الشعب العربي الفلسطيني يصر على حق العودة ويرفض التوطين ويهودية الدولة / د. غازي حسين

د. غازي حسين ( فلسطين ) الجمعة 3/11/2017 م …




جاءت معاهدة وادي عربة بموجب المادة الثامنة الفقرة 2/ جـ تنص على توطين اللاجئين والنازحين.

يقود التوطين إلى تحقيق هدف أساسي من أهداف المشروع الصهيوني بإلغاء حق العودة وإلغاء الوضع القانوني والسياسي للاجئين، أي إلغاء الالتزام الدولي بقضية اللاجئين وبحقهم في العودة والتعويض وتنازل الدول العربية عنه وموافقتها على الموقف الإسرائيلي الرافض لحق عودة اللاجئين إلى ديارهم.

وبالتالي يلحق التوطين أفدح الأخطار بماضي وحاضر ومستقبل حوالي ستة ملايين لاجئ فلسطيني وبمصيرهم الوطني وحقوقهم القومية والدينية والإنسانية.

وهنا لا بد من الإشارة إلى القرارات التي اتخذها المؤتمر الجماهيري الأول للاجئين في مخيمات الضفة الغربية بتاريخ 8/12/1995 والتي جاء فيها: «وحدة الشعب الفلسطيني السياسية والوطنية والتاريخية غير القابلة للتجزئة. قضية اللاجئين قضية الشعب الفلسطيني الوطنية المركزية شأن القدس والحدود والهوية الوطنية. قرارات الشرعية الدولية هي الأساس لحل قضية اللاجئين وعلى رأسها القراران 181 و194، قضية اللاجئين قضية سياسية وليست اقتصادية، ورفض مشاريع التوطين».

«إسرائيل» تتحمل المسؤولية التاريخية عن قضية اللاجئين

ضمن قرار التقسيم رقم 181 للفلسطينيين المساواة التامة في الحقوق مع اليهود وجاء القرار 194 بعد أن خلقت «إسرائيل» مشكلة اللاجئين بترحيلهم من المناطق التي احتلتها زيادة على الحدود التي عينها قرار التقسيم.

وأكد على حقهم في العودة والتعويض. وأنشأت الأمم المتحدة لجنة التوفيق الدولية برئاسة أميركية لتقوم بتسهيل عودتهم وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي.

وأخيراً أقامت الأونروا ـ الوكالة الدولية لتشغيل وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين ـ إلى أن تتم عودتهم إلى ديارهم، حيث يشكلون ثلثي الشعب الفلسطيني، أي أكثر من 6 ملايين نسمة.

ويسعى بعض أصحاب المناصب في السلطة الفلسطينية إلى ترويج موقف «إسرائيل» بالدعوة إلى عودة بعض اللاجئين إلى الدولة الفلسطينية المزمع إقامتها عن طريق الولايات المتحدة وموافقة «إسرائيل» وبتسويق آل سعود باستبدال حق العودة إلى الديار بقيام دولة فلسطينية مقطعة الأوصال ومسلوبة السيادة والإرادة والأراضي والمياه وعودة بعض اللاجئين إليها. وبالتالي حرمانهم من العودة إلى ديارهم كمقدمة لترحيل بقية الفلسطينيين من الجليل الغربي وبقية الأراضي المحتلة عام 1948 لإحضار المزيد من المهاجرين اليهود وتوطينهم في أماكنهم لجعل «إسرائيل» يهودية نقية. وبذلك تحقق الصهيونية التطهير العرقي تجاه الفلسطينيين سكان فلسطين الأصليين وأصحابها الشرعيين.

وتلجأ «إسرائيل» كعادتها في الكذب والخداع والتضليل لتبرير موقفها الرافض لتنفيذ حق العودة تطبيقاً لقرارات الشرعية الدولية بالزعم أن اللاجئين الفلسطينيين باعوا أراضيهم وتركوها بمحض إرادتهم تلبية لنداءات الدول العربية.

من المعروف أن مساحة فلسطين تبلغ 26,300,000 دونم، يملك اليهود حتى قيام «إسرائيل» 1,5 مليون دونم أي أقل من 6% من مساحة فلسطين، والبقية الباقية يملكها الشعب الفلسطيني.

لقد عشت الهجرة وكان عمري حوالي (10) سنوات وبالتالي معايشتي لها ولما كنت أسمعه من والديّ وأخوتي وأخواتي وأقاربي وأصدقائي وشهادات اللاجئين تكذب ادعاء «إسرائيل».

