ما جدوى جنيف – 8 طالما حرب أمريكا على سوريا مستمرة؟ / د. عصام نعمان




د. عصام نعمان* ( لبنان ) الإثنين 30/10/2017 م … 

  • وزير لبناني أسبق …

الحرب في سوريا وعليها مستمرة. هي عنوان حرب أمريكا و»إسرائيل» على المقاومة أينما تكون وكيفما تكون. كل أنواع العقوبات على سوريا وحزب الله و»حماس» وإيران هي فعل حربٍ على المقاومة.
الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، بأي شكلٍ وبأي ذريعةٍ، هو حرب على المقاومة. طالما أمريكا موجودة في سوريا، فإن الحرب على المقاومة مستمرة. طالما العقوبات على سوريا وإيران وحزب الله و»حماس» مستمرة، فإن الحرب على المقاومة مستمرة.
المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا دعا الأطراف المعنيين إلى عقد مؤتمر جنيف- 8 يوم 28 نوفمبر المقبل. قال إن الغاية المتوخاة هي البحث في إجراء انتخابات في سوريا وفي دستور جديد لها. هل الأطراف المدعوون إلى جنيف معنيون حقاً بوقف الحرب وبإحلال السلام في سوريا؟
نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي جوان بولاشيك قال: «أمريكا ستنسحب من سوريا بعد إنهاء الإرهاب». هل انتهى الإرهاب في سوريا؟ متى ينتهي؟ مَن يقرر أن الإرهاب انتهى في سوريا لتكون أمريكا ملزمة بإنهاء وجودها العسكري فيها؟
لا قرار من مجلس الأمن الدولي يجيز لأمريكا نشر قوات في سوريا. لا موافقة من سوريا على نشر قوات أمريكية في اراضيها. لا قرار من الأمم المتحدة يجيز لما يُسمّى «التحالف الدولي ضد الإرهاب» نشر قوات امريكية او غير أمريكية في سوريا. روسيا شدّدت على هذه المخالفة وحذّرت من التمادي فيها. لكن تركيا حذت حذو أمريكا فنشرت قوات لها في محافظة ادلب السورية.
سوريا تعتبر الوجود العسكري الأمريكي كما الوجود العسكري التركي احتلالاً مكشوفاً ومخالفاً لأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. أليس من المنطقي، بل الضروري والحال هذه، أن يكون البند الاول في جدول أعمال مؤتمر جنيف- 8 البحث في إنهاء الاحتلال الأمريكي والاحتلال التركي لسوريا؟
في المقابل، يتجّه الجيشان السوري والعراقي إلى السيطرة على الشطر الأكبر من الحدود السورية – العراقية. الجيش السوري حرر محطة T-2 وفتح سبيلاً صحراوياً مؤدياً إلى مدينة البوكمال الحدودية. الجيش العراقي بات في محيط مدينة القائم الحدودية. ثمة تخطيط ضمني، على ما يبدو، ليلتقي الجيشان على طول الحدود من معبر ربيعة في الشمال إلى معبر البوكمال في الوسط. ماذا ستفعل القوات الأمريكية المتمركزة على مقربة من معبر التنف في الجنوب الشرقي؟ هل ستمنع بالقوة تواصل الجيشين والبلدين وتعاونهما؟ هل ستمنع بالقوة، وبدعم «قوات سوريا الديمقراطية -قسد» المتقدمة من الرقة، إقامةَ جسر بري لوجيستي يمتد من طهران إلى بيروت عبر بلاد الرافدين وبلاد الشام؟
«إسرائيل» تعتبر دعم إيران لسوريا في حربها على الإرهاب تدخلاً يهدد أمنها القومي. في خطابه أمام الكنيست يوم الاثنين الماضي، «صنّف نتنياهو التدخل الإيراني في سوريا خطراً واضحاً ومباشراً على إسرائيل أكبرَ من التهديد النووي» (صحيفة «هآرتس» 2017/10/24). هذا الموقف يعني ويستتبع، بالضرورة، أن «إسرائيل» وأمريكا ستثابران على ممارسة شتى أشكال الحرب في سوريا وعليها بدعوى محاربة الإرهاب. ذلك أن إيران وحزب الله هما، في نظرهما، جهتان إرهابيتان تهددان أمنهما القومي.
