“الأمة والقومية” .. بناء دولة الأمة / جورج حدادين
جورج حدادين ( المبادرة الوطنية الأردنية ) الثلاثاء 24/10/2017 م …
لا نزال على صعيد الأمة العربية نبحث عن “مشروع تحرر” وبناء حامل اجتماعي له، يوحد الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة، لتنجز مهمة بناء مجتمع منتج محرر مستقل، مجتمع صاحب قرار حر في اختيار طريق تطوره الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي والروحي، ويحقق إنجاز مهمة بناء “دولة الأمة”.
إنجاز مهمة بناء “الدولة الوطنية المنتجة المستقلة” يشكل شرطاً وطريقاً إجبارياً لبناء “دولة الأمة”.
في سياق هذا المشروع يشكل الحوار حول “المفاهيم والمضامين” شرطاً مسبقاً لبناء أرضية ترسم حدود التوحد و/أو تحديد التباينات والاختلافات. صياغة هذا المشروع الضامن لإنجاز مهمات المرحلة، وحتى تحديد سمة المرحلة بذاتها، هي أيضاً، مجال للحوار والنقاش والتوافق، أنها “مرحلة التحرر الوطني “.
“مفهوم الأمة ومفهوم القومية” هي أحد الأبواب والمداخل للحوار حول المفاهيم، من اجل التوحد حول المضامين.
مقدمة توضيحية للتمّيز بين هذين المفهومين – الأمة والقومية – والتعامل معهما بكونهما مفهومين مستقلين عن بعضهما ومختلفين لناحية الماهية، حيث أن هناك التباساً كبيراً في التمييز بينهما، وخاصة لدى النخب التي تتحاور.
الانطلاق من تعريف مبسط ومكثّف جداً لهذين المفهومين يشكل مدخلاً للحوار:
“الأمة هي بنية والقومية هي ايدولوجيا”
الأمة: بنية اجتماعية لمجموعة بشرية محددة ترتكز على منظومة روابط:
- اقتصادية وثقافية وحضارية ولغة وارض مشتركة.
- مجموعة خصوصيات من “التكوين النفسي والعادات والتقاليد والسلوك”
- تتمايز خصوصيات البنى الفوقية والبنى التحتية للتكوين الجمعي، بكونه تراكم من الماضي السحيق إلى الحاضر الراهن.
- الأمة تتشكل كبنية عبر صيرورة تاريخية خاص بها هي وحدها، ولا تتحدد بفترة زمنية محددة، فالأمة العربية مثلاً، هي نتاج تراكمات كافة الحضارات السابقة، التي بناها الإنسان المنتج على هذه الأرض الجغرافية، عبر التاريخ، بما فيها اللغة ذاتها هي عملية تراكم.
بناء عليه، فأن مقولات المكونات والأقليات في المجتمع، ومصالحها والحفاظ عليها، مقولات غير تاريخية، وغير علمية، وتتعارض تماما مع صيرورة تشكل الأمة، لا بل هي مقولات ، بشكل مباشر أم غير مباشر، تخدم مشاريع الهيمنة والتسلط.
القومية: ليست بنية، بل ايدولوجيا، وهي عبارة عن نسق من الآراء والأفكار والنظريات: السياسية والحقوقية والدينية والأخلاقية والجمالية والفلسفية، مرتبطة بفترة محددة أو مرحلة محددة من التاريخ، وكونها جزء من الوعي الاجتماعي، فأنها تتحدد بظروف حياة المجتمع المادية وتعكس منظومة العلاقات الاجتماعية الاقتصادية السائدة.
لم تعرف القومية بمعناها الحديث – ايدولوجيا – إلا نهاية القرن الثامن عشر، خلال فترة الانتقال من التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية الإقطاعية إلى التشكيلة – الاقتصادية الرأسمالية، حيث نمت البرجوازية الوطنية في أحشاء النظام الإقطاعي، وفي مرحلة نضوج التناقضات بداخله، وبالتالي نضوج أزمة النظام الإقطاعي ذاته، تمكنت هذه البرجوازية ومن خلال ثورة الفلاحين والاقنان، على استلام السلطة السياسية، وفي هذه المرحلة بالذات تشكلت دول الرأسماليات القومية، وكانت الحاجة ماسة لايدولوجيا توحد الجميع، الفلاح وألقن والمهمش، والطبقة الجديدة ألتي تشكلت، و تملكت وسائل الإنتاج، فكانت “الأيدلوجيا القومية” هي اللاصق لاجتماعي لهذه التشكيلة الاجتماعية، وبديلاً عن ايدولوجيا الإقطاع الدينية.
