الشاعر مصطفى وهبي التل(عرار) ووعد بلفور / د. محمد عبدالله القواسمة

 

د. محمد عبدالله القواسمة ( السبت ) 18/11/2017 م …




الأديب الحقيقي سواء أكان شاعرًا، أم روائيًّا، أم قاصًّا، أم كاتبًا مسرحيًّا يُعبر دائمًا عن آمال أمته ووطنه، ويقف في وجه الظلم والعدوان، ويرفض الذل والهوان لوطنه وأوطان الآخرين. هكذا وقف الشعراء العرب مدافعين عن الحق العربي في فلسطين، منذ بداية مصيبتها عقب انهيار الدولة العثمانية، ووقوعها تحت الانتداب البريطاني. عندما استطاعت الحركة الصهيونية أن تستغل حاجة بريطانيا إلى دعم الجالية اليهودية في الحرب العالمية الأولى، فتجعل وزير خارجيتها آرثر جيمس بلفور يصدر في 2 تشرين الثاني 1917تصريحًا يوجهه لزعيم لتلك الجالية البارون والتر روتشيلد، وفيه تتعهد بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
من أبرز الشعراء العرب الذين تنبهوا إلى الخطر الصهيوني، وأدركوا نوايا بريطانيا العدائية نحو العرب كان الشاعر مصطفى وهبي التل الملقب بعرار (1898- 1949م) إذ تصدى بممارساته العملية وبشعره إلى ما يحاك للعرب في فلسطين من مؤامرات، وبخاصة مؤامرة وعد بلفور الذي مع صدوره بدأت الحرب الاستعمارية والصهيونية في فلسطين، لتستمر حتى الآن.
لقد أدرك عرار ما يحيط بفلسطين من خطر التهويد، وطرد الفلسطينيين من ديارهم، وإقامة الدولة اليهودية الصهيونية على أرضهم. فكان في مقدمة الجماهير التي انطلقت متظاهرة في ذكرى وعد بلفور عام 1929، ترفض ممارسات بريطانيا، وتحيزها لليهود في فلسطين. إذ انبرى عرار يخاطب الجماهير معلنًا رفضه لما تنفذه بريطانيا على الأرض الفلسطينية:” هتفتم بسقوط وعد بلفور فأزد إلى هتافكم هذه المناداة بسقوط الاستعمار والمستعمرين”.
وفي عام 1930 عندما عقد المؤتمر الوطني الأردني الثالث طالب عرار المؤتمرين بالانتباه إلى ما يجري لفلسطين، ” والاحتجاج على ما هو مشهود من السعي المستمر لوضع فلسطين في ظروف إدارية وسياسية واقتصادية تمهد لإنشاء الوطن القومي لليهود، وتضرب بحقوق سكانها عرض الحائط”.
رافق شعر عرار هذه المواقف القومية المشرفة التي ترفض أعمال بريطانيا وحذر من توجهها الاستعماري، ومن خطورة وعد بلفور المشؤوم الذي أصدرته. يقول:
يا رب، إن “بلفور” أنفذ وعـده كم مسلم يبقى وكم نصراني؟!
وكيان مسجد قريتي من ذا الذي يبقـي عليه إذا أزيل كيانـي؟
وكنيسـة العذراء أين مكانهـا سيكون إن بعث اليهود مكاني؟
من اللافت في هذه الأبيات وعي الشاعر بخطورة وعد بلفور بما سيلحقه من أذى بفلسطين وأهلها، وكذلك إدراكه ما ينطوي عليه الوعد من كذب وبهتان حين اعتبر الفلسطينيين من مسلمين ومسيحيين أقلية في وطنهم، كما تظهر الأبيات أن شاعرنا ذو رؤيا صادقة لما سيحدث لهذا الوطن الجميل على يد الكيان الصهيوني الغاصب من سلب وتخريب، وطمس لمعالمه ومقدساته، فهو كيان لا يقيم وزنًا للقوانين الدولية والحقوق المدنية والدينية للآخرين. وهذا ما يتحقق على الأرض، إنها نبوءة شاعر بما يحدث.
ولا يخلو تراث الشاعر في ديوانه “عشيات وادي اليابس” من الإشارة إلى وعد بلفور وصاحبه؛ حتى إنه تمنى أن يعيش في بلد بمنأى عن ويلاته، بلد لا يرى فيها بلفور وأمثاله.
فهناك لا بلفور يزعج وعده أحداً وليس هناك من يتبلفر
هكذا نرى مصطفي وهبي التل ليس كما يشاع عنه بأنه لم يعبأ بما جرى لفلسطين بل كان بخلاف ذلك على تماس وعي بهذه القضية. وحمل شعره همها، ورفض ما تعرضت له من ظلم مع صدور وعد بلفور الذي كان وليد التقاء مصالح بريطانيا والصهيونية، ونجم عنه قيام ما يسمى دولة إسرائيل، على أطلال وطن، وتشريد شعب.
[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.