من وعد بلفور إلى حل الدولتين فالدولة الواحدة – 1 – / ابراهيم أبو عتيلة

ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الخميس 26/10/2017 م …

بعد أيام قليلة تعود علينا ذكرى وعد بلفور الذي كان قاعدة أساسية إرتكزت عليها الصهيونية في إعلان كيانها الاستعماري على أرض فلسطين بدعم من شيطانة الاستعمار العالمي والتي ما إنسحبت من إحدى مسستعمراتها إلا وتركت فيها ألغام موقوته قادرة على تفجير تلك المستعمرة بل والمنطقة التي تقع فيها في أي وقت…




إن فكرة خلق وطن قومي لليهود وتجميعهم في فلسطين فكرة التقت عليها مصالح متعددة ومرت في مراحل متعددة قبل صدور وعد بلفور بأربعة قرون ، فقد التقت عليها مصلحة المتعصبين دينياً من اليهود ومناصريهم من التوراتيين والمنشقين عن الكنيسة البروتستانتية وتحديداً ما يسمى بالكنيسة الإنجيلية التي تؤمن بتجميع اليهود في فلسطين للإسراع في إنشاء مملكة الرب وظهور المسيح وتخليص البشرية ، ولقد استغلت الحركة الصهيونية الحس الديني كستار لأطماعها الاستعمارية على الرغم من كونها حركة إلحادية لا علاقة لها بالدين ، كما صاحب ذلك رغبة اللاساميين وكارهي اليهود في اوروبا التخلص من اليهود وطردهم من اوروبا ، كل ذلك بالإضافة إلى قوى الاستعمار التي أرادت من خلق وطن لليهود في فلسطين ليكون كياناً تابعاً للقوى الاستعمارية في تنفيذ مخططاتها في المنطقة وتأمين وحماية قناة السويس وتأمين الطريق إلى المستعمرات في الشرق الأوسط وآسيا والهند والعمل على إجهاض أي فكرة أو حلم لتحقيق الدولة العربية الواحدة التي تملك من المؤهلات لتحقيقها الشيء الكثير وبما يكفل استمرار تلك القوى الاستعمارية بنهب ثروات المنطقة.

أما عن المحاولات والمراحل التي سبقت وعد بلفور فكانت كما يلي :- 

·        أصدر مارتن لوثر كتابيه “عيسى ولد يهودياً ” و”روما والقدس” عام 1520 والذي دعا فيهما إلى “عودة اليهود إلى فلسطين تبعه في ذلك عدد من المبشرين والمتطرفين من الكنيسة البروتستانتية.

·         نادى نابليون كأول سياسي أوروبي علانية بإقامة دولة لليهود على أرض فلسطين، بندائه المشهور الموجه لليهود “ورثة أرض إسرائيل الشرعيين”، الذي صدر في أبريل/نيسان 1799.

·        دعا الرئيس الأميركي جون آدامز عام 1818 إلى “استعادة اليهود لفلسطين وإقامة حكومة مستقلة لهم”

·        أصدر رئيس وزراء بريطانيا اللورد “بالمرستون” عام 1839 تعليمات إلى القنصل البريطاني في القدس وليام يونغ، بمنح اليهود في فلسطين الحماية البريطانية لضمان سلامتهم، وصيانة ممتلكاتهم وأموالهم

·        قدم اللورد شافتسبري أثناء عقد مؤتمر الدول الأوروبية في لندن عام 1840 مشروعا إلى بالمرستون أطلق عليه “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، داعيًا إلى أن تتبنى لندن “إعادة اليهود إلى فلسطين وإقامة دولة خاصة بهم”

·        تبنى بالمرستون خلال المؤتمر مشروعًا يهدف إلى “خلق كومنولث يهودي في النصف الجنوبي من سوريا، أي فوق المساحة التي شغلتها فلسطين التوراتية”حسب زعمهم .

·        ألف البرلمان الإنجليزي لجنة “إعادة أمة اليهود إلى فلسطين” في عام 1844 كما تشكلت في العام نفسه “الجمعية البريطانية للعمل على إعادة اليهود إلى فلسطين”. وألح رئيسها القس كريباس على الحكومة البريطانية كي تبادر للحصول على فلسطين كلها من الفرات إلى النيل ومن المتوسط إلى الصحراء.

