صفقة القرن وسيلة لتحقيق حل الدولتين / ابراهيم ابو عتيلة
ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الجمعة 17/11/2017 م …
” صفقة القرن ” مصطلح بدأ يالظهور منذ عام 2006 وذلك بهدف وحيد وهو تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي ” وفق من يروج البعض لذلك ” ، لقد جاءت الصفقة مدار البحث كنتيجة طبيعية لما أطلق عليه تفاهمات أولمرت – عباس ، تلك التفاهمات التي انبثقت عن المفاوضات التي جرت بين عباس ورئيس وزراء الكيان الصهيوني في عهد أولمرت خلال الفترة ( ديسمبر/ كانون الأول 2006 حتى نهاية سبتمبر/ أيلول 2008) ، ولم تر تلك التفاهمات النور لعدم التوقيع عليها من قبل الطرفين وقد كان لكل طرف وجهة نظره ، السلطة أرادت الانتظار لنتائج انتخابات الكيان الصهيوني حتى يتم التوقيع مع رئيس الوزراء القادم فيما أراد اولمرت أن تكون تلك التفاهمات وسيلة لنجاح حزبه في الانتخابات وبأن تكون هذه التفاهمات أولى وأهم إنجاز لحكومته القادمة ، ولما كانت الإنتخابات الصهيونية على الأبواب فقد اتفق الطران على تأجيل التوقيع على هذه التفاهمات ، وبعد فشل أولمرت بالانتخابات … قامت الإدارة الأمريكية بالاستناد عليها وتطويرها إلى ما ما اصطلح على تسميته خطة كيري والتي تم التركيز فيها على حل الدولتين ، حيث قال وزير الخارجية الأمريكي جيم كيري بأن خطته تلقى توافقا بشأن السلام في الشرق الأوسط و”يمكن أن تستخدم أساسا لمفاوضات جدية عندما يكون الطرفان مستعدين لذلك” الأمر الذي يؤكد ارتباطها بتفاهمات أولمرت – عباس ، كما أضاف كيري بأنه “بدون استباق أو فرض حل فإن هناك توافق واسع على أن اتفاقا نهائيا حول الوضع سيلبي احتياجات الطرفين”.
ومن هنا فقد تضمنت خطة كيري المبادئ التالية :
1. إقامة حدود آمنة وقابلة للاستمرار ومعترف بها من قبل الأسرة الدولية، بين إسرائيل وفلسطين، ومن خلال التفاوض المباشر على أساس حدود 1967 مع عمليات تبادل متساو لأراض يقبل بها الطرفان ، ولقد اشار كيري ” بأن هذا المبدأ وارد في قرار مجلس الأمن رقم 242 لسنة 1967 وهو قرار مقبول منذ فترة طويلة من الجانبين ويصلح كأساس لاتفاق اليوم”. وأكد أن “الأسرة الدولية لن تعترف بأي تغيير تقوم به إسرائيل لحدود 1967 ما لم يقبله الطرفان“.
2. “تحقيق فكرة القرار 181 للجمعية العامة للأمم المتحدة (الصادر في 1947) بشأن دولتين وشعبين أحدهما يهودي والآخر عربي ، مع اعتراف متبادل بينهما ، وقد كان هذا هو المبدأ الاساسي لحل الدولتين منذ البداية من خلال إقامة دولة ” للشعب اليهودي” ودولة للشعب الفلسطيني، يمكن لكل منهما تحقيق تطلعاته في دولته .
3. “إيجاد حل عادل ومقبول وواقعي لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، بمساعدة دولية، ويشمل ذلك تعويضاً وخيارات مختلة ومساعدة للعثور على مساكن دائمة للاجئين وإجراءات أخرى ضرورية ليكون حلا كاملا منسجما مع دولتين للشعبين” ولقد أكد كيري أن هذا الحل يجب “ألا يؤثر على الطابع الأساسي لإسرائيل”.
