القائد الشيوعي الفلسطيني ( نعيم الأشهب ) يكتب : واشنطن تبدأ العد التنازلي بسوريا
الأردن العربي ( الثلاثاء ) 24/3/2015 م …
تصريح وزير الخارجية الاميركية، جون كيري، في الخامس عشر من آذار الجاري، بأنه سيتعين على واشنطن، في نهاية المطاف، التفاوض مع الاسد، وتصريح مدير المخابرات الاميركية – السي.آي. إيه – قبله بيوم واحد بأن سقوط الاسد يفتح الطريق لسيطرة داعش على سورية، هو اعتراف مدوّ بفشل المخطط الاميركي لاخضاع سورية، كما خططت واشنطن مع أتباعها. أما الادعاء بأن واشنطن تفضل النظام الحالي في سورية على داعش، فهو تزييف مطلق للحقيقة ورياء مكشوف تدحضه الوقائع على الارض، سواء في سورية أو العراق. لكن من الواضح أن واشنطن تريد استعمال ورقة داعش في الحالتين: إذا انتصرت داعش وإذا فشلت.
من المعروف أن سورية تعرّضت، منذ 2011، لثلاث موجات كبرى من التآمر الدموي، بقيادة واشنطن وبالتعاون الفعال مع الانظمة الرجعية في المنطقة، وبخاصة دول الخليج وتركيا واسرائيل. الموجة الاولى، أسندت واشنطن قيادتها للشيخ حمد بن جاسم، وزير خارجية قطر ورئيس وزرائها، الذي كان يصول ويجول، بمحفظته المتخمة بالدورات، لشراء الذمم وتجنيد المرتزقة للقتال في سورية، مع سيل من التصريحات، من مختلف الجهات المتورطة في التآمر، بحتمية سقوط النظام في سورية، خلال أيام أو اسابيع. وحين استنفد حمد شحنته بالفشل، بدأت الموجة الثانية من المؤامرة على سورية، حين حوّلت واشنطن المهمة الى الامير بندر بن سلطان، مدير المخابرات السعودية آنذاك. وبدوره، جرّب الامير بندر حظه، ليحصد في النهاية نفس الفشل. وكانت الموجة الثالثة باعتماد داعش مباشرة وتقديم كل اشكال الدعم لها، علّها تفلح فيما عجز الاخرون عنه، مع توسيع ساحة عملها لتشمل سورية والعراق معا.
في البدء، سهّل الاميركيون لداعش الاستيلاء على أسلحة أربع فرق عسكرية عراقية في الموصل، لتبسط سيطرتها خلال أسابيع معدودة على مساحة تجاوزت الخمسين ألف كيلو متر مربع. ورافق ذلك وسبقه ضخ إعلامي غير مسبوق حول قوة داعش التي لا تقهر! متبوعا بتعميم إعلامي واسع لجرائمها الوحشية والمروعة التي اقترفتها، لشل إرادة المقاومة لها. في الوقت ذاته، كانت واشنطن مطمئنة الى عجز الجيش العراقي عن الوقوف في وجه هذا الاعصار الارهابي المتوحش. فبعد تفكيك الجيش العراقي السابق، قام بريمر، حاكم العراق بعد الاحتلال الاميركي 2003، بإعادة تشكيله على أسس طائفية وإثنية، مع إلغاء خدمة العلم فيه، والتي تعزز شعور الولاء والانتماء للوطن، لا للطائفية أو الاثنية. على صعيد آخر، امتنعت واشنطن، حتى الان، عن تسليم الجيش العراقي المعدات الحربية التي دفع ثمنها، وبخاصة طائرات اف16 ومروحيات أباتشي لمقاتلة داعش، بينما الاخيرة تتلقى المزيد من السلاح والعتاد إما عبر طائرات “مجهولة!” أو شحنات “بالخطأ!” من طائرات أميركية.
لكن فشل الرهان على داعش أصبح باديا للعيان. ففي العراق أسهم في ذلك بشكل ملموس فتح طهران لمخازن أسلحتها للوطنيين العراقيين وتسليم موسكو الفوري لهم عشر طائرات سوخوي ومروحيات قتالية. ومعلوم، أن داعش عرفت أولى نكساتها في عين العرب السورية. وهكذا يبدو أن واشنطن استنزفت ما في جعبتها من أدوات لكسر إرادة الشعب السوري وإخضاعه لمشاريعها في المنطقة، وإعادة السيطرة الكاملة على العراق. وإذا كانت واشنطن قد توصلّت للاستنتاج بفشل رهانها على داعش، شأن من سبقوها، فإنها تبذل كل جهودها لدعم بقاء هذه العصابة الدموية، لا سيما بعد أن انضوت تحت إسمها عصابات إرهابية في أكثر من بلد مستهدف من واشنطن.
وإذا كانت تصريحات وزير الخارجية ومدير المخابرات الاميركيين السالفة الذكر هي إقرار معلن بسقوط الرهان على داعش، شأن من سبقوها، فإنها -أي هذه التصريحات – ترمز الى تطلع واشنطن لاستخدام سقوط هذا الرهان، لتغطية فشل رهاناتها المتكررة على كسر إرادة الشعب السوري الوطنية، وبخاصة، حين تدعي واشنطن، رياءا، أنها تفضل النظام الحالي في سورية على داعش! كما تعبر هذه التصريحات، في الوقت ذاته، عن تطلع واشنطن للتدخل، عبر وسائل أخرى، في نتائج أية مصالحة بين السوريين أنفسهم : نظام ومعارضة، وهو تطلع لا مكان له.
وعلى كل حال، ينبغي أخذ هذا الاقرار بالفشل الاميركي تجاه سورية في إطار التطورات الهامة في المنطقة، وفي المقدمة منها الاحتمالات الواعدة بالاتفاق حول الملف النووي الايراني، فهذا الاتفاق الموعود يمثل، بدوره، هزيمة وترجعا لسياسة واشنطن في المنطقة، بخاصة إذا أخذنا في الحسبان أن المفاوضات الماراتونية حول الملف النووي الايراني كان هدف واشنطن من ورائها ليس السلاح النووي المزعوم، وإنما تحييد طهران في القضايا العاصفة في المنطقة.
إن التصريحات الاميركية السالفة الذكر، مع الاحتمالات المتزايدة حول الاتفاق على الملف النووي الايرائي هي، ضمن مؤشرات أخرى، بشائر مرحلة جديدة في المنطقة، تتحوّل فيها شعوبها من الدفاع الى الهجوم؛ وهذا بالذات هو سر سعار حكام اسرائيل والخليج وتركيا.
التعليقات مغلقة.