الضغط والابتزاز الأمريكي حمل الأمم المتحدة الموافقة على التقسيم / د. غازي حسين
د. غازي حسين ( فلسطين ) الخميس 2/11/2017 م …
بعثت الحكومة البريطانية بتاريخ 8 نيسان 1947 كتاباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة تريغفلي طلبت فيه:
ـــ إدراج قضية فلسطين في جدول أعمال الدورة العادية المقبلة للجمعية العامة.
ـــ دعوة الجمعية العامة إلى عقد دورة استثنائية لتشكيل لجنة خاصة للنظر في قضية فلسطين، ووضع تقرير ورفعه إلى الجمعية العامة في الدورة العادية المقبلة.
عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة دورة استثنائية في 27 نيسان 1947 تلبية للطلب البريطاني. وعند افتتاح الدورة طلب الوفد البريطاني أن يقتصر جدول الأعمال على الاقتراح البريطاني الذي نص على تشكيل لجنة للتحقيق. تقدمت الدول العربية الأعضاء في الأمم المتحدة آنذاك بطلب إدراج انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وإعلان استقلالها. وقدَّم الاتحاد السوفيتي طلباً بإدراج تعيين لجنة تعمل على تحقيق استقلال فلسطين وإلغاء الانتداب البريطاني في جدول الأعمال.
رفضت بريطانيا والولايات المتحدة الاقتراحين العربي والسوفيتي، وعندما طرحا للتصويت عليهما سقطا وفاز اقتراح بريطانيا بتشكيل لجنة خاصة للأمم المتحدة بشأن فلسطين.
أحالت الجمعية العامة قرارها إلى اللجنة السياسية (الأولى) للبحث في تشكيل اللجنة. وعقدت اللجنة السياسية عدة اجتماعات سادها انحياز بريطانيا والولايات المتحدة وبقية الدول الغربية إلى المزاعم والأكاذيب والخرافات والأطماع التوراتية والتلمودية الصهيونية والاستعمارية ورفضهم لمبادئ الحق والعدالة وحقوق الشعب العربي الفلسطيني المشروعة.
وقررت اللجنة السياسية أن تتألف لجنة التحقيق من إحدى عشرة دولة. وجاء تشكيل اللجنة ضربة قوية للموقف العربي العادل إذ ضمت ثماني دول تابعة لكتلة الدول الغربية وإيران والهند ويوغسلافيا. وانتخبت اللجنة السياسية غواتمالا وأروغواي لأنهما أظهرتا انحيازاً سافراً للصهيونية وتأييدهما للتقسيم خلال مناقشات الجمعية العامة. ورفعت اللجنة السياسية قرارها بشأن تشكيل اللجنة إلى الجمعية العامة فأقرته. وجاءت الصلاحيات والاختصاصات التي حددتها الجمعية العامة للجنة التحقيق ضربة قاضية لقضية فلسطين والموقف العربي الشعبي والرسمي منها، إذ تم إعطاء اللجنة أوسع الصلاحيات لتسجل وتتأكد من (الحقائق) وتفحص جميع القضايا والمسائل التي لها علاقة بمسألة فلسطين وحتى درس أحوال اليهود المشردين في أوروبا والموجودين في معسكرات الاعتقال كمقدمة لحل المسألة اليهودية في أوروبا على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية وباستغلال الهولوكوست لإقامة إسرائيل في فلسطين العربية.
عقدت لجنة التحقيق الدولية جلستها الأولى في نيويورك برئاسة الأمين العام للأمم المتحدة الأمريكي تريغفلي المعروف بنزعته الاستعمارية وتأييده للصهيونية، والذي أظهر انحيازاً سافراً وحقيراً للصهيونية خلال مناقشات الدورة الاستثنائية، مما حمل وفدي فلسطين وسورية على الاحتجاج رسمياً على مواقفه وتصرفاته.