إن ارتكاب المجازر الجماعية كمجزرة دير ياسين و74 مجزرة شبيهة لها والقصف المستمر بالمدافع والطائرات ومحاصرة القرى وتدميرها وقلة السلاح مع الفلسطينيين قاد إلى ترحيل الشعب الفلسطيني تحقيقاً للمخططات التي وضعتها الحركة الصهيونية والحكومة الإسرائيلية.

وتؤكد شهادات المراقبين الدوليين والقناصل الأجنبية والكتاب من بريطانيا والولايات المتحدة وحتى المؤرخين الإسرائيليين الجدد أن «إسرائيل» هي التي أجبرت الفلسطينيين على الهجرة ولا تزال تجبرهم على الهجرة من الأراضي التي احتلتها في الحرب العدوانية عام 1967 بما فيها القدس وإقامة المستعمرات اليهودية فوق أراضيهم لإذابة الشعب الفلسطيني وترحيله وإبادته وتوطينه والوصول إلى التطهير العرقي والذي يعتبر في القانون الدولي جريمة حرب وإقامة الوطن البديل في شرق الأردن.

إذاً ترحيل الفلسطينيين من ديارهم ورفض حقهم في العودة إليها وإقامة المستعمرات اليهودية عليها هي من أفظع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. خططت الحركة الصهيونية للترحيل والتوطين قبل تأسيس «إسرائيل» التي تتحمل المسؤولية التاريخية عن ترحيل اللاجئين بالقوة والحروب والمجازر الجماعية تنفيذاً للمخططات الصهيونية.

إن ما يؤلمني حقاً سماع بعض العرب يقولون أن اللاجئين باعوا أراضيهم وجاؤوا إلينا على الرغم من الخسائر البشرية والمادية والمعنوية التي لحقت وتلحق بنا منذ عام 1948 وحتى اليوم، ولا تزال بعض الدول العربية تمارس بحقهم أبشع أنواع العنصرية والتمييز العنصري.

القانون الدولي يؤكد على حق العودة والتعويض

إن مبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية والممارسات والعلاقات الدولية التي تكرست بعد القضاء على النازية تؤكد حق اللاجئ الفلسطيني في العودة والتعويض. وبالتالي له الحق في التعويض عن الخسائر المادية والمعنوية التي لحقت به جراء تهجيره من منزله ووطنه، مثل تدمير المنازل والبيارات وآبار المياه، والمعاناة والحرمان وفقدان كل ما يملكه من أغراض ومواد غذائية ومصادر رزق، وفقدان الجنسية والهوية وأواصر القرابة وذكريات الوطن والطفولة، واستغلال الأراضي والممتلكات لحوالي (70) سنة، ولممارسة الإرهاب، والعنصرية والتمييز العنصري والإبادة وتدمير المنجزات والاغتيالات وتدمير الزراعة والصناعة مهما طال الزمن، ولن يسقط حقه أبداً، فالتعويض حق وليس منة وليس فقط للأشخاص الذين يقررون عدم العودة وإنما لكل اللاجئين وطبقاً لمقاييس التعويضات التي أقرتها الأمم المتحدة للمتضررين من احتلال الكويت عام 1991، ودفعتها من أموال النفط العراقي بما في ذلك تعويضات أخذتها شركة العال الإسرائيلية للطيران زوراً وبهتاناً كعادة اليهود في الاستغلال والكسب غير المشروع.

إن للاجئ الفلسطيني الحق في التعويض عن الخسائر المادية والروحية التي أنزلتها «إسرائيل» به، واسترداد أراضيه وممتلكاته تطبيقاً للقانون الدولي والقرارات الدولية وأسوة بالتعامل الدولي.

رفض التوطين ويهودية الدولة

إن توطين اللاجئين هو مصلحة وهدف إسرائيلي وتحقيقاً لإملاءات أميركية بالتخلص من مشكلة اللاجئين أصحاب فلسطين الأصليين وسكانها الشرعيين ولتحويلها إلى كيان عنصري خالص لجميع اليهود في العالم على حساب حقوق الشعب الفلسطيني والعروبة والإسلام. وحق العودة لا يرتبط بما إذا كانت فلسطين مليئة أم فارغة، لأنه حق ثابت غير قابل للتصرف منذ الترحيل وحتى اليوم وغداً وبعد غد وإلى الأبد. واللاجئ هو أولى وأحق بالعودة إلى وطنه من المهاجر اليهودي الذي ستستقدمه «إسرائيل» من روسيا أو الحبشة أو الهند. فالعودة ليست مقيدة بشيء فهي حق طبيعي، وليس على الفلسطينيين التخلي عنه والبقاء في المنفى لتنفيذ رغباتها ومخططاتها ولتكون دولة لجميع اليهود في العالم.

