وماذا بعد زيارات المراجع الشيعية الى الأردن ؟!

 

الأردن العربي – الرأي اليوم ( الثلاثاء ) 24/3/2015 م …

*  حجيج هذه القيادات يكشف عن تحول مفاجيء ربما يثير قلق “الخليج”..

*   ما هو دور زيارة وزير الخارجية الاردني لطهران؟..

تحولت العاصمة الاردنية عمان الى “محج” للشخصيات العراقية واللبنانية المقربة من ايران، بعد ان كانت ابواب هذه العاصمة مغلقة في وجه هؤلاء، ومفتوحة فقط امام نظرائهم من المذهب السني على وجه الخصوص، فما هي اسباب هذا “الانقلاب” الاردني، ولماذا في هذا التوقيت بالذات.

قبل الاجابة على هذين السؤالين المهمين، لا بد من المزيد من الشرح، والتوقف عند المحطات الابرز لهذه الظاهرة، لانها تعطي مؤشرا مهما على ما يمكن ان يترتب عليها من خطوات استراتيجية في المشهد السياسي والعسكري الشرق اوسطي.

بعد الزيارة المفاجئة التي قام بها السيد ناصر جودة وزير الخارجية الاردني الى طهران، ومن قبله رئيس هيئة الاركان الاردني الى بغداد، حدثت تغييرات مهمة ومتسارعة في المناخ السياسي بين اضلاع هذا المثلث الاردني الايراني العراقي حّول العاصمة الاردنية الى قبلة للمرجعيات الشيعية العراقية واللبنانية.

الانباء تفيد بأن السيد مقتدى الصدر يستعد لشد الرحال الى الاردن، وان العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني سيستقبله في الديوان الملكي مثلما استقبل المرجع الشيعي اللبناني السيد علي فضل الله الذي اختتم زيارته للعاصمة الاردنية قبل يومين، وكذلك السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الاسلامي الاعلى في العراق، حيث بحث مع العاهل الاردني اليوم (الاثنين) العلاقات الاردنية العراقية وسبل تعزيزها، وقوات بدر، الميليشيا التابعة للسيد الحكيم، تشكل العمود الفقري في قوات “الحشد الشعبي” التي تقاتل “الدولة الاسلامية” في تكريت بينما اعطى السيد الصدر الضوء الاخضر لجيشه للانخراط في هذه المعركة.

من الواضح ان السلطات الاردنية غيرت دفة تحالفاتها، او بالاحرى وسعتها، وقررت الانفتاح على ايران ومعسكرها، وبعد ان ادركت ان هذا المعسكر يحقق انتصارات متلاحقة في سورية والعراق ولبنان واليمن، وعلى وشك توقيع اتفاق “تاريخي” مع واشنطن على صعيد الملف النووي، يمكن ان يرفع الحصار عن طهران بشقيه السياسي والاقتصادي، فلماذا تستمر في العداء لها؟

السلطات الاردنية تتسم بـ”البرغماتية” في نظرتها لتطورات الاوضاع في المنطقة،حسب رأي الكثير من المحللين، حتى لو كانت هذه البرغماتية “موضع تساؤل” من قبل بعض الاوساط الاردنية والعربية، فاستمرار “الصيغة” الاردنية وسط محيط متلاطم الامواج وحقول الالغام، هو الاهم بالنسبة الى صانع القرار الاردني هذه الايام، وهذا ما يفسر اتخاذه قرارات جريئة اخيرا مثل “شق” حركة الاخوان المسلمين، والانخراط في الحرب السورية.