إذن ” شرط تشكل الايدولوجيا القومية هو نشؤ طبقة برجوازية وطنية” وهذه الطبقة تحديداً لم تتشكل في عالمنا العربي بعد.
في حين كانت وما زالت “دول الماقبل رأسمالية” تتبنى الايدولوجيا الدينية، ايدولوجيا رسمية للدولة والمجتمع، وتكون لغة الحامل للدين، هي اللغة الرسمية السائدة، لكافة المجتمعات التي تبنت الدين ايدولوجيا، ولغة تلك النخب التي تشكل الرأي العام في المجتمع.
تخطت الدول الرأسمالية التي أنجزت مهمات “الثورة الوطنية البرجوازية” أيديولوجيا دين الدولة، وأنجزت مهمة الفصل بين الدين والدولة.
بينما كافة دول ومجتمعات التبعية “الماقبل رأسمالية” هي بالضرورة دول دينية، بغض النظر عن شكل تطبيقه، حيث تتضمن دساتيرها بنداً حول دين الدولة، بما فيها الدول العربية التي تبنت الايدولوجيا القومية، لتدمج بشكل اعتباطي أيدلوجيتين مختلفتين معاً: الايدولوجية الدينية والايدولوجيا القومية، وحدة تناقض ، وتتبناهما مندمجتين أيديولوجية الدولة والمجتمع، وسوف يتعرض هذا الدمج القسري لانفجار، في محطة ما، وهو ما تجلى بوضوح في أحداث ما يسمى الربيع العربي، لكن هذا الحدث لم يتم وعيه بشكل تاريخي، لدى كافة القوى التي تتبنى الايدولوجيا القومية، حيث لا تزال هذه القوى مصرة على الربط والدمج بين الايدولوجيتين.
محاولات تفكيك الدول وتفتيت المجتمعات، يجري على أرض الواقع في بلادنا، على أرضية تفكيك الايدولوجيا الدينية،حيث نلمس اليوم سهولة تفكيك “الايدولوجيا الدينية الشمولية”إلى عناصرها البدائية المذهبية:سنة،شيعة،يزديين،علويين ودروز..
الخ،وتبعا تم تفكيك دول عربية تتبنى ايدولوجيا قومية– دينية هجينه،وتفتيت مجتمعاتها على هذه الأرضية، ليبيا العراق سوريا اليمن السودان الصومال ومصر.
بعد الحرب العالمية الأولى تم تفكيك الدولة العثمانية الدينية الإقطاعية،حيث تمكنت مجتمعات أوروبية كانت تحت الحكم العثماني من بناء دول الأمة، وإنجاز مهمة فصل الدين عن الدولة،بالمقابل لم تتمكن القوى السياسية العربية آنذاك،بسبب موقفها المهادن والتابع لقوى الاستعمار،بالإضافة إلى مخطط التقسيم سايكس – بيكو الذي تبناه المركز الرأسمالي العالمي، وطغيان قوته، واختلال موازين القوى بشكل هائل لصالحه، لم تتمكن قوى المجتمع المختلفة هذه من بناء دولة الأمة العربية.
تشكل حركات التحرر الوطني بنى نضالية ، أطر الضرورة لتمّكن كافة الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة، من خلال القوى الاجتماعية المؤطرة والممثلة لها ، من التوحد على مشروع نضالي، هو بالضرورة مشروع التحرر الوطني، مع الحفاظ على الخصوصيات الايدولوجية للشرائح والقوى الممثلة لها.
إن انجاز هذا المشروع، هو وحده ما يحقق تحرير الأمم التابعة، ويضمن استقلالها وتطورها ويرسخ الوعي التاريخي الجمعي لها، وبذلك يمكن الظفر بالاستقلال الوطني الناجز وتكوين دولة الأمة التي تضمن السيادة، والتي تشكل شرطاً رئيساَ لضمان تطورها سياسياً واقتصاديا وثقافيا بشكلٍ مستقل.
شروط تحقيق دولة الأمة، خارج نطاق الشعارات، والمهمات المطلوب إنجازها لتحقيق هذه المهمة، هو ما سيتم التطرق إليه لاحقاً.
” كلكم للوطن والوطن لكم”
التعليقات مغلقة.