4. “إيجاد حل مقبول من الطرفين بشأن القدس كعاصمة معترف بها دولياً لكلتا الدولتين مع وحماية وتأمين حرية الوصول إلى المواقع الدينية“ ف “القدس هي القضية الأكثر حساسية للطرفين، وأي حل يجب ألا يقتصر على تلبية احتياجات الطرفين فقط بل الديانات التوحيدية الثلاث كذلك”.
5. “تلبية احتياجات إسرائيل في مجال الأمن بشكل مرض وإنهاء الاحتلال بشكل كامل، والعمل في الوقت نفسه على أن تكون إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها بفاعلية، وأن تتمكن فلسطين من ضمان أمن شعبها في دولة تتمتع بالسيادة وغير معسكرة .
6. “إنهاء النزاع وكل المطالب العالقة به ليتاح إقامة علاقات طبيعية وتعزيز الأمن الإقليمي للجميع كما هو وارد في مبادرة السلام التي تقدمت بها الدول العربية“ و وبما يؤدي لدخول الطرفين في عصر جديد من التعايش السلمي والتعاون“ .
وفي شروحات لاحقة ارتبطت بخطة كيري فقد تم التأكيد على:
· أن يقوم الحل بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية على أساس حدود عام 1967 مع إقرار مبدأ تبادل للأراضي وبحسب الخطة تضم “إسرائيل” 6.8 % من أراضي الضفة الغربية لبناء كتل استيطانية إضافية مقابل وضع 5.5 % من من أراضي النقب التي تسيطر عليها “إسرائيل” تحت السيطرة الفلسطينية.
· أن تبقى المستوطنات ” الأحياء “ التي بنيت في القدس بعد حرب عام 1967 تحت السيادة الصهيونية وأن تخضع المواقع الدينية وفقاً للأديان الثلاثة في القدس والبلدة القديمة للوصاية الدولية .
· موافقة الاحتلال على الربط بين قطاع غزة والضفة الغربية من خلال نفق بحيث يكون الدخول والخروج منه وإليه تحت السيطرة فلسطينية ، مع التأكيد على أن تكون “الدولة الفلسطينية” مجردة تماماً من أي قوة عسكرية.
· أما بشأن اللاجئين الفلسطينيين فسيتم معالجة الموضوع وفقاً للخطة التي قدمها الرئيس الأمريكي بيل كلينتون عام 2000 في “كامب ديفيد”، والتي تدعو إلى انشاء صندوق لتمويل توطين اللاجئين الفلسطينيين في كندا وأستراليا وفي أماكن تواجدهم ، واستيعاب جزء صغير منهم في “إسرائيل” على اسس فردية وانسانية وليس على أساس لم شمل العائلات.
· إخلاء كافة المستوطنين في منطقة الأغوار، وأن يعمل على تواجد جنود أمريكيين على طول الحدود مع الأردن، وإنشاء معابر حدودية بين الأردن وفلسطين تحت إدارة عسكرية أمريكية.
· مراعاة المحافظة على النظام الحالي لجباية الضرائب بين “إسرائيل” والسلطة، وفقاً لاتفاقية باريس عند استخدام ميناء حيفا أو ميناء أسدود.
· تجميع 80 في المئة من المستوطنين اليهود داخل الضفة في تجمعات استيطانية ، وليس بإخلائهم كما حصل في غزة، مع تخيير النسبة المتبقية بين الإخلاء أو البقاء ضمن حدود “الدولة الفلسطينية”
ومع الفشل الذريع لمقولة ” حل الدولتين ” ومع انقضاء ربع قرن على المفاوضات الماراثونية العبثية منذ أوسلو ، ومع حالة الوهن والتردي العربي منذ ما سُمي الربيع العربي الذي تسبب في تدمير العديد من الدول العربية بعد أن سبقه تدمير العراق ، ومع تحول ” الدول العربية ” إلى تحالفات تعادي بعضها ، ومع اللهفة الكبيرة من قبل سلطة أوسلو للعودة إلى طاولة المفاوضات وفنادق النجوم الخمسة ، ومع تراجع القضية الفلسطينية على صعيد القضايا القومية العربية ، ومع محاولة أغلبية الدول العربية للخلاص من عبء القضية الفلسطينية ، رغم أن تلك الدول لم تناصر يوماً تلك القضية ، ومع تفاخر بعض العرب بميلهم للسلام والخلاص من قضية فلسطين … ومع … ومع … فإن الكيان الصهيوني بات يتشدد أكثر بقبول أي مبادرة للسلام وبات يضع الكثير من الاشتراطات المسبقة ويصر على قبولها قبل المضي قدماً في حل الدولتين الذي وافق عليه سابقاً ، ولعله من المفيد هنا أن نستذكر تلك الشروط كمدخل للمقارنة بينها وبين صفقة القرن المنشودة من قبل البعض وهذه الشروط هي:
1. الإعتراف بيهودية ” دولة إسرائيل ” كشرط أساسي لاستكمال المفاوضات مع سلطة أوسلو ، ومما يعني تصديق الرواية الصهيونية على أقل تقدير وتهجير بقية الفلسطينيين من أرض فلسطين التاريخية إلى مناطق سلطة أوسلو .
