“المملكة السعودية الرابعة” .. التحول الاقتصادي – الاجتماعي المفروض في سياق الإستراتجية العالمية

جورج حدادين ( المبادرة الوطنية الأردنية ) السبت 18/11/2017 م …  

تدخل السعودية، على يد الملك سلمان وولي عهده – أبنه الأمير محمد – عهد المملكة الرابعة بالقليل القليل من المقاومة، عكس التوقعات والمبررات المعلنة، فمؤشر غياب مقاومة جدية لهذا التوجه، بات واضحاً إثر إعفاء ولي العهد السابق، رجل أمريكا القوى ” الأمير محمد بن نايف” من منصبه بدون مقاومة أو احتجاج يعتد به، واستقبال إعلان رؤية محمد بن سلمان “2030” بترحاب، من قبل غالبية المجتمع السعودي الذي يرى الظاهر ولا يعرف الباطن، لا بل وحيث أن 70% من المجتمع السعودي تحت سن 30 عاماً، شريحة وصلت حد القرف من النظام الاجتماعي الظلامي السائد وجدت، بحق أو بدون حق، في هذه الخطة خلاصاً لها، ولو ظاهرياً، في ظل غياب قوى اجتماعية تحمل مشروع التغيير الوطني الحقيقي، وغياب مشروع معبر بصدق عن طموحاتها.




·      إذا كان، فعلياً وعملياً، انتقال السلطة إلى الأمير محمد سيتم بهدوء وبلا مقاومة كما دلت وتدل كافة المؤشرات،
فلأجل ماذا، ولمصلح من؟ يتم توتير الأجواء في السعودية عبر حملة الاعتقالات، جرت وتجري في البلاد لشخصيات داعمة للتوجهات الجديدة، ومقولة مؤامرة الانقلاب المزعومة لا يدعمها ولم تؤكدها أي من الأجهزة الأمنية في العالم.

·      لأجل ماذا، ولمصلحة من؟ هذا الإصرار، غير المبرر وغير المفهوم، في استمرار الحرب العدوانية على الشقيقة اليمن، خاصة وأن الطيران السعودي قد دمر كل ما يمكن تدميره من: بنى تحتية ومواقع عسكرية ومستشفيات ومدارس وحتى بيوت العزاء، وبالرغم من ذلك، لم يحقق أي من أهدافه المعلنة بعد ثلاث سنوات.

·      لأجل ماذا، ولمصلحة من؟ يتم توتير الأجواء في لبنان، ويتم احتجاز الحريري، رجل السعودية المخلص لمصالح السعودية أكثر من إخلاصه لمصالح بلده الوطنية، لبنان.

·      لأجل ماذا ، ولمصلحة من؟ يتم توتير الأجواء في مجلس التعاون الخليجي، أزمة قطر، علماً بأن قطر والسعودية كليهما، نفذا بإخلاص وأمانة وطاعة عمياء إملاءات الإدارة الأمريكية في إنفاذ مخططها، حيث الحرب على سوريا واليمن وليبيا…الخ ودعم الإرهاب تمويلاً وتسليحاً ولوجستياً، كما اعترف بذلك رئيس وزراء قطر السابق الشيخ حمد بن جاسم، على فضائيات عدة.

·      لأجل ماذا، ولمصلحة من؟ يتم توتير الأجواء مع الجارة الأبدية إيران، بحكم الموقع الجغرافي، علماً بأن كل عاقل يرى من المصلحة الوطنية والعربية التعاون الإجابي معها.

عودٌ على بدء:

المملكة الرابعة: تعبر عن تحول تاريخي اقتصادي – اجتماعي للبنية الاجتماعية الاقتصادية السعودية، حيث يتم الانتقال لبناء “مملكة الطغمة المالية” على حساب “الدولة الدينية القبلية” الآخذة بالتفكك، وحيث يتم إنهاء دور “التحالف الطبقي” الحاكم، الذي تمثل بتحالف ” ديني عشائري ” ممثلاً بآل الشيخ الوهابية وآل عبد العزيز القبلية”  لصالح دور ” تحالف طبقي جديد” بقيادة الطغمة المالية المحلية والعالمية.

يتمثل هذا التحول بالانتقال من “دولة النفط الريعية” كما يعلن ذلك الأمير محمد ولي العهد، إلى “دولة تنوع مصادر الدخل”.

كيف يتم هذا الانتقال؟

خصخصة شركة أرامكو النفطية ” من أكبر شركات العالم، وطرح 5% من ملكيتها أسهم في السوق المالي الأمريكي، وخصخصة شركة سابك وقطاع الصحة والتعليم والخدمات وبيع أراضي وعقارات…الخ، أي تحويل الممتلكات دائمة العطاء المستقر، والمردود المستمر، إلى أموال ، تقدر بترليونات الدولارات، تذهب إلى صندوق الاستثمار pif الذي يذهب بدوره إلى الاستثمار في الأسواق المالية العالمية، حيث تدخل في مجال المضاربات الخطيرة جداً جدا، في أزمة ما سمي الرهن العقاري عام 2008، خسرت الولايات المتحدة الأمريكية ما نسبته 20% من رأس مالها العامل في أسواق المضاربات، بينما خسرت أوروبا حوالي 40% من الرأس المال العامل في أسواق المضاربات، في حين خسرت رؤوس الأموال العربية العاملة في سوق المضاربات 70% ، وتفاوت نسب الخسائر هذه، برهان لا لبس به عن تعامل قوى المضاربة بدون رقابة من قبل أصحاب الصناديق السيادية في الدول العربية وخاصة الخليجية منها، فهل يعقل أن تقوم القيادة السعودية في وضع مصير الدولة والمجتمع في أيدي هذه الطغمة المالية.

