النكبات لم تعد تخدم الأردن .. واستلاب الدور الوظيفي
أذكر ان الكاتب الأردني فهد الفانك كتب في جريدة الرأي بداية تسعينات القرن الماضي في اعقاب الحرب 1991 على العراق ودخوله الكويت وما رافق وتلا ذلك من عودة شبه جماعية للأردنيين من الخليج وبخاصة من الكويت ، ان الأردن استفاد من كل النكبات التي حلت بالمنطقة منذ نكبة 1948 .. حيث دخل الخزينة في حينه نحو ملياري دينار كضرائب لقاء ما ادخل العائدون من أثاث وغيره ( بمقاييس تلك الأيام ) فضلا عما رفدوا به البلد من خبرات وكفاءات .
وأضيف أن العائدين أدخلوا للبلد مدخراتهم وخبراتهم ، فضلاً عن التعويضات التي حصلوا عليها جراء خروجهم القسري، وأنفقت هذه التعويضات بأشكال ما في البلد ، الأمر الذي خدم الاقتصاد الأردني . وبنتيجة الحرب أيضاً حصل الأردن على مدى 13 سنة (حتى احتلال العراق ) على منحة نفطية ، نصفها بالمجان والنصف الآخر بسعر تفضيلي تسدد سلعاً أردنية ، وجراء الحرب أيضاً أصبح الأردن المعبر الوحيد للمستوردات العراقية بكل منعكسات ذلك العديدة الإيجابية على اقتصاد البلد .
لكن الأردن بعد هذه الحرب لم يعد كالسابق ليستفيد مما يحدث في المنطقة لا دوراً ولا مالياً ، ففي الحرب الأمريكية البريطانية على العراق واحتلاله خسر الأردن كل المزايا آنفة الذكر ، ورغم أن العراقيين الذين قدموا إلى الأردن كانوا من الأثرياء إلا ان الطبقات الوسطى والصغيرة والدنيا تضررت جراء ارتفاع اسعار العقار والراضي بخاصة بأشكال جنونية.كما خسر الأردن المنحة النفطية وسوقا مهمة وكونه المعبر شبه الوحيد لمستورداته .
وفي الحرب ( الإسرائيلية ) سنة 2006 على المقاومة اللبنانية ، لم يحصل الأردن على أية مزية ، بل إن عضويته في محور الاعتدال مع السعودية ومصر ، لم تجلب له فائدة تذكرحتى على صعيد مستورداته من الغاز المصري بموجب ما اتفق عليه معها ، ولم تجده نفعا الخدمات التي قدمها للمحور الآخر بعد مقتل الحريري ولا أثناء وبعد الحرب الصهيونية على المقاومة اللبنانية .
وكان الحال مماثلا عندما شن الصهاينة حربهم القذرة على قطاع غزة المحاصر أواخر سنة 2008 ، بل إن التزام الأردن بما كان يسمى محور الاعتدال أساء للأردن داخلياً واعطى المعارضات السياسية ورقة مهمة بمواجهة النظام السياسي الأردني ، واستثمر الإسلاميون الأردنيون صمود حماس(رغم ان فضل الصمود يعود لكل القوى الفلسطينية في غزة) بمواجهة العدوان الصهيوني ومن قبله ( الحسم ) في القطاع سنة 2006 ، في غير صالح النظام . ومن هنا رأينا حركة الشارع الأردني المعارض بدأت قبل الربيع الأمريكي بنحو سنتين على شكل مسيرات واعتصامات وإضرابات ومطالبات وتصريحات وبيانات.. وأحياناً على شكل احتقانات وشجارات طالبية وعشائرية في الجامعات والملاعب الرياضية وبعض البلدات والمدن.
وتجلى الشيء ذاته جراء الأزمة في سورية وهجرة بعض السوريين تحت ضغط اعتبارات عديدة من التضليل والتخويف ووعود البسطاء بالسمن والعسل أو التهديد بمصير اسود في حال عدم الهجرة ، وما سبق من مبالغات قبل أن تصبح الهجرة واقعاً .. حيث تقاطرت المساعدات ولكن بالقطارة ، والعديد من المانحين ينفقون على أمزجتهم مباشرة بما يخدم أغراضا سياسية وليس الأردن أوالمهجرين السوريين في وقت يضغط فيه على الأردن على استقطاب المسلحين الجرحى الفارين من ساحات القتال عبر المعابر غير الشرعية ، والقادمين لغايات التدريب على اساليب التخريب والإرهاب من ذات المعابر .. ولزيادة اعداد اللاجئين كوسيلة لكسب الراي العام ضد الدولة الوطنية السورية ومحاولة تشويه وضغط عليها وتجنيد البعض كإرهابيين .