ما العمل؟
الجواب: الدفاع المشروع عن النفس. استمرار الحرب في سوريا وعليها يتطلّب استمرار الدفاع عن النفس. هذا يتطلّب بدوره تفعيلاً وتوسيعاً للمقاومة لغاية استعادة سوريا جميع مناطقها الواقعة تحت سيطرة «داعش» و»النصرة» وأخواتهما، أو تحت سيطرة أمريكا في التنف ومحافظتي الحسكة والرقة، أو تحت سيطرة تركيا في أدلب وشمال سوريا، أو تحت سيطرة «إسرائيل» في جوار الجولان المحتل وفي جنوب لبنان (تلال شبعا ومزارعها المحتلة).
الدفاع عن النفس يتطلّب تعزيز المقاومة والتحالف مع تنظيماتها في مواجهة الإرهاب والاحتلال. العراق وسوريا مدعوان إلى تنسيق قواهما الحكومية والشعبية والتحالف المتين في هذه المرحلة العصيبة لمواجهة تحديات أمريكا واسرائيل والمجموعات المحلية الوكيلة لهما. وإذا كان العراق وسوريا وإيران قد اتفقت ونجحت في إحباط استفتاء بارزاني في كردستان العراق، وأنهت مساعيه لقضم كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها في شمال البلاد وشرقها، فإنها مطالَبَة كذلك بالاتفاق على إحباط اي مشروع اداري- سياسي لامركزي تتولاّه «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية الموالية لأمريكا، الناشطة بمعزل عن قرار الحكومة المركزية في دمشق، قبل تفاهم الاطراف السورية المتصارعة، خارج مؤتمر جنيف أو داخله، على تسوية سياسية تاريخية لإعادة بناء سوريا الموحدة دولةً مدنية ديمقراطية.
من هنا يستقيم الاستنتاج أن لا جدوى لجنيف- 8 طالما حرب أمريكا و»اسرائيل» وتنظيمات الإرهاب الموالية لهما على سوريا مستمرة. وإذا ما ارتأت روسيا، بالتفاهم مع تركيا وبتأييد ضمني من أمريكا، الضغط على سوريا للمشاركة في جنيف- 8 قبل تحرير جميع مناطقها المحتلة او الخارجة عن سيادتها، فإن في مقدور سوريا الامتناع عن المشاركة سندا إلى حجة مشروعة هي أن اطرافاً دولية مدعوة إلى المؤتمر تشارك في الحرب المستمرة عليها، بل ضالعة في احتلال مناطق حيوية من البلاد.
حتى لو تنامى الضغط، عربياً واسلامياً ودولياً، على سوريا كي تشارك في جنيف- 8، فإن في وسعها أن ترتضي المشاركة دونما شروط، وبالتالي أن تستمر، بلا هوادة، في الدفاع عن نفسها مدنياً وميدانياً وبمشاركة وازنة من حلفائها، وفي مقدمهم قوى المقاومة العربية بغية تحرير مناطقها المحتلة واستعادة سيادتها عليها. ألم يثابر ثوار فيتنام على المقاومة في اثناء مراحل المفاوضة مع أمريكا لغاية انتهاء الحرب وإحراز النصر؟
الحرب المستمرة في سوريا وعليها تتطلّب استمرار المقاومة ضد صانعي الحرب ومستغليها. المفاوضة من أجل تسوية سياسية لائقة للصراع مُهمةٌ مشروعة، لكنها ليست أكثر مشروعية من المقاومة في سياق الدفاع عن النفس، ومن أجل تحرير البلاد واستعادة وحدتها وسيادتها وبناء دولتها المدنية الديمقراطية.
المفاوضة مطلب محق ومهم. المقاومة نهج أفعل وأهم.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.