الاحتفال بمئوية وعد بلفور المشؤوم و”عمل الرب”! / بهيج سكاكيني

د. بهيج سكاكيني ( الثلاثاء ) 24/10/2017 م …




في السابع من الشهر القادم نوفمبر ستقام في قاعة رويال البرت هول الشهيرة في بريطانيا فعالية استثنائية لجذب مسيحيين ويهود معا للاحتفال بمرور مئة عام على إعلان وعد بلفور وما ترتب عليه. وبحسب المنظمين لهذه الفعالية فإن المسيحيين سيتواصلون من خلال هذه الفعالية لدعم الجالية اليهودية ودولة إسرائيل.

وللتعريف بالفعالية فقد ذكر المنظمون في الإعلان إن “رؤيتنا لإقامة مثل هذه الفعالية الكبرى في قاعة رويال البرت هول هي رؤية طموحة ونحن ندرك اعتمادنا على الله لتحقيق كل ما نصبو اليه منها. وبرنامج الأمسية سيتتبع تاريخ عمل الربمن خلال وعد بلفور الذي تتوج باستقلال دولة إسرائيل الحديثة. وسنقوم باستخدام الرقص، والفلم، والاغنية والتمثيلية الصغيرة لتبيان وتوضيح كيف أن الرب استخدم المسيحيون واليهود لتحقيق نبوءة عودة الشعب اليهودي من المنافي والغربة الى موطنهم التوراتي القديم إسرائيل.”

ويضيف الاعلان : ” وسيقوم رؤساء المسيحيين بقراءة بيانات التي تعكس رغبة المسيحيين لـ

.إعادةالتواصل مع الإرث الروحي لرجال الله اللذين دعموا عودة اسرائيل الى أراضيها.

. التذكير بوعد بلفور وبالشراكة اليهودية المسيحية التي جعلت من هذا حقيقة

. الاقرار بفشل بريطانيا في تحقيق نوايا وعد بلفور من خلال الانتداب على فلسطين

. إعادة تكريس أنفسنا كمسيحيين لدعم إسرائيل والجالية اليهودية.

وبطاقة الدعوة تذكرنا بأن قاعة رويال البرت هول هي المكان الذي احتفل فيه اللورد بلفور والجالية اليهودية بمنح بريطانيا للانتداب على فلسطين. ولا شك أن المنظمون أيضا يعتبرون أن هذا الحدث هو من فعل الرب.

وما لم يذكره الإعلان لهذه الفعالية أن هؤلاء المسيحيون الذين يراد لهم الحضور هم المسيحيون المتصهينين والذي هم أكثر تشددا من الصهاينة أنفسهم ولهم تأثير كبير على السياسة الخارجية الامريكية وبالتحديد في تقديم الدعم الاعمى واللامحدود لكل ما تقوم به الدولة اليهودية باعتبار أن كل ما تقوم به هو تنفيذ للإرادة الإلهية وبالتالي يجب عدم الاعتراض عليه أو توجيه أي انتقاد لإسرائيل. أو أنهم من المسيحيين العاديين الذين يراد تحويلهم الى مسيحيين متصهينين أو على الأقل هذا ما تهدف اليه الفعالية.

الصهيونية بهذا الإعلان والافصاح عن طبيعة النشاطات التي ستعرض في هذه الفعالية التي جاءت في الدعوة أو الإعلان أخذت المدخل الديني المخادع  بقولها ان وعد بلفور إنما جاء لتحقيق الإرادة الإلهية على يد المؤمنين ورجال الله من المسيحيين وذلك في محاولة لدغدغة العواطف الدينية لدى بعض البسطاء والسذج، وخاصة اللذين يجهلون كيف استولت الحركة الصهيونية العالمية على الجزء الأكبر من فلسطين بالتعاون مع القوى الامبريالية آنذاك وعلى رأسها بريطانيا الى جانب النازية الالمانية كما أشار بعض من الكتاب اليهود وذلك بالاطلاع على الارشيف، وإقامة الكيان الصهيوني باعتباره أداة لتحقيق مصالح الدول الامبريالية في المنطقة وقاعدة عسكرية متقدمة لهذه الدول الغربية. إسرائيل كانت وما زالت تلعب هذا الدور القذر وهي الدولة التي أقيمت على عمليات قتل ممنهج ومنظم من قبل عصابات يهودية إرهابية تم تسليحها وتدريبها لهذا الغرض وهي التي قامت بعمليات تطهير وتهجير عرقي من خلال المجازر وعمليات إبادة جماعية لشعب فلسطين الأصليين حتى يتاح لهم الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من فلسطين التاريخية. والمدخل الديني الغريب يتيح لمنظمين الفعالية من صهاينة العصر توجيه تهمة العداء للاسامية على أي فرد يقوم بانتقاد الفعالية ومحتواها وأهدافها.

