشاريع التسوية والحروب بالوكالة والاحتلالية المباشرة ،وتامين جبهات القتال بالمرتزقة لضمان امن إسرائيل والحفاظ على المصالح الحيوية الامريكية في الشرق .
وهنا تكمن مسارات الاستراتيجية الامنية الامريكية الاسرائيلية المشتركة ،التي نصت عليها معاهدة التعاون الاستراتيجي الامريكية الاسرائيلية لعام 1988. في حين كانت اتفاقيات الحماية الامنية المباشرة ومذكرات التفاهم والتعاون العسكري والتحالف من خارج الناتو مع دول منظومة التحالف الامني الاقليمي في خدمة هذه الاستراتيجية المشتركة  .
وهنا يفهم مواقف الرؤساء الامريكيين من الحفاظ على امن  إسرائيل ووضعها تحت المظلة النووية الامريكية لتكون الدولة ،التي لا تقهر في الشرق الى ان جاء عصر الانتصارات وولى زمن الهزائم ،التي كان لإيران ؛ الثورة والدولة اليد الطولي في تحقيقه، وفي تغيير قواعد الاشتباك ،بعد امتلاك السلاح الاستراتيجي الكاسر ” الصواريخ العابرة للقارات .
اعلان ايران بان “سلاح الصواريخ ” لديها غير خاضع للمفاوضات مع أي جهة كانت ،لأنه سلاح دفاعي ؛ مما اثار حفيظة الادارة الامريكية لتهديده إسرائيل من الوجود ، وتعميم “تقانيه الصواريخ “على الحلفاء في محور المقاومة تصنيعا وامتلاكا ؛ حزب الله نموذجا ، التي اعتبرته الإدارة الامريكية منظمة ارهابية من اجل عيون إسرائيل . فالرد الايراني السريع من اعلى المستويات القيادية على تخرصات “ترامب ” حول الاتفاق ؛ كان حاسما وواثقا بحتمية الانتصار في هذه المعركة الجديدة ؛ لا.. لتعديل الاتفاق ، لا .. مفاوضات على برنامجها الصاروخي ، ولا .. مصالحة مكشوفة مع إسرائيل، لا .. عودة الى المربع الاول ، كما كان الحال في زمن الشاة .
الخلاصة والاستنتاجات ؛
 – الاعتراف بان إيران قوة إقليمية عظمى تحقق منذ انطلاق مفاوضات الخمسة زائد واحد ، ففي الابعاد السياسية والاستراتيجية لهذا الاعتراف الدولي ؛ كان الإعلان الرسمي عن قبول عضوية إيران في نادي القوى العظمى ، والمنتدى النووي العالمي .حيث – احتلت إيران في العقد الأول من الالفية الجديدة،  المرتبة التاسعة عشرة عالمياً في الإسهامات البحثية المنشورة .لأنها مهتمة بالمعرفة الانسانية وعلوم “تكنولوجيا الناتو” في اطار مشروعها “فن الحياة”.
– اتفاق فيينا التاريخي بالاعتراف بإيران قوة عظمى يشابه ويوازي في شروطه ومضامينه ومالاته ؛ اتفاق صلح الحديبة التاريخي ، ويحولها  من “ولاية الفقيه” الى “ولاية الملة” في زمن قياسي .
– ان “الامة والملة ” في صلب هذا الاتفاق التاريخي ،ويفتح افاقا للحوار بين قوميات ” الملة” فيما بينها في اطار مشروع التكوين السياسي والتشابك الاقتصادي، وحل الخلافات الحدودية والمذهبية بالحوار والتفاهم ، وانهاء الصراع بينها وبين الغرب في مصالحة تاريخية مقبلة في اطار نظام دولي متعدد الاقطاب والثقافات .
— القيادة الايرانية الراشدة في خطوتها الاولى بالموافقة  على “الاتفاق النووي ” في فيينا مع الدول العظمى 5+1 بالأحرف الاولى، قد اقتدت بخطوات الرسول الاعظم في التفاوض مع القوى العظمى في زمانه لتحويل التهديد والحصار العلمي والاقتصادي الى فرصة وقصة نجاح .
– لقد حققت إيران الانجاز العلمي العظيم بامتلاك السلاح النووي للتوازن الاستراتيجي مع قوى الاستكبار العالمي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية لتكون الجمهورية الاسلامية القوة الاسلامية الاولى ،التي تمتلك الخيار الاستراتيجي في عالم لا يحترم الا الاقوياء ولا يقيم وزنا للضعفاء
– كشف الاتفاق عن ان إيران “الثورة الاسلامية والدولة المدنية “ ؛؛تمكنت من تحقيق اختراق نوعي في الاستراتيجية العدوانية المتوحشة، والتي استهدفت حظر المعرفة على العرب والمسلمين، وذلك من خلال التوجه الى مشروع علوم ” فن الحياة” ،لثقب جدار الحظر الغربي المتصهين على “الامة والملة” لامتلاك “تكنولوجيا الناتو” وتعميمها
البدء بانكفاء الهيمنة الأميركية الأحادية القطبية الى الداخل ،وهزيمة حلفها الاقليمي في الحرب الكونية على سورية ومن سورية لصالح صعود قوى وتوازنات دولية جديدة منذ قيام “مجموعة البريكس” و”منظمة شانغهاي” ومحور المقاومة العربي، وانهيار منظومة التحالف الامني الاقليمي ، وظهور شروط زوال المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة.
 نتائج اجتماعات منظمة شانغهاي المتوالية منذ الاجتماع الذي عقد في روسيا في وقت سابق وتزامنها  مع مفاوضات فيينا التاريخية ، ؛تشئ الى حقيقة ازاحة مراكز الثروة الكونية الى دول الشرق والجنوب ، وباعتراف خبراء ماليين واقتصاديين غربيين ودوليين.
– تنامي قوة وتأثير “مجموعة البريكس ” بعد الاتفاق في الساحة الدولية وهي ؛ الحقيقة التي عبرت عنها سياسيا في قرارات مجلس الأمن الدولي المتمثلة بالفيتو الصيني الروسي للمرة الثامنة حول المسألة السورية ، وتأييد دول العالم للاتفاق ماعدا إسرائيل ومملكة ال سعود ، و ” ترامب “.
– ان العالم يتجه  نحو بناء نظام عالمي جديد عادل متعدد الاقطاب والثقافات بعد الاتفاق ؛ ينهي نفوذ اليات دوائر النظام الدولي احادي القطبية ؛ البتك الدولي .. وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية  والشركات متعددة الجنسيات والعابرة للقارات، والمجمع الصناعي العسكري، والمخابرات المركزية الامريكية .
– يجرى التفاوض بين اطراف الاتفاق بعد عشر سنوات حول تعديله لامتلاك ايران السلاح النووي الاستراتيجي ، وذلك من خلال مباحثات في سياق التحولات في ميزان القوى الدولي والاقليمي. لكن الموقف الامريكي الجديد بشأنه ينم عن عملية داخلية لإدارة “ترامب ” تلبية لطلب وضغط صهيوني ./ انتهى * صحافي ومحلل سياس

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.