وأصبحت مخيمات اللاجئين السوريين والهجرة بعامة عبئاً أمنياً واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا على البلد ، وأصبحت المخيمات في بعض المفاصل سبة ، بما رافقها من رقيق ابيض واتجار وابتزازات وامور مخجلة للإنسان الأردني والسوري والعربي .. وشكلت جرحاً غائراً . بدلاً من ان تكون علامة مشرفة تبعث على الاعتزاز في تعامل الشقيق مع الشقيق ، وأتت تحت وطأة ظروف اقتصادية اردنية صعبة، لتزيد الطين بلة، وتكرس محاولات ابتزاز وقحة للأردن في الجانب المالي من حيث المساعدات وفي الجانب الأمني من حيث تحريك الخلايا النائمة والمستيقظة من الجماعات الاسلاموية .
مما سبق يتضح أن عهد استفادة واستثمار الأردن للأزمات والكوارث الإقليمية قد انتهى ، بغض النظر عن الأسباب والدوافع والدور الوظيفي .. الذي رسم له منذ قيام الإمارة ، بل إنه بات على الأردن تنفيذ أجزاء من هذا الدور بالمجان لقاء مجرد الوعد باستمرار الدولة ـ النظام بشكله الراهن ، مع بعض التعديلات المحسوبة المتفق عليها ، ما يعني أن الأردن دخل في مرحلة بطالة ، لسببين رئيسين اولهما اتفاقية إنهاء ( حالة الحرب ) مع الكيان الصهيوني بنتيجة معاهدة وادي عربة ، وقبلها قرار فك الارتباط الذي افقد الأردن أي دور فلسطيني سيادي كان يقوم به ، وما فرضت عليه المادة الرابعة من معاهدة عربة من التزامات يقوم بها بالمجان .
أما السبب الثاني فيتمل في توفر من يقوم بالدور الوظيفي كاملاً وزيادة، كقطر والسعودية وفي آن تمويل ما يتوجب من انفاقات باهظة بالنيابة عن النيتو وأمريكا والغرب.. بدلاً من الدفع لمن يقوم بالدور أو أجزاء منه وتجنيد آلاف المرتزقة والإرهابيين. فيما أصبح الأردن شريكا صغيراً في لعبة إقليمية دولية يقودها ويرسم أبعادها (مستعمرون كبار ) وينفذ تفاصيلها بيادق صغار .
ما سبق يعني أنه حتى الدور الوظيفي للأردن أستلب منه ، ونقل ( شرف تنفيذه ) إلى من هم أثرى منه ، من ليس في وجوهمم أدنى دم عربي أو إسلامي أو إنساني ، يتوجب على الأردن إعادة حساباته جيداً ، والتحول نحو العمل لحسابه الخاص وليس عند الغير (..) !؟ فبطاريات الباتريوت والخبراء الأمريكان والتشيك وغيرعم وأسلحتهم وخبراتهم لن تعمل لصالح الأردن ضد أي طرف بل لصالحهم الخاص ..وسيخرج الأردن من ( مولد المؤامرة على سورية ) بخفي حنين ، مهما كانت النتائج ، ومن أفضل ما يمكن فعله والحال هذه ، ان يتوقف الأردن كلياً عن أي حجم أو نوع من التدخل مهما كان بسيطاً أو هامشياً ، حيث سيحسب عليه ، وستبقى الأثار السلبية للدور ، فيما يغادر المعتدون يوما أو يقتلون أو يؤسرون .
لقد بدأ الغرب الاستعماري العمل ( من تحت الطاولة ) لمرحلة ما بعد سقوط المؤامرة على سورية ابتداء من البنك الدولي وانتهاء بتحريك الشارع التركي ضد صلف اردوغان الذي يكابر لمعرفته الدقيقة بأن المرحلة التالية لسقوط المؤامرة سقوطه وحزبه في أية انتخابات مقبلة .. أو عبر انقلاب ، لكن الغرب لا يريد من صغار البيادق الذين يمكن بيعهم بالمجان ، التوقف عن العبث والخربشات . الأمر الذي يتوجب الانتباه له جيداً .
التعليقات مغلقة.