ويرفض الشعب والأمة التوطين والوطن البديل ويهودية الدولة، فالموافقة العربية والدولية على يهودية «إسرائيل» وعلى التوطين يعطيها التفويض لترحيل عرب الأراضي المحتلة عام 948 من «إسرائيل» وإبادتهم وتذويبهم ومسحهم من الوجود. فــ «إسرائيل» دولة عنصرية استعمارية وإرهابية تطبق التطهير العرقي بترحيل الفلسطينيين والاستيلاء على أرضهم ومقدساتهم وتهويدها ومسحهم من الوجود في وطنهم فلسطين لحل المسألة اليهودية في أوروبا على حسابهم.

إن الموافقة على قبول التعويض عن الأرض والممتلكات والتنازل عن حق العودة يعني التنازل عن كامل الحقوق السياسية والوطنية والقومية والإسلامية في فلسطين، ويسقط حق الأبناء وذريتهم بالمطالبة بأي حق في الديار والممتلكات، وتنتقل الملكية لجميع اليهود في العالم.

وقد أفتى علماء المسلمين أن الموافقة على التعويض عن الأرض والديار هو بيع للوقف الإسلامي، وبيع للوطن الفلسطيني المقدس وهو محرم القيام به.

إن قضية اللاجئين واغتصاب أراضيهم وممتلكاتهم وترحيلهم للسيطرة على المنطقة وإقامة «إسرائيل» هي جوهر القضية الوطنية للشعب الفلسطيني وعنوانها الرئيس إن لا حل للصراع إلا بعودة اللاجئين وإعادة الأرض والحقوق المغتصبة وتفكيك جميع المستعمرات اليهودية فقضية اللاجئين هي التي فجرت الصراع، وأن أي حل يتجاهل حقهم في العودة لن يقود أبداً إلى السلام العادل والشامل.

إن قضية اللاجئين هي قضية شعب شرد من وطنه منذ أكثر من 70 عاماً باستخدام القوة العسكرية والمجازر الجماعية والحروب العدوانية، وهو يرفض التوطين والوطن البديل، وقضية سياسية بالدرجة الأولى وإنسانية بالدرجة الثانية.

إن قرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي لها صفة إلزامية لـ «إسرائيل» أكثر من أي دولة أخرى في العالم، لأنها استندت في تأسيسها إلى قرارات الأمم المتحدة، فالأمم المتحدة (واستخدام القوة) وتواطؤ الإمارات والممالك العربية مع بريطانيا وأمريكا والصهيونية هي التي خلقت «إسرائيل»، وبالتالي فإنها ملزمة أكثر من غيرها بتنفيذ قرارات المنظمة الدولية، لأنها اعتمدت في تأسيسها على هذه القرارات، ولأنها تعهدت للأمم المتحدة بتنفيذ القرارين 181 و194 وقرار مجلس الأمن 237.

إن اللاجئين لم يتركوا وطنهم بمحض إرادتهم أو بتحريض من الدول العربية، أو لأن «إسرائيل» كانت في حالة الدفاع المشروع عن النفس كما تزعم وإنما اغتصبت إسرائيل فلسطين العربية ورحلت سكانها لاستقبال المهاجرين اليهود لإقامة دولة يهودية عنصرية خالصة للسيطرة على الشرق الأوسط والعالم بأسره.

وتعتبر عملية تهجير الشعب الفلسطيني وترحيله من وطنه عملية تطهير عرقي وجريمة حرب بحسب القانون الدولي ولا تسقط بتقادم الزمن.

إننا مصرون على حقنا في العودة لأنه حق سياسي ووطني وقانوني وإنساني تؤكده مبادئ وقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي وحق اللاجئ نفسه وليس لمنظمة التحرير الفلسطينية أو مؤتمرات القمة العربية.

فالشعب الفلسطيني لم ولن يسلم أبداً بالاحتلال وباغتصاب أرضه وحقوقه ومقدساته. ويصر على إجبار «إسرائيل» على تحمل المسؤولية التاريخية عن نكبته ومحاسبتها ومعاقبتها بموجب القانون الدولي مهما طال الزمن وغلا الثمن حتى زوال الكيان الصهيوني.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.