انتقلت اللجنة إلى لندن وزارت بعض البلدان الأوروبية ومعسكرات اللاجئين اليهود واستمعت إلى آراء زعمائهم وممثليهم ثم عقدت اجتماعاً لها في بيروت استمعت فيه إلى رأي موحد للدول العربية قدمه حميد فرنجيه وزير خارجية لبنان آنذاك.
قرر الفلسطينيون بالإجماع مقاطعة اللجنة وعدم التعاون معها لأنهم لمسوا بأنها ستقدم مشروعاً لتقسيم فلسطين والربط بين قضية فلسطين ومشكلة اليهود في أوروبا ولانحياز الأمين العام للأمم المتحدة الأمريكي وأمريكا وبريطانيا السافر للصهيونية.
طالب الفلسطينيون من الدول العربية مقاطعة اللجنة لخطورة الدور الذي تقوم فيه على عروبة فلسطين وانحيازها لأمريكا والصهيونية، ولكن الدول العربية لم توافق على هذا الطلب فقاطعها الفلسطينيون عندما جاءت إلى فلسطين. وخلال إقامة اللجنة في فلسطين نزل العديد من أعضائها في فنادق يهودية وقضوا سهراتهم في الأندية الليلية في تل أبيب، وزاروا العديد من المستعمرات والمراكز اليهودية، وأعلنوا تأييدهم لليهود، ورحبوا في مقابلاتهم بفكرة تقسيم فلسطين.
اختلف أعضاء اللجنة حول التوصيات التي سيقدمونها إلى الجمعية العامة وانقسموا إلى فريقين: فريق الأكثرية ونص في تقريره على التوصية بتقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية ووضع القدس ومنطقتها تحت الوصاية الدولية وعقد معاهدة اقتصادية بين الدولتين، وضم هذا الفريق سبع دول وهي:
السويد، وأروغواي، بيرو، غواتمالا، هولندا، كندا، لوكسمبورغ. واقترح فريق الأقلية التوصية بإقامة دولة اتحادية من دولة عربية وأخرى يهودية وضم ثلاث دول وهي: إيران والهند ويوغسلافيا.
وانعقدت الدورة العادية للجمعية العامة في الاول من أيلول عام 1947، وأدرج في جدول الأعمال تقرير لجنة التحقيق والتوصيات، وشكلت الجمعية العامة في الثالث من أيلول لجنة عامة من جميع الدول الأعضاء ولجنتين فرعيتين. وجاء تقرير اللجنة الفرعية الأولى مؤيداً لتقرير فريق الأكثرية أي مؤيداً للتقسيم، بينما أوصت اللجنة الفرعية الثانية بإنهاء الانتداب البريطاني وإعلان استقلال فلسطين واستطلاع رأي محكمة العدل الدولية فيما إذا يحق للأمم المتحدة فرض حل على فلسطين لا توافق عليه أكثرية السكان.
ناقشت اللجنة العامة تقريري اللجنتين الفرعيتين، حيث عارضت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي تقرير اللجنة الفرعية الثانية. وفاز تقرير اللجنة الفرعية الأولى. وأحيل قرار اللجنة العامة إلى الجمعية العامة للبحث والتصويت في 26 تشرين الثاني. ومارس اليهود والولايات المتحدة الأمريكية أبشع أنواع الضغوط والابتزاز على العديد من الدول مما حمل بعض الدول على تعديل مواقفها الرافضة للتقسيم وتأييده.
