الأرض … تتكلم بالعربية / ابراهيم ابو عتيلة
ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الإثنين 30/3/2015 م …
سمعنا وتغنينا ، وحفظنا وتمنينا ، ورددنا مع سيد مكاوي ” الأرض بتتكلم عربي ” .. وكم كنا نعتز ونشعر بالنشوة والفخر بذلك حين سماعنا تلك الأغنية التي كانت تمس جوهر مشاعرنا وأحاسيسنا العربية في وقت كانت فيه القومية أساس تقاربنا ووحدتنا .. فهل بقي من ذلك الشعار شيء ، وهل استمرت الأرض بالتكلم بالعربية أم أن الأحداث الكثيرة التي حصلت قد غيرت هذا الواقع وذلك الشكل وتلك الصورة ، فحالة العرب هذه الأيام لا تسر صديقاً بل وتُفرح كل عدو فحالة الأرض العربية في أسوء وضع إذ تنهشها إمبراطوريات الإقليم الذي نعيش فيه ، فتلك الإمبراطوريات تتمدد ونحن على النقيض نتقلص ،هم يرتفعون ونحن نهوي ، يتوحدون ونحن نتجزء وفوق كل ذلك يطمعون فينا ونحن لا نتحرك .
إمبراطوريات المنطقة الثلاث التي تمددت وكبرت وعظمت ، ونحن في عالم عربي غير مستقر تقلصنا بل ونكاد نختفي من المنطقة والعالم فإن لم يكن ذلك جغرافياً فحضوراً ودوراً ، نتلهى في عوامل فرقة اخترعوها لنا وبثوها فينا وتقبلناها برضى أو بغير ذلك ، طائفية بغيضة هيمنت على مشاعرنا ، حركات إسلام سياسي وتلقين لتفسير ظلامي للدين ينخر في عقول البعض منا ، ذاتية مغرقة تخترق كل نبض فينا نتج وينتج عنها اقتتالاً بين أفراد الشعب الواحد، كما نتابع ذلك بمرارة في كل من العراق وليبيا وسوريا والصومال والآن اليمن وربما غداً في فلسطين المحتلة برعاية السلطة وحماس ….
الإمبراطورية الصهيوأمريكية تنهب وتسيطر وتغتصب وتقتل وتشرد دونما رادع أو ضمير، فبعد اختلاق الكيان الصهيوني في فلسطين عام 1948 وتوسعته عام 1967 وسعيها الحثيث لإعادة بناء هيكل مزعوم مكان أقصانا الشريف في دولة يهودية يتخيلها غلاة العنصرية وأعداء كل الشعوب الحرة