2. لا عودة للاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من فلسطين سنة 1948 ، والعمل على توطينهم في البلدان التي يقطنون فيها ، وبالتالي عدم تحمل إسرائيل أي مسؤولية سياسية أوقانونية عن هذه المسألة وبما يتناقض مع قرارات الشرعية الدولية في هذا الشأن ، وهذا يعني عدم القبول بمبدأ حق العودة وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 علماُ أن قضية اللاجئين هي المحور الرئيسي لقضية الحق الفلسطيني المغاصب، وعدم الإعتراف لهم بحق العودة يعني بالضرورة عدم حل القضية الفلسطينية وبقائها مفتوحة لكل الاحتمالات .
3. ضرورة إبقاء القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل وفقاً لما تؤكد ذلك كافة الأطياف والأحزاب السياسية الإسرائيلية ومما يعني نكران الحق الفلسطيني والعربي والإسلامي في المدينة المقدسة .
4. أن تكون الدولة الفلسطينية الناشئة دولة منزوعة السلاح وعلى أن تسيطر إسرائيل بصورة مطلقة على الحدود والمنافذ مع الأردن من الشرق.
5. مبادلة الأراضي من خلال منح الفلسطينيين أراض في صحراء النقب بمحاذاة قطاع غزة مقابل الحصول على أراض من الضفة الغربية وبمحاذاة القدس وبنفس المساحة أو بأقل منها.
6. التأكيد على شرعية النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس وعدم تفكيك المستعمرات حيث ترفض الأحزاب والقوى الإسرائيلية تفكيك تلك المستعمرات باعتبار أنها تحفظ أمن إسرائيل وعلى أن يراعى إستمرار السيطرة الإسرائيلية عليها في الدولة الفلسطينية الناشئة .
7. إبقاء السيطرة الإسرائيلية على المصادر المائية الفلسطينية .
ومن أجل تلبية المطالب الصهيونية وإغلاق الملف الفلسطيني ووفق ما يرغب به بعض العرب وسلطة أوسلو تخرج علينا الإدارة الأمريكية بابتكارها القديم الحديث بما يسمى ” صفقة القرن ” والتي مازالت في ذهنية الإدارة الأمريكية التي تخفي النص كما تخفي النعامة رأسها في التراب فإن ما يتسرب من تلك الإدارة يبين بأن أهم ما تحويه تلك الصفقة هو ما يلي :
· تجميد توسيع الاستيطان وتقييده فقط بالنمو الطبيعي” للمستعمرات” .
· ضمان أمن “إسرائيل”
· حرية التنقل وحرية التصدير والاستيراد للفلسطينيين.
· أن يبقى الجيش “الإسرائيلي” في الأراضي الفلسطينية والمناطق الحدودية في غور الأردن.
· تسوية مسألة اللاجئين عبر منح مواطنة وحقوق كاملة للفلسطينيين في الدول التي يقيمون فيها اللاجئين اليوم، ومساهمة المجتمع الدولي بتمويل التعويضات للاجئين الفلسطينيين.
· القدس عاصمة ابدية للكيان الصهيوني مع ضمان حرية العبادة للجميع .
· الاعتراف بيهودية الدولة ” يهودية إسرائيل” .