وأخذ المندوبون الأمريكيون يطلبون من كل وفد تأييد التقسيم مستعملين التهديد والوعيد مما حمل العديد من الدول على تغيير مواقفها مثل بلجيكا وفرنسا وليبريا وبرغواي والفلبين ولوكسمبورغ وهولندا. واتهم اليهود الوفود المعارضة للتقسيم باللا سامية. ولقد اعترف حتى الرئيس ترومان في مذكراته بالضغوط التي مارستها الصهيونية وكتب يقول: «في الواقع لم تكن الأمم المتحدة التي أخضعت لضغوط لم تعرفها من قبل، بل إن البيت الأبيض نفسه تحمل دفعاً من الضغوط. » تعرضت عواصم الدول التي تعارض وفودها التقسيم في عشية إقراره إلى ضغوط أمريكية ويهودية هائلة. وشكل زعماء اليهود لجنة الطوارئ للتقسيم من عدد من أصحاب النفوذ داخل الولايات المتحدة وخارجها. وتولت السيدة روزفلت الاتصال برجال السياسة الأمريكيين وبالرئيس ترومان.
وتعهد برنارد باروخ عضو لجنة الطوارئ للتقسيم للوفد الفرنسي بتقديم مساعدات أمريكية وفيرة لفرنسا بموجب مشروع مارشال. ومارس عضو اللجنة هارفي فايرستون نفوذه الاقتصادي على ليبيريا وضغط على حكومتها وحملها على تغيير موقفها الرافض للتقسيم.
ومارست الولايات المتحدة ضغطاً كبيراً على مندوب الفلبين الذي كان من أشد المعارضين للتقسيم وصوتت الفلبين إلى جانب التقسيم صيانة للصداقة الأمريكية الفلبينية.
وكان مندوب هايتي معارضاً للتقسيم، ولكنه تلقى تعليمات من حكومته نتيجة للضغوط التي وقعت عليها وأيد التقسيم. ووصل عدد الأصوات المؤيدة للتقسيم إلى 32 وارتفع العدد إلى 33 بعد أن غيَّر مندوب ليبيريا موقفه من معارض للتقسيم إلى مؤيد له نتيجة للضغط الأمريكي. وكانت الإدارة الأمريكية تحث بعض الدول المعارضة للتقسيم على الامتناع عن التصويت. وبالتالي يمكن القول إن أمريكا لعبت الدور الأساسي في إنجاح مشروع تقسيم فلسطين غير الشرعي.
وعندما لاحظ اليهود أن مساحة الدولة اليهودية أقل مما يريدون توجه حاييم وايزمان الى واشنطن واجتمع مع الرئيس ترومان. وكتب حاييم وايزمان في مذكراته عن هذا الاجتماع قائلاً: «وتحدثت إليه (ترومان) عن منطقة النقب والعقبة وأنها يجب أن تكون من نصيب الدولة اليهودية. ووعدني أن يتصل فوراً بالوفد الأمريكي. وكان المستر ترومان صادقاً في قوله، وأنه بعد ساعات قليلة من اجتماعي به أصدر التعليمات اللازمة للوفد الأمريكي لجعل النقب والعقبة من نصيب اليهود».
وأكد وايزمان في مذكراته بأن الفضل في إقرار مشروع التقسيم يعود إلى حد كبير إلى تدخل الرئيس الأمريكي ترومان وجهوده.
ويؤكد الرئيس هاري ترومان ما ورد في مذكرات وايزمان عن فضل أمريكا وخاصة ترومان بحمل الأمم المتحدة الموافقة على قرار التقسيم وكتب في مذكراته قائلاً: «لقد أعطيت تعليمات إلى وزارة الخارجية بأن تؤيد أمريكا مشروع التقسيم».
وهكذا صنعت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية قرار تقسيم فلسطين. واستغلت اليهودية العالمية القرار والهولوكوست النازي والمبالغة فيه واستخدام القوة العسكرية وحرب عام 1948 التي أشعلتها وأعلنت الوكالة اليهودية في 15 أيار 1948 تأسيس إسرائيل في فلسطين العربية.
وهكذا بدأت حرب عام 1948 العدوانية والنكبة التي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا والصراع العربي الصهيوني والحروب الاسرائيلية والاحتلال الاسرائيلي والاستعمار الاستيطاني اليهودي في كل فلسطين لاقامة اسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الاوسط الجديد.
التعليقات مغلقة.