الأمير محمد: إن الهدف هو تنويع الدخل المالي، هذا هو الهدف الرئيس من طرح “أرامكو”، وبالتالي فإن طرح “أرامكو” سوف يؤدي إلى تحويل أسهمها إلى صندوق الاستثمارات العامة، وهو ما يجعل تقنياً الإيرادات منوعة بالنسبة للحكومة السعودية ويقلل من اعتمادها على النفط.
” 
ومع ذلك، فإن أغلب الاستثمارات في النفط، وما بقي أمامنا الآن هو تنويع الاستثمارات، وخلال عشرين سنة من الآن سوف نصبح دولة ذات اقتصاد لا يعتمد بشكل رئيسي على النفط، وهذا سيتم من خلال عوائد صندوق الاستثمارات (PIF) وكذلك من مصادر أخرى للدخل نستهدفها.
 
إذن، هذا واحد من فوائد إدراج شركة “أرامكو”، إضافة إلى الفائدة التي سيجنيها السوق ذاته، والمنفعة التي سيحققها الاقتصاد السعودي بشكل عام، فضلا عن استمرارية شركة “أرامكو” ونموها”.

سؤال: ألا يمكن الوصول إلى هذا الهدف – تنويع مصادر الدخل –  عبر مقاربة أخرى حقيقية ومجدية أكثر من هذه المغامرة :

صياغة خطة تنمية وطنية سعودية متمحورة حول الذات ، وتنمية قوى الإنتاج الوطني، خاصة وأن شرط التراكم الرأسمالي متاح وبكميات كبيرة، نتيجة عوائد النفط التي يجب الحفاظ عليها، وليس التفريط بها.

وثانيا كون القطاعات المنتجة والتي يمكن تنميتها بوتائر سريعة، متاحة للقيادة السعودية، إن رغبت، بتنمية القطاعات المنتجة: الصناعة والزراعة والسياحة والخدمات، وهو ما حققته دول لم تكن تملك هذه المقدرات،  حيث توضعات معدنية هائلة: الذهب والنحاس والحديد والصخور الصناعية المتنوعة، وحيث كميات الغاز المكتشفة في الربع الخالي، غير محدودة الكميات، والتي ستغير معادلة الغاز في السوق العالمي، وحيث المساحات الواسعة من الأراضي، شبه قارة، ومنها مساحات واسعة صالحة للزراعة ، مزارع تبوك للقمح، التي أمنت الأمن الذاتي من القمح للسعودية لفترة قبل أن يتم وئدها – التجربة الناجحة – بقرار أمريكي.

التحول الاجتماعي:

رفع قبضة هيئة” الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” عن الحياة الخاصة للسعوديين والمقيمين.

السماح للنساء بقيادة السيارات.

السماح للنساء بالاختلاط في الملاعب وأماكن العمل، قادم.

إعلان الحرب على الفساد، بغض النظر عن الهدف، سيترتب عليه تداعيات اجتماعية هامة، قيمة اجتماعية جديدة، حيث كان الفساد ظاهرة عامة مقبولة ومسكوت عنها، حيث ساد مفهوم اجتماعي تبريري وتواطؤ مجتمعي مع هذه الظاهرة: من منكم بلا فساد أيها الأمراء ورجال الإعمال والبيرقراط؟

مفتي السعودية : “نريد تغيير الثقافة”، مشيراً إلى أن الهدف الأكبر من البرنامج هو “نشر السعادة”. وبالمثل، تحتاج الحكومة إلى تعزيز الكفاءة الاقتصادية من خلال السماح للرجال والنساء بالاختلاط في مكان العمل.

الحصيلة:

ليست للسعودية مصلحة وطنية من، لا بل ضد مصلحتها الوطنية، خصخصة أرامكو وكافة الشركات والقطاعات الأخرى.

ليس للملك ولا ولي عهده مصلحة شخصية في توتير الأجواء داخل السعودية، جراء اعتقالات ليس هي ضرورية، ولا تحقق مسألة الانتقال السلس للسلطة ليد ولي العهد، لأنه بالأساس لا توجد مقاومة لهذه العملية.

ليس للملك ولا ولي عهده مصلحة توتير الأجواء داخل مجلس التعاون وفي لبنان ومع إيران.

لمصلحة من إذن تتم هذه الإجراءات ؟

بما أنها ليست لمصلحة القيادة الجديدة في السعودية، فهي بالتأكيد لصالح الشركات متعديات الجنسيات، ولصالح المركز الرأسمالي العالمي وقوى التبعية المرتبطة به.

التحول الاجتماعي في السعودية لا يتم إلا من خلال بناء اقتصاد وطني منتج، وتنمية قوى الإنتاج الوطني، وعناصر التنمية الحقيقية مكتملة، ولا ينقصها إلا تحرير الإرادة السياسية، وكسر التبعية للمركز الرأسمالي العالمي، والسعي المخلص لبناء تكامل اقتصادي عربي على طريق بناء دولة الأمة.

” كلكم للوطن والوطن لكم”

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.