ماذا ينقص الإنتفاضات الشعبية / امنية حامد

أمنية حامد ( السبت ) 4/11/2017 م …
تناولنا في مقالنا السابق المواطن في بلداننا، المواطن العبقري وقدرته علي الحراك وتفاعلاته في إطار مجتمعي لإشباع إحتياجاته في ظل قصور البيئة المحيطة. تناولنا ايضا، في مقال سابق لذلك، السلطة، رأس المنظومة، و الاتجاة العمدي لهدم الإطار المؤسسي و الطبقات الفاصلة ما بين المواطن والسلطة.




نتناول هنا و باختصار العنصر المنتصف. و خلاف لما يبدو طبيعيا فلن نتطرق للإطار المؤسسي، بل سنقتصر في حديثنا علي العنصر الاساسي للتطور الطبيعي و المطلوب ما بين جهود المواطن و تمخض تلك الجهود لإحداث تأثير في هذا الإطار المؤسسي و في مسار السلطة، خاصة عندما تتحول تلك الجهود لإتقادة شعبية يتلاحم فيها المواطنين تحت راية واحدة لمطالب موحدة.
ان الاحداث الشعبية من ثورات و إنتفاضات، و مظاهر أخري للتوقد، هي بطبيعتها مظاهر لحظية و مرحلية (حتي و ان استمرت لعدة اشهر، فهي لحظات في حياة الشعوب) ستنفض عاجلا او آجلا. و عليه فان طبيعة نتائج تلك اللحظات من فشل أو نجاح في تحقيق اهدافها و مطالبها مرهون بوجود عنصر آخر. عنصر قادر علي التقاط تلك اللحظة و العدو بها لزرع ثمار التغييرات المطلوبة في اطار أكثر إستقرارا و إستدامة.
يمكن عزو أهمية وجود هذا العنصر لخاصيتين لطبيعة مطالب الحركات الشعبية
1- خاصية مرتبطة بدرجة وضوح المطلب الشعبي
2- خاصية مرتبطة بالإطار الزمني للمطلب
****
أولا: درجة وضوح المطلب الشعبي
ان اتضحت معالم أهداف كثيرا من تلك الحركات الشعبية في غصون اللحظات الاولي للإتقادة، فعادة ما يمكننا التفرقة بين شطرين لتلك الاهداف. الشطر الأول يكون في شكل الرفض لواقع معين أما الشطر الثاني فهو التطلع لبديل أرحب.
غالباً ما نجد إن الرفض هو العنصر الاوضح (بشقه التنفيذي)، اما البديل فعادة ما يكون أكثرا ابهاما، يُعرف بآثاره و ليس في شكل محدد. البديل هو رؤية لما هو مفتقد و ليس كخطة واضحة المعالم.
فمثلا ان كان المطلب هو تنحي السلطة او بعض اعضائها (شطر الرفض للواقع)، كثيرا ما نجد مصاحبة هذا المطلب لنداءات “عدالة اجتماعية و ظروف معيشية افضل….” (الشطر البديل)
ثانيا: الإطار الزمني للمطلب
إضافة لتباين درجة وضوح المطلب، نجد ايضا تباين في الاطار الزمني اللازم لتلبية شطري الرفض و البديل للمطالب الشعبية.
فبينما يمكن التعبير عن شطر الرفض في مطلب يسع تلبيته خلال إطار زمني قصير و محدد، فان البديل – بطبيعته- هو رؤية لوضع مستقبلي ممتد، و ليس اشباع احتياجات لحظة واحدة.
وبناء عليه، فان كان عنصر الرفض هو الشطر الأكثر وضوحا للحركات الشعبية و المحرك الرئيسي للاتقادة، و لذلك يكون تلبيته أكثر حرجا للسلطات لاحتواء عنفوان التوقد، فان شطر البديل يبقي كمطلب حاضر و ممتد حتي بعد ان تنفض الاحداث.
****
إضافة إلي ذلك، نجد ان طبيعة الحركات الشعبية تجعلها قاصرة عن التعامل الكامل و الكافي مع تلك الخاصيتين للمطالب، خاصة تجاة الشطر البديل.
فبينما تعتمد خصوصية الحركات الشعبية علي تلقائية التكوين و استقطاب عناصر الشعب المختلفة للمساهمة في اتقادتها بدون تدبير مسبق و بعيدا عن استقطابات مؤسسية منفردة. فان ذلك يجعلها بطبيعتها ظاهرة مرحلية ناقصة الهيكل التنظيمي القادر علي وضع خطة رؤية بديلة و استراتيجية للعمل عليها.