ولا ندري من هو هذا “الرب” الذي جاء ذكره بالدعوة أو الإعلان عن الفعالية التي ستقام بالاحتفال بمرور مئة عام على هذا الوعد المشؤوم، “الرب” الذي يرتضي ويحلل الذبح والقتل وبقر بطون الحبالى من النساء وإبادة الشيوخ والأطفال والشباب في العديد من القرى الفلسطينية دون رحمة ودون تمييز لإقامة الكيان الصهيوني. ولا ندري ما الفرق بين هؤلاء القتلة السفاحين والذي تبوء البعض منهم المراكز العليا في هذا الكيان والوصول الى رئاسة الوزراء ورؤساء مثل شامير وبيغن ،وما عمله وما زال تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق على الأقل.

الله عز وجل الذي نؤمن به هو الذي ذكر في كتابه العزيز موجها كلامه لليهود ولغيرهم “مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”. فأين أنتم من هذا؟

المسيحيون الفلسطينيون يقفون على الضفة الأخرى من هؤلاء المسيحيون الصهاينة اللذين تتحدثون عنهم وعن تأييدهم لكم واللذين ارتضوا لسبب أو لأخر تأييد ما قام وما يقوم الكيان الصهيوني. ولا بد لنا أن نشير هنا الى ما جاء في الإعلان الذي أطلق عليه ” إعلان القدس حول المسيحية الصهيونية” وهو إعلان صادر عن رؤساء الكنائس المسيحية الفلسطينية والذي أكد على:

. رفض مبادئ المسيحية الصهيونية باعتبارها تعاليم خاطئة تعمل على تحريف وإفساد الرسالة التوراتية

. رفض تحالف رؤساء المسيحية الصهيونية مع عناصر في حكومات كل من إسرائيل والولايات المتحدة

. رفض تعاليم المسيحية الصهيونية التي تثير الخصوصية العرقية والحرب الدائمة.

كما أن التحالف الوطني للمؤسسات المسيحية في فلسطين وجه رسالة تضمنت نداء للمساعدة الى مجمع الكنائس الدولي والى كل الحركة المسكونية. وقد وقعت هذه الرسالة من قبل 30 منظمة ومؤسسة مسيحية في القدس والضفة الغربية وغزة. وجاء في الرسالة :” ما زلنا نعاني منذ مئة عام من غياب العدالة والاضطهاد ومن البلاء الذي وقع على الشعب الفلسطيني بدء من اعلان بلفور الفاقد للشرعية القانونية ….بعد مئة عام من هذا الإعلان ما زال هناك غياب للعدالة. فالتمييز وعدم المساواة، والاحتلال العسكري والاضطهاد المنظم هي السائدة….وبالرغم من جميع الوعود والمؤتمرات العديدة وقرارات الأمم المتحدة ودعوات رجال الدين والعلمانيين فما زال الفلسطينيون يتوقون الى حريتهم واستقلالهم ويسعون الى تحقيق العدالة والمساواة.”

المنظمون للفعالية تعمدوا استخدام المدخل الديني المخادع والعجيب في آن واحد بإدخالهم “مشيئة وعمل الرب”  في محاولة لذر الرماد في العيون لإخفاء الطابع السياسي للفعالية وهذا ما استخدمته الحركة الصهيونية بالتعاون مع الدول الغربية لإقامة هذا الكيان، ولحرف الأنظار أيضا عن الشق المتعلق في كيفية معاملة المجتمعات أو الاقليات الغير يهودية المتواجدة في فلسطين التي وردت في إعلان وعد بلفور. وهذا ما أشار له مؤخرا أحد الإباء المسيحيين في خطبته في كنيسة ويست منستر أبي في لندن حيث أشار الى ” ان وعد بلفور مهد الطريق لإقامة إسرائيل. ولكنه في الوقت نفسه أكد على عدم القيام بأي عمل من شأنه أن يلحق ضررا بالحقوق المدنية والدينية للمجتمعات الغير يهودية المتواجدة في فلسطين”.  هذا الشق بالطبع اسقط كليا ولم يأتي التعريف بالفعالية على ذكره على الاطلاق لان الجميع أصبح يدرك كيف يقوم هذا الكيان الغاصب في معاملة الفلسطينيين وحتى هؤلاء الذين يعيشون داخل الخط الأخضر الذين يتعرضون لعمليات اضطهاد وتمييز واضح في جميع مناحي الحياة اليومية من مسكن وتعليم ووظائف ….الخ هذا بالإضافة الى مصادرة أراضيهم وسياسة التهجير القصري كما يحدث مع بدو النقب ضمن مخطط برافر الذي يهدف الى الغاء الهوية العربية للنقب عن طريق تهجير أهله والاستيلاء على اراضيهم. وربما القليلون يدركون أنه ولغاية عدوان 1967 التي تم فيها احتلال ما تبقى من أراضي فلسطين التاريخية كان الفلسطينيون الذين يعيشون داخل الخط الأخضر يخضعون للحكم العسكري.

بريطانيا تنصلت من المسؤولية السياسية والأخلاقية وساهمت مساهمة فعلية في إقامة هذا الكيان الغاصب وتنكرت لحقوق الفلسطينيون حتى تلك التي نصت عليها المواثيق الدولية آنذاك. وهي اليوم بهذا الاحتفال المزمع إقامته تؤكد مرة أخرى تنكرها لهذه الحقوق وترتضي أن تستضيف مجرم الحرب نتنياهو الى هذه الفعالية وكأن شيئا لم يكن.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.