·        قدم إدوارد ميتفورد في عام 1845 مذكرة إلى الحكومة البريطانية يطلب فيها “إعادة توطين اليهود في فلسطين بأي ثمن، وإقامة دولة خاصة بهم تحت الحماية البريطانية” .

·        عرض المجري جوزيه إيشتوسي المعروف بكراهيته لليهود عام 1878 على برلمان بلاده في مشروع قرار دعا فيه إلى تأييد ودعم إقامة دولة يهودية في فلسطين وسانده في ذلك كثير من الأوروبيين المعادين لليهود .

·        تبنّى الأسقف الإنغليكاني وليم هشلر في فيينا عام 1880 النظرية التي تقول “إن المشروع الصهيوني هو مشروع إلهي، وإن العمل على تحقيقه يستجيب للتعاليم التوراتية”، وألف هشلر كتابا عام 1882م بعنوان “عودة اليهود إلى فلسطين حسب النبوءات”.

·        وفي عام 1887 أسس بلايستون في شيكاغو منظمة “البعثة العبرية نيابة عن إسرائيل” لحض اليهود على الهجرة إلى فلسطين,

·        جاء ثيودور هرتسل الذي نشر كتابه عام 1896 بعنوان: ” دولة اليهود، محاولة لإيجاد حل عصري للمسألة اليهودية ” بهدف تجميع اليهود في بلد واحد ليكون موقعاً للدولة اليهودية تحت مسمى ” أرض اسرائيل ” ولقد نجح هرتزل في الترويج لفكرة استعمار فلسطين وإقامة وطن لليهود هناك. وتبلور ذلك النجاح بعقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل بسويسرا عام 1897 وكان من أهم نتائجه إقامة المنظمة الصهيونية العالمية لتنفيذ البرنامج الصهيوني الذي ينص على أن “هدف الصهيوني هو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يضمنه القانون العام

·        وأثناء الحرب العالمية الأولى كانت المباحثات تجري بين قطبي الاستعمار فرنسا وبريطانيا وبمشاركة روسيا القيصرية لتقسيم المشرق العربي والتي انتهت بتوقيع اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916 والتي ما أن نجحت الثورة البلشفية حتى كشفتها وهي مؤامرة تم التأكيد عليها في مؤتمر سان ريمو 1920 .

ومع حصول بريطانيا على ما تريد بموجب اتفاقية سايكس بيكو ووقوع فلسطين تحت إنتدابها حتى أصدرت الحكومة البريطانية تصريحاً على لسان وزير خارجيتها آرثر جيمس بلفور في الثاني من نوفمبر / تشرين الثاني 1917 وذلك في رسالته الموجهة إلى اللورد ليونيل روتشيلد جاء فيها ” يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، ولقد عرض هذا التصريح على الوزارة وأقرته: إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية … ” ولقد حظي هذا الوعد بتأييد واسع من الغرب الاستعماري لما يحققه له من مصالح ” سياسية واقتصادية وعنصرية دينية توراتية ونزعة لاسامية ” وأخذت دول الغرب الاستعماري تدعم بقوة الهجرة اليهودية إلى فلسطين فتزايدت نسبة اليهود في فلسطين من 5% سنة 1917 إلى أن وصلت إلى 31 % عام 1947، كما تم تسليح وتدريب اليهود الصهاينة تحت المظلة البريطانية تمهيداً لتحقيق الوطن القومي لليهود .

وتمهيداً لإعلان دولة الكيان الصهيوني وفي قرار مجحف للحق الفلسطيني ساوى اصحاب الأرض الشرعيين بالمهاجرين وشرعن الاحتلال والاغتصاب ، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرارا رقم 181عام 1947 والذي والذي يقضي بتقسيم فلسطين إلى 3 كيانات وهي: دولة عربية وبنسبة 42.3% ودولة يهودية بنسبة 57.7% من فلسطين على الرغم من أن نسبة  اليهود لم تتجاوز 30% من السكان فيما تم وضع القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة لهما تحت وصاية دولية ، مما كان مصيره الرفض من قبل العرب والفلسطينيين كما لم يراعي الصهاينة هذا القرار.

