كاذبون وجهلة وينادون بالحرية / د. يحيى محمد ركاج
د. يحيى محمد ركاج* ( سورية ) الجمعة 27/3/2015 …
*باحث في السياسة والاقتصاد
دخلت الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية عموماً وسورية على وجه الخصوص عامها الخامس من الفوضى والدمار الذي لم تشهده البشرية قبلاً إلا في الحروب العالمية، وإذا كنت في كل مرة أشمل المنطقة العربية بعمومها وأخص سورية على وجه التحديد، فلأني أدرك ما يحدث بسورية بتفصيلاته وأعايشه يوماً بيوم ولحظة بلحظة حتى في الفترات التي أسافر بها خارج وطني. وأبتعد نوعاً ما عن تناول البلدان العربية الأخرى رغم معرفتي التفصيلية أيضاً بواقعها، ولكني أتغاضى عن بعض معرفتي بذريعة “التمس لأخيك سبعين عذراً” فأبرر لهذه الدول بعض ما يحصل بها بدواعي جهلي بكافة الأمور وعدم إلمامي بما يحدث فيها تفصيلياً.
وتزداد قناعتي يوماً تلو الأخر بضرورة التركيز على ما تشهده سورية – بغض النظر عن كونها بلدي- لما آراه وأسمعه وأشاهد نتائجه من أفعال وأحداث، وإذا كنت قد أعلنت منذ بدايات الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية بأن الهدف الديموغرافي بارز للعيان والمتمثل بتحقيق توازن ديموغرافي لمصلحة الغرب من خلال القضاء على شباب المنطقة العربية، والقضاء هنا لا تشمل فقط القتل إنما التهجير أيضاً. فإن المفارقة الأكبر في هذا الهدف هو تحقيقه بأياد عربية في أغلبه، فمن لم تقتله أموال هذه الدول أو أسلحتها أو أجهزة مخابراتها قتلت مواهبه أسواقها من خلال إغراقه فيها.
ففي نقاش جمعني منذ أيام قليلة مع عدد من الباحثين العرب من دول عربية شتى لاحظت كيف تعمد هذه الدول على منح أبنائها شهادات عديمة القيمة لتسوق لهم فيها بالخارج عموماً وفي الأسواق الخليجية على وجه الخصوص، لنشاهد أسماء مناصب وشهادات نسمع بها لأول مرة ولكنها في المضمون العلمي والعملي لا تتعدى ثمن الحبر الذي كتب بها عنوانها، فلم تقم هذه الدول بتحقيق صناعة علمية جيدة لأبنائها وهم عماد بنائها ورمز سيادتها، ولم تساهم أيضاً في سد الفجوة التي تعاني منه أسواق الدول المستقبلة لهذه العمالة من أجل تدعيم قوتها، بل على العكس تساهم رويداً رويداً في تدمير هذه الدول وتدمير إقتصادياتها.
الأمر الذي جعلني أعيد التأكيد على ما تشهده سورية وما يتعرض له أبناؤها من قتل وتهجير ممنهج، وهو ما تعرضت له العراق سابقاً وعانى منه الشعب العراقي ومن قبله الشعب الفلسطيني.
وما يزيد من التأكيد على نتائج هذا النقاش ما تشهده مصر والسودان من جدالات حول المياه مع أثيوبيا، وما نشره بعض الباحثين والصحفيين الوطنيين من تبعات خطيرة لما يقدم عليه البلدين من خطوات تبدو للوهلة الأولى على أنها الحلول الوحيدة الناجعة لأزمة المياه، ولكنها في طياتها تقتل أجيالاً بكاملها لا تزال تتمسك بأرضها وتدافع عن سيادتها، وهو ما فعله سابقاً جماعة الأخوان عندما تسلموا حكم مصر-ولا أدري إن كانوا قد فعلوه جهلاً أم عمداً-. ويؤكد أيضاً على هذه النتائج ما تشهده اليمن في هذه الأيام، وما شهدته سورية في الأيام الماضية ابتداء من محاولة الولايات المتحدة الأمريكية إعادة ترتيب أوراق لعبة الحرب والدم لصالحها من خلال الطائرة التي تم إسقاطها من قبل الدفاعات الجوية السورية، وصولاً إلى استخدام العرب أنفسهم كأدوات تدمير جديد وممنهج من خلال إنطلاق الطائرة الأمريكية من مطار عربي مجاور-كما تناقلت الصحف ووكالات الأنباء- وصولاً إلى مشاركة عناصر وضباط من دول عربية أيضاً في سفك الدم السوري ودعم الإرهاب الذي يعاني منه الشعب السوري من أجل إعادة نقطة توازن جديدة تحقق لهم بعض المكاسب أمام سيدهم الأمريكي الذي بدأ يدرك أن الفوضى فوق هذا النطاق لم تعد بصالحه أبداً.
إن العوامل السابقة رغم أنها تبدو متفرقة وغير متقاطعة من الناحية الظاهرية، لكنها تحمل في طياتها الهدف الرئيس للحرب على سورية والمنطقة العربية، وهو الهدف المتمثل في إختراق العلاقة بين العروبة الحاضنة للاسلام والإسلام الحامل للعروبة، بعد أن تم شرذمة الدين إلى مذاهب وطوائف وملل متناحرة، وتشويه صورة القوميات باعتبارها مجزأة للهوية الجامعة. وهو الهدف المتمثل بتدمير فكر الجيل الجديد الذي يحمل البناء والسيادة والشموخ والإباء، وريث الحضارات التي تم إغفالها وتدميرها وتشويه صورتها بالسخرية والترهات الهازئة.
واسمحوا لي أن أختلف مع من يقول أن تاريخنا أسود ودموي، فلو كان تاريخنا أسود ودموي لما اجتمعت علينا كلاب الأرض من كل حدب وصوب، ولما كانت تكلفة صناعة العملاء والخونة من العرب مكلفة إلى هذا الحد، ولكن تاريخنا علينا أن نتذكره دوماً، وأن نعلمه لأبنائنا أننا أبناء أوغاريت والأهرامات، أبناء الفرات والنيل، أبناء الشام وبغداد وتطوان وسبأ، أبناء الحضارة التي حكمت العالم في السابق، ويخاف الغرب أن يصح أبنائها فيحكمون العالم مجدداً. أبناء أمة أقرأ التي أصبحت تشتري وتزور شهادات اقرأ، فكان نتاجها حصيلة هذه الشهادات، ونتاجها أيضاً هو الحرية التي ترون نتائجها بعينكم في سورية من دمار ودماء
التعليقات مغلقة.