وبمقارنة بسيطة بين الاشتراطات الصهيونية وما تسرب عن هذه الصفقة ، يتضح بأن الإسم الأصح لهذه الصفقة هو ” صفعة القرن أو بالأحرى صفعة الدهر” .. صفعة الدهر لإنها تؤيد الرواية الصهيونية المنافية للمنطق وللتاريخ منذ الأجل وهي أن اليهود هم أصحاب الأرض الشرعيين ولم يكونوا قد جاؤوا إليها أثناء وجود الكنعانيين العرب فيها ، ولم يكونوا قد استوطنوا فلسطين بعد اغتصابهم لها قديماً وهو ما تكرر في القرن العشرين، وفي ذلك كذب وتدجيل ونفي للتاريخ وللحق العربي الكنعاني الفلسطيني في أرض فلسطين وهذا فن لا يتقنه إلا الصهاينة ومن خلفهم هذا علاوة على أن الاعتراف بيهودية الدولة يترتب عليه تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين الموجودين داخل فلسطين كما أسلفت.
فصفعة القرن إذن ما هي إلا خطة صهيوأمريكية بنيت على أطلال حل الدولتين وتفاهمات أولمرت – عباس وهي الصفقة التي لو تمت ستكون عاراً على التاريخ الإنساني العالمي ، فما لم تستطع الصهيونية تحقيقه بالحرب أو بالمفاوضات حتى الآن سيحققه لها ترامب والإدارة الأمريكية ومن يسير تحت ظلها.
ومن المتوقع أن تنطلق “صفقة القرن” في مرحلتها الأولى برعاية أميركية تعيد الثقة إلى المفاوضات الصهيوفلسطينية تحت شعار الالتزام الكامل بمبدأ حل الدولتين ، والإقرار لـ”إسرائيل” بحدودها كخطوة أولى مع مراعاة مبدأ تبادل الأراضي التي تتراوح نسبتها 6.8 % من الأراضي الواقعة في الضفة الغربية مقابل 5.5 % من أراضي النقب وعلى أن يصاحب ذلك التزام إسرائيلي بتجميد الاستيطان خارج “الكتل الاستيطانية” الحالية ، وعلى وأن تستمر السلطة في منع العنف والتحريض ” المقاومة ” وبحيث يستمر التنسيق الأمني بإشراف أمريكي مع السماح للجيش الإسرائيلي بالعمل في الضفة الغربية وذلك مع تعهد سلطة اوسلو بنزع سلاح المقاومة وتدمير الأنفاق آخذين بعين الاعتبار دعم ما يسمى بالمصالحة الفلسطينية وعلى أن تعلن دول الإقليم دعمها لهذه الصفقة في هذه (المرحلة الأولى) .
وتشير المعلومات بأن تبادل الأراضي سوف لن يقتصر على التبادل بين السلطة والكيان الصهيوني بل ستدخل مصر إلى ذلك الإطار بأن يتم تبادل أراض من سيناء بأرض من النقب لتهسيل ربط المشرق العربي بمصر برياً عن طريق الأنفاق.
ورغم كل ما قيل وما يقال … فإنني أعتقد جازماً أن المخفي أعظم من كل ما تسرب من معلومات ولولا ذلك لتم إعلان بنود الصفعة كاملة ودون مواربة ،، ومن هنا فإن دوائر الإستخبارات الصهيوأمريكية تعي تماماً صعوبة استجابة الشعب الفلسطيني والعربي لمثل هذه الصفقة فالشعب الفلسطيني قاوم ورفض سابقاً كل سيناريوهات التوطين ، وحتماً فإنه سيقف ضد هذه الصفقة وبقوة من منطلق أساسي ووحيد وهو حلمه بالعودة إلى فلسطين كل فلسطين، وبكل الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح الذي يبدو بعيداً في زمن الترهل والتردي العربي ، ولكن بارقة الأمل بالتحرير تأتي رسائلها قوية كنتيجة حتمية لانتصار محور المقاومة في سوريا ولبنان والعراق وقريباً في اليمن.
التعليقات مغلقة.