الاردن يشعر بقلق غير مسبوق من نمو ظاهرة “الدولة الاسلامية” واتساعها واقترابها من حدوده، ولذلك لم يكتف بالانضمام الى التحالف العربي والدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة لمحاربة هذه الظاهرة، بل قرر تصعيد وتيرة دوره، وتولي مهام اكبر في هذه الحرب وعدم الاكتفاء بارسال طائرات حربية ذات طابع رمزي، ربما يرى البعض، انها تنطوي على مغامرة او حتى مقامرة خطرة، وانفتاحه على ايران التي تحارب قواتها “الدولة الاسلامية” جنبا الى جنب مع الجيش العراقي وقوات “الحشد الشعبي” المكونة من ميليشيات شيعية ونسبة قليلة من رجال العشائر السنية، هو احد اوجه هذا التحول الابرز.

ولم يكن من قبيل الصدفة ان تنسب تصريحات للجنرال قاسم سليماني رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني، اقوال بثتها وكالة “اسينا” الايرانية للانباء، اكد فيها “سيطرة بلاده على لبنان والعراق ووجود فرصة لتغيير الوضع في الاردن”.

صحيح ان السفارة الايرانية في عمان نفت هذه التصريحات نفيا قاطعا، في بيان وزعته على الصحف، ولكن اعادة نشرها بعد النفي من قبل وكالة “عمون” الاردنية المقربة من صناع القرار تشي بالشيء الكثير.

السلطات الايرانية وعلى لسان السيد علي خامنئي المرشد الاعلى، تحدثت اكثر من مرة عن رغبة ايران في “تثوير” الضفة الغربية، واشعال فتيل المقاومة فيها على غرار ما يحدث في قطاع غزة، فكيف يمكن ان تمر عملية “التثوير” هذه وايصال الصواريخ والمعدات العسكرية الى رجال المقاومة دون المرور عبر الاراضي الاردنية؟

حالة الجدل الراهنة في الاردن التي تسود بعض مجالس النخبة الخاصة، وبعض وسائط التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض لهذا الانفتاح المتسارع على ايران وحلفائها في العراق ولبنان، تعكس قلقا اردنيا مثلما تعكس حالة من البلبلة وسوء الفهم لغياب اي توضحيات رسمية حاسمة.

فبينما يرى السيد سمير الرفاعي رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاعيان الاردني (مجلس الملك) ان الاردن تأخر في هذا الانفتاح، يعتقد النائب بسام المناصير ان هذا الانفتاح خطأ استراتيجي، والنائب المناصير من اشد المناصرين للمعارضة السورية المسلحة التي تريد اطاحة نظام الرئيس بشار الاسد.

الاردن غير اتجاه بوصلته السياسية باتجاه ايران، متأملا بضرب عدة عصافير بحجر واحد، وايامه المقبلة ستشهد المزيد من المفاجآت في هذا الصدد، ونستند في هذه التوقعات على ما قاله السيد محمد المومني وزير الاعلام الاردني اليوم من ان بلاده ستشارك في تدريب مدنيين من افراد العشائر السورية بهدف مواجهة مقاتلي “الدولة الاسلامية” على الارض، وفق برنامج دولي.

اللافت ان السيد المومني في مؤتمره الصحافي لم يقل اي كلمة حول مقاتلي النظام السوري، اي ان الاولوية للقضاء على خطر “الدولة الاسلامية”، وربما في المرحلة الاولى، وهو موقف يتماشى مع السياسة الامريكية التي اثارت غضب تركيا ودول خليجية اخرى.

هل سيغضب هذا التوجه الاردني الحلفاء التقليديين في منطقة الخليج، وهل هو نوع من “الحرد” تجاههم بسبب “تراجع″ المساعدات المالية رغم الاستغاثات المتكررة؟ ام انه تحول استراتيجي ولا يقوم على مبدأ النكاية؟

لا نعرف الاجابة القاطعة في هذا المضمار، لكن ما نعرفه ان الخوف من خطر “الدولة الاسلامية” وتمددها هو عنوان المرحلة في الاردن الرسمي، مضافا الى ذلك ان السلطات الاردنية عندما يكون خيارها بين دول الخليج او الولايات المتحدة، فانها تختار الاخيرة، مع حرصها في الوقت نفسه على عدم اغضاب الاولى وقطع “حبل” معاوية معها!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.