دور الإنسان في الحياة / د. أنيسة فخرو
الآية الكريمة تقول: ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) …
معظم رجال الدين وبعض المثقفين العرب، همهم الأساسي البحث في مشاكل الماضي، مثل قضية الخلافة بعد وفاة النبي (صلعم)، ومن أولى بها من الصحابة رضي الله عنهم، وليس لهم شأن سوى تثبيت الخلاف المزعوم بين الصحابيين الجليلين عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب، أو الحديث عن زوجات النبي وما قلن أو فعلن، ولكنهم يعجزون عن التطرق إلى الحاضر ومشكلاته والحلول لها. لا يتطرقون أبدا إلى الحاضر وكيفية خروج الأمة من هذا الواقع المزري الذي تعيشه، ولا يتحدثون عن القضايا الأساسية التي تؤرق البشرية، وتسبب الآلام والأوجاع مثل: الفقر والحروب والأمراض والظلم وتلوث البيئة، وغيرها من قضايا أساسية، لكنهم يعيدون ويزيدون في الماضي، وكأن بأيديهم يستطيعون إرجاع عقارب الساعة لتصحيح أخطاء الماضي وتصويب زلاته، ويا ليتهم يتعلمون من دروسه، كل ما يفعلونه كرّ وتكرار، ولا نعرف متى يفهمون إن ما مضى قد مضى ولن يعود، وعليهم التفكير في الحاضر والمستقبل، أما رجال الدين فليس لهم هم سوى الحديث عن الغيبيات، وكأنهم أعلم بها.
وكلما زاد الجهل زاد التخلف، وأصبحت الدعوة لحل المشكلات بخلق مشكلات أكبر، خصوصاً في ما يتعلق بالمشاكل الاجتماعية والأسرية، فحل مشكلة العنوسة مثلا لدى البعض بتعدد الزوجات، والعديد من رجال الطبقة الفقيرة والمتوسطة مستعدون للزواج بأكثر من واحدة وإنجاب العشرات من الأطفال وتركهم للشارع يربيهم، مع علمهم بأن الحياة صعبة ومكلفة، ومعاناتهم فيها، لكن هل هو الجهل أم الأنانية والبحث عن المتعة الذاتية؟ أم الركون للغيب وبأن الله يتكفل بالرزق؟
مع ان الدين يحث على السعي في طلب الرزق، لكنهم لا يسعون للعمل بل فقط لإنجاب المزيد من الأطفال من خلال الاقتران بأكثر من زوجة.
القرآن الكريم يقول، جعلناك خليفة على الأرض، ويعظم العلم والعلماء، لأن قيمة الإنسان في مدى ما يعطيه لغيره، وكلما وسع المدى والتأثير كان الجزاء أكبر، فإذا عمل الإنسان خيرا كخدمة أهله وأقربائه فهو أمر مرغوب ومثاب عليه، لكن إذا استفادت البشرية كلها من أعماله وخدماته، فالثواب حتما أكبر وأجلّ.
تعمير الأرض تعني محاربة الفقر، والعمل على اجتثاث أسبابه من جذورها، لينعم البشر جميعا بخيرات الأرض، لا أن تملك فئة قليلة لا تزيد على 10 في المئة من الناس نحو 70 في المئة من خيرات الأرض و90 في المئة لا يملكون إلا الفتات.
ولا يعني إننا ضد وجود الطبقات، فكل ما في الكون مكون من طبقات، فالسماء سبع طبقات، والأرض سبع طبقات، وحتى البشر سبع طبقات، ثلاث أعلى، وثلاث أدنى، وخير الأمور الوسط، الثلاث العليا تنقسم إلى: الأثرياء جدا، ثم طبقة الأغنياء، ثم الطبقة فوق المتوسطة، والثلاث الدنيا تنقسم إلى: الطبقة الأقل من المتوسطة، والطبقة الفقيرة، وتأتي في قاع الهرم الطبقة المُعدمة، وما بين الأعلى والأدنى تأتي الطبقة الوسطى، وكلما اتسعت هذه الطبقة زادت نهضة الأمم، وكلما كان الاختلاف بين الطبقات حادا وشنيعا، ازداد الظلم والفقر والفاقة، فكل طبقة اجتماعية عليها أن تكمل الأخرى، كما يحدث بين طبقات الأرض والسماء، لا أن تحارب كل طبقة الطبقة الأخرى.
تعمير الأرض يعني ترسيخ العدل ونشره بين الناس، ومحاربة الظلم، وتثبيت الحق، وازهاق الباطل.
تعمير الأرض يعني عدم إشعال الفتن والحروب بين الشعوب والدول، لينعم البشر بالأمن والاستقرار والسلام، فالاستقرار شرط أساسي للتعمير، والفوضى شرط أساسي للتدمير، لا أن تهرول الدول لحل أي خلاف بينها برفع السيوف والحراب بدلا من الحوار، ولا أن تتداعى الأنظمة إلى شراء السلاح وتتنافس على كسب المزيد من أسلحة الدمار والخراب، والتي لا يكون ضحيتها إلا الشعوب.
تعمير الأرض يعني مكافحة الأمراض، وعمل البحوث العلمية للكشف عن أسبابها واستخلاص علاجها لتخليص البشرية من الآلام والأوجاع.
تعمير الأرض يعني مكافحة الفساد والمفسدين.
تعمير الأرض يعني محاربة التلوث في كل بقعة على الأرض. هل تصدقون بإن وزارة البيئة الكينية أقرت قانونا في 28 أغسطس 2017 يمنع إنتاج وبيع واستخدام الأكياس البلاستيكية لخطورتها على الإنسان والبيئة؟ كينيا تحارب التلوث البيئي وليت كل العالم يحذو حذوها.
رأيت بأم عيني فتاة مع زوجها، تنزل من السيارة التي تحمل رقما خليجيا، لترمي المخلفات في الشارع، ليأتي عامل النظافة البسيط يرفعها من الأرض!
تعمير الأرض يعني تغيير سلوكنا وأفعالنا تجاه كل شيء حولنا، من جماد ونبات وحيوان وإنسان، لأن الدين المعاملة.
التعليقات مغلقة.