أرواح العروبة عارية / د.عصمت حوسو
في قصيدته ” طعنوا العروبة” قال نزار قباني: ” لا تسأليني عن التاريخ، فهو إشاعة عربية وقصاصة صحفية ورواية عبثية، لا تسألي، إن السؤال مذلّة وكذا الجواب مذلّة، نحن انقرضنا مثل أسماك بلا رأس، وما انقرض اليهود “..
المشهد العربي الحالي غير المُفرح والغارق في القاع والمُغالي في ( النكوص ) يُشعرنا جميعاً بلا استثناء بالكثير من خيبة الأمل وفقدان الدافع وانعدام الهمم، في هذه المرحلة الحرجة (جداً) التي لا يجرؤ فيها (حرف الضاد) النطق بمفردة الوحدة أو حتى الانتصار لا في الواقع ولا حتى في الأحلام..
نحن العرب نندرج جميعاً اليوم تحت خيمة الوحدة!! نعم الوحدة ما تستغربوا، ولكنها وحدة تقبع تحت خيمة ( الخيبة العامة) للعرب، كلّ العرب.
مردّ تلك الخيبة دون شكّ هو دخول هذه الأمة العربية في أتون مراحل عصيبة عنوانها الساطع سطوع الشمس؛ الشرذمة والفرقة والطائفية والعنصرية والتطرف والإرهاب والانحطاط والتخلف العلمي والحضاري، فانحنت للعواصف العاتية وانكمشت على ذاتها وانقسمت ثم انعزلت عن التاريخ، أو ربما اندحرت؛ فبعثرت وجودها وقتلت حضارتها ولوثت تاريخها (بيدها)..
وعلى الرغم أن العقل العربي يمتلك رسالة حضارية وأخلاقية إلاّ أن السمة الرئيسية التي تسيطر على مخرجات هذا العقل هي ( الثأر والانتقام )، ولم يستغلّ العرب ذلك كميّزة تُحسب له للمحافظة على هذا الثأر في العقل العربي أن يكون ثأراً أخلاقياً تنتقم فيه الأمّة لنفسها دون إيذاء الآخر وبعيداً عن الضرب تحت الحزام؛ فمن المفروض أن الثأر ذي أصول عريقة متأصّلة تنهض الأمّة بنفسها من خلاله، وتسمو وترتفع ليس على ظهور الآخرين، ولا بمعطيات العنف والدماء والاستقواء والتقسيم كما يحدث الآن في الساحة العربية.
لكن ما حصل ويحصل هو العكس للأسف الشديد، وبدلاً من الثأر لأمتنا كان الثأر من بعضنا أفراداً ودولاً على حدّ سواء.
اليوم هذه الأمة بحاجة الى فترة ليست بالقصيرة من العمل الداخلي الجماعي والمؤسسي لرفع مستوى حياة الإنسان العربي المُرهق جسدياً والمُستنفذ مالياً والمشتت ذهنياً والمتشرذم وطنياً والمُهان عربياً، وتحفيز إبداعاته وتأطيرها بدوافع الإنتاج والعمل والتنمية، بهدف استشعار احترامه لذاته، وتعزيز مواطنته، وانتمائه للأرض، وموالاته لحكامه، والأهم مشاركته في صنع قرار الوطن.
هذا فقط ما يجعله يقوم ببناء العلوم لا العلوج، وهذا فقط ما يقود الى تأسيس موثوق للحرية والديمقراطية (الحقيقية) التي تُطلِق العنان للتنوّع والاختلاف والتميّز ولا تلغيه.
ذلك فقط ما سيعيد لنا ( كرامتنا ) كعرب واحترامنا لأنفسنا، ويقودنا للنظر للمستقبل بإيجابية بدلاً من جلد الذات وتحقيرها السائدين اليوم في أعيننا العربية المتشائمة، أعيننا التي تترقّب مستقبل العروبة القريب والبعيد بسواد شديد.
لسنا جميعاً على استعداد الآن البتّة “كأمة عربية” لمواجهات خاسرة أو حروب طاحنة أو سقطات جديدة تُضاف الى تاريخنا المعاصر المُرهق والمُؤسف والمُحزن والعاري في ذات الوقت، ولسنا مستعدين كذلك لدخول ( امتحانات مصيرية ) دون إعداد دراسي واثق جداً وجداً ثم جداً للمرة الألف.
أرواح العروبة العارية الفارغة الباردة بإمكانها إعادة الدفء والملء، والستر كذلك، بالتعاضد والتماسك والوحدة والجهد المضني، صحيح أن الأمّة العربية ذات رسالة خالدة ولكن بالعمل الجادّ لا بالشعار.
أختم بكلمات نزار قباني كما ابتدأت ” اليوم تختجل العروبة من عروبتنا، وتختجل الرجولة من رجولتنا، لا تسأليني فالسؤال إهانة، نيران اسرائيل تحرق أهلنا وبلادنا وتراثنا الباقي، ونحن جليدُ.
وفي ذات القصيدة قال نزار أيضاً : “طعنوا العروبة في الظلام بخنجر فإذا هم بين اليهودِ يهودُ”، ولكن،، لو شهد قبّاني حال العرب اليوم على وجه الخصوص اعتقد أنه سيستبدل كلماته كالآتي : ” طعن العرب بعضهم بعضاً في وضح النهار فإذا هم بين اليهودِ شياطينُ “، هذه الكلمات توكيداً لفكرته لا تجاوزاً له أو تطاولاً عليه …
في ظل المشهد العربي الراهن، وما آل إليه حال العرب في هذه الأيام الحرجة جداً، حتماً لهذا الحديث من بقية… دمتم…
التعليقات مغلقة.