معنى أن يَغِيب «بارزاني» عن المشهد الكردي / محمد خروب
بانتهاء ساعات يوم غد الثلاثاء، لن يكون لرئيس اقليم كردستان المنتهية ولايته مسعود بارزاني اي صفة رسمية في اطار اقليم كردستان العراق، وليس معروفا بعد.. ما إذا كان الزعيم «ابن الزعيم» سيُبقي على رئاسته للحزب الديمقراطي الكردستاني، ام انه سيعتزل السياسة ويذهب الى عزلة في مقره الدائم بمنطقة صلاح الدين الجبلية الخلاّبة, ليكتب مذكراته ويخرج لاحقاً على الكرد والمنطقة بوجهة نظره في ما آلت الامور اليه, بعد الخطيئة الكبرى التي قارفها بإصراره على اجراء الاستفتاء وإدارة سمعِه وبصرِه وظهرِه لكل دعوات التأجيل وعدم الذهاب بعيدا في تحدي ارادة اربع دول رافضة لخطوة كهذه, وتمتلك في الآن نفسه القدرة على خنق الإقليم واجهاض محاولة الاستقلال, حتى لو استندت الى استفتاء شعبي نال تأييدا كبيراُ.. وكاسحاً. الناصحون او المعارضون للاستفتاء, كانوا من الداخل الكردي العراقي تماما كما هم من خارجِه في المنطقة وعبر المحيطات، اللهمّ إلاّ اذا كان كاك مسعود استند الى وعود «خُلّبِيّة» من واحدة (او اكثر) من عواصم الغرب الاستعماري, التي اكدت التجربة الكردية المريرة على وجه التحديد, وعبر مائة عام… انها سرعان ما تَخذِل حلفاءها الكرد و»تبيعهم» عند اول مُنعطف او ازمة او مكسب سياسي او نفطي.. عابر. ما علينا.. رسالة بارزاني التي تلاها احد اعضاء حزبه في برلمان كردستان بعد ظهر امس الاحد, قالت الكثير لكنها من اسف لم تقل شيئا وكانت عمومية تستبطن مكابرة, وفي مجملها افتقدت الإثارة والتشخيص الدقيق للمشهد الكردي, وبخاصة تلك الفترة «الرمادية» التي سبقت يوم 25 أيلول الماضي الذي دخل التاريخ الكردي العراقي بل والكردي الاقليمي من اوسع ابوابه, وربما الكارثية اذا ما ذهبت المواجهات (المتوقِفة مؤقتاً حتى الآن) الى مربعات وميادين اخرى, قد تطيح او تلغي او تحدّ من الحرية الواسعة التي تمتع بها الإقليم بعد العام 1991 وخصوصاً بعد الغزو الأميركي للعراق2003 ودائما بعد «غزوة» داعش لسهل نينوى وسيطرته على الموصل..حزيران 2014 وفشل زحفه نحو كركوك, حيث سارع البشمركة للسيطرة عليها باعتبارها غنيمة حرب وعلى قاعدة ان «تحريرها» تَمّ بالدم وان حدود الاقليم ستُرسَم بالدم, وان لا عودة او انسحابا من اي منطقة تم وصول البشمركة اليها وبُذِل الدم للحفاظ عليها, سواء كانت مُتنازَع عليها ام كانت خارج هذه الصفة المُلتبِسة التي تم حصرها في اطار المادة «140 «من الدستور العراقي «الفيدرالي», وحيث ترتفع الآن دعوات داخل البرلمان العراقي ومن كتل برلمانية عراقية (غير كردية بالطبع) لإلغاء هذه المادة وشطبها نهائيا من الدستور,حيث يبدو ان نشوة «الإنتصار» التي استبدّت بهؤلاء, حجبت عن عيونهم الحكمة وبُعد النظر واحترام مبدأ الشراكة الوطنية, التي غابت او غُيِّبت – وما تزال – عن المشهد العراقي بعد الاحتلال الاميركي، وارتهان بعض هذه القوى والمكونات لارتباطات ومصالح خارجية… اقليمية ودولية على حد سواء. مؤسف ان تتزامن انتهاء حقبة او مستقبل «كاك مسعود» مع رحيل «غريمه» وغريم والده رئيس ومؤسس الحزب المنافِس, الاتحاد الوطني الكردستاني «مام» طالباني(وقبلهما بقليل.. الموت المفاجئ لزعيم حركة التغيير «كوران» نيشروان مصطفى, وهو ايضا كان تمرّد مع طالباني على الملاّ مصطفى البارزاني وقاما بتشكيل حزب الإتحاد الوطني) ، على نحو لم يُبقِ في الساحة السياسية والحزبية الكردية العراقية, اي شخصية او زعامة «تاريخية» وازِنة, ليرثها الان الانجال والاحفاد والاقرباء والاصهار وقلّة من الكوادر, التي قد لا تجد فرصتها وسط هذه الحملة المحمومة من قبل الانجال والاحفاد والاصهار الذين بدأوا يحصرون «الإرث» ويبذلون الوعود مقابل إظهار الولاء وإعلان الدعم تحت طائلة الإبعاد والتخوين. لكن ما يُؤسَف له اكثر.. هو الغياب المقصود لأي محاولة للمراجعة واخضاع المشهد الكردي وبخاصة في جانبه البارزاني اي الرئاسة والحزب الديمقراطي الى اعادة قراءة وامتلاك الشجاعة الادبية والسياسية لاستخلاص الدروس والعِبر, وتسمية الاشياء بأسمائها والاستعداد لدفع ثمن الاخطاء والارتكابات التي بدأت تنعكس سلبا وفي شكل كارثي على الداخل الكردي في الاقليم, وعلى الدور الكردي داخل البرلمان العراقي ناهيك عما تحمله الأيام المقبِلة من مفاجآت اذا ما انتهت «الهدنة» المؤقتة الحالية والحوار « الفني وغير السياسي» حول انسحاب البشمركة من الحدود الدولية مع تركيا (منطقة ومعبر… فيشخابور). برلمان الاقليم الذي «وزّع» يوم امس صلاحيات رئيس الاقليم مسعود بارزاني, بعد ان أعلن الأخير انه لن يُمدّد ولايته بعد الاول من تشرين الثاني الوشيك ولن يترشّح ايضاً، والذي كان (البرلمان) قرّر قبل ايام, تجميد عمل هيئة رئاسة الاقليم التي تضم بارزاني ونائبه كوسرت رسول وهو احد قادة حزب الاتحاد الوطني (طالباني) ورئيس ديوان الرئاسة فؤاد حسين، بات الان (برلمان الاقليم) مُمسِكاً بسلطة وصلاحيات ضعيفة وهشّة, ومرشحاً لمزيد من الانقسام والتمترس الحزبي, في ظل احتمالات بنجاح بغداد او اي عاصمة اقليمية في استمالة بعض كتلِه واحزابِه وهي احتمالات واردة بقوة. ما يضع الكرد في دائرة الإستقطاب والإنقسام وربما الإحتراب, وهذه احدى اسوأ واخطر تداعيات… خطيئة استفتاء 25 أيلول
التعليقات مغلقة.