وبعد انسحاب القوات البريطانية من فلسطين بتاريخ 14 مايو/ أيار 1948 أعلن ديفيد بن غوريون في اليوم نفسه قيام ” إسرايل ” على ما نسبته 78 % من أراضي فلسطين التاريخية كما أعلن عن حق عودة ” الشعب اليهودي ” إلى ما أسماه أرضه التاريخية ، وقد تبع ذلك صدور القرار رقم 194 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 11/12/1948 والقاضي بإنشاء لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة وتقرير وضع القدس ضمن نظام دولي دائم وإقرار حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم بما يؤدي إلى تحقيق السلام في المستقبل ، وقد كان مصير هذا القرار الرفض من الصهاينة وعدم اعترافهم بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هجروا منها .

ولقد تبع ذلك تهجير أكثر من 750 ألف مواطن فلسطيني إلى مناطق اللجوء في ما تبقى من فلسطين ( الضفة الغربية وقطاع غزة ) ، الأردن ، سوريا ، لبنان …ومناطق مختلفة من العالم كما تم إعلان تشكيل حكومة عموم فلسطين في 23 سبتمبر / أيلول 1948   والتي تشكلت في غزة التي وضعت تحت الوصاية المصرية برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي، كما تم إعلان الوحدة بين المملكة الأردنية الهاشمية و الضفة الغربية في 24 ابريل / نيسان 1950   وتم إعلان الضفتين بلداً واحداً باسم المملكة الأردنية الهاشمية والتي استمرت حتى إعلان قرار فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية في سنة 1988  .

وفي عام 1964 وبناء على قرار صدر عن مؤتمر القمة العربي المنعقد في القاهرة والقاضي بضرورة إنشاء كيان فلسطيني تم إعلان قيام منظمة التحرير الفلسطينية خلال المؤتمر القومي الفلسطيني الذي عقد في القدس بتاريخ 28 مايو / أيار 1964 لتخلف حكومة عموم فلسطين حيث تم بعد ذلك وفي قرار للقمة العربية المنعقدة في الرباط 1974 الإعتراف بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني .

ونتيجة لعدم شرعية الكيان الغاصب والاستعمار الاحلالي لأرض فلسطين فقد استمرت حالة عدم الاستقرار في المنطقة ونشبت حرب يونيو / حزيران 1967 حين اعتدت ” اسرائيل ” على الدول العربية المجاورة فاحتلت هضبة الجولان من سوريا والضفة الغربية من الأردن وسيناء من مصر وتم  إصدار قرار مجلس الأمن رقم 242 ولم يتم تنفيذ هذا القرار من قبل الصهاينة وبقي الطاولة في الوقت الذي يختلف فيه المفسرون بين انسحاب اسرائيل من الأراضي المحتلة أو من أراض محتلة ، بين النص الإنجليزي والنص الفرنسي ، علاوة على الخلل الكبير في صيغة القرار فيما يتعلق بحل مشكلة اللاجئين من مشكلة ترتبط بعودتهم إلى أراضيهم التي شردوا منها إلى مشكلة انسانية تستوجب الشفقة .

ونتيجة لاستمرار حالة التوتر وعدم تطبيق القرارات الدولية بما فيها القرار 242 وسعياً من كل من مصر وسوريا لتحرير اراضيهما حدثت حرب أكتوبر / تشرين الأول 1973  بين العرب وكيان الاحتلال الصهيوني ، كما أصدر مجلس الأمن القرار رقم 338 بتاريخ 22 أكتوبر/ تشرين الأول ونص القرار على وقف إطلاق النار بصورة كاملة ودعا إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن 242 (1967) بجميع أجزائه (الانسحاب من سيناء والجولان وغزة والضفة ) وإطلاق مفاوضات بين الأطراف المعنية بإشراف ملائم لإقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط ، ولما لم يتوقف وقف اطلاق النار فقد أصدر مجلس الأمن في اليوم التالي  القرار 339 وهو مشابه للقرار 338 ولم يتوقف القتال فأصدر قراراً آخر رقم 340 مشابه لـ 338 وتوقف القتال عندئذ . وتحتج حكومة الاحتلال الصهيوني بأن القرار 338 يدعو إلى ( ولا يقرر ) تطبيق القرار 242 وعليه فمازالت أرض الجولان والضفة الغربية محتلتين ولم يتم بحث أي معالجة لقضية اللاجئين .

يتبع الجزء الثاني …

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.