محصلة ما سبق، ان نجد الشطر البديل عرضه للضياع وسط الإرادة السياسية للسلطة المنصبة علي تلبيه شطر الرفض و قصور الحركات الشعبية في وضع استراتيجية لرؤية بديلة.
و هنا يكمن مربط المعضلة، فان كان الشعب هو موقد و مضئ الشعلة، فلابد من وجود عنصر آخر متأهب وقادر علي استلام تلك الشعلة و توظيفها، عنصر بشقيين، اولهما فكري وثانيهما تنظيمي.
للشق الفكري القدرة علي تمكيين الحركة الشعبية من بلورة أهدافها و التعبيير عن رغباتها خاصة في إطار بلورة ملامح العنصر البديل و للشق التنظيمي القدرة علي بلورة استراتيجية لترجمة اهداف الحركة الشعبية و رسخ خطط للعمل علي تلك الاستراتيجية.
كما اشرنا أعلاه، فان دور هذا العنصر بشقيه الفكري و التنظيمي ينصب اساسا تجاه الشطر البديل لمطالب الاتقادة، ليس فقط لقصور الحركة الشعبية تجاه هذا الشطر و لكن لاهمية ذلك الشطر البديل: فهو الوليد، و الفرصة الاستثنائية التي يمكن من خلالها رسخ دعائم تغييرات جذرية، و اعادة توجيه الدفة.
طبيعه التغيير اذا مرتبطة بطبيعة الكيان المتوفر والوضع الممكن، و نكون امام احتماليين لمآل حركات التوقد الشعبي (بخلاف الفشل التام في تحقيق اي من مطالبها!).
1- ان الأقرب و الأكثر احتمالية- لمآل مظاهر عدم الاستقرار هو من خلال إحداث تغييرات صغيرة متتابعة في الوضع القائم، و ذلك باستجابة السلطة للمطالب الشعبية،سواء كانت تلك الاستجابة في إطار سلس كتحرك المنظومة الديمقراطية استجابة لرغبات الطبقة المحكومة، أو عن مضض وضرر لحفاظ السلطة علي عرشها، في ظل توقد لمظاهر عدم الاستقرار.
2- علي الجانب الآخر تظل هناك احتمالية لانحراف كامل عن المسار – bifurication – مثل اي ظاهرة ديناميكية. قد يُنتج التفاعل الشعبي انحرافات هيكلية يتم فيها الخروج عن المسار المتخذ كانتفاضة مماثلة للربيع العربي، كبندول ترنح ليكسر مساره التعاقبي. و كمثل الظواهر الديناميكية الاخري، فان مثل هذا الانحراف العنيف ليس مرهون او مشترط بحدوث تغييرات جذرية كتوحش مفاجئ للسلطة تهب علي أثرها الحركة الشعبية، بل عادة ما يكون كالقشة التي تقسم ظهر البعير.
إذا ما حدث التوقد، فان التوجه الطبيعي هو نحو البحث عن استقرار، خاصة بعد ان تم تلبية شطر الرفض للمطالب الشعبية.
فان صاحب التوقد نهضة و صحوة مماثلة للعنصر الفكري و التنظيمي لكان للحركات الشعبية فرصتها لنحت معالم التغييرات المرجوة من مطالبها و تحقيق لاستقرار.
اما في ظل غياب لمثل هذا العنصر، نجدنا امام عدد من الاحتمالات، مثل احتمالية سرق الشعلة بواسطة عناصر أخري لتحقيق أغراضها الخاصة، او قد يسبب التوقد في الاتيان بترتيبات لحظية غير مدروسة العواقب مثل “رؤساء الصدفة”. في مثل كلتا الحالتين، ستهدأ مظاهر عدم الاستقرار، …حتي التوقد التالي، وبزوغ شطر الرفض الجديد.
ختاما ان كان هدفنا بهذا المقال هو تكملة ما تناولناه في مقالات سابقة، فعلينا التأكيد ان حديثنا ليس بالجديد، حيث عبر كثير من مفكري المنطقة في فشل الطبقة المثقفة و الاحزاب الساسية في التقاط شعلة الربيع العربي و التي سرقت بواسطة تنظيمات أكثر حنكه في التجمل وارتداء الزي المناسب للعب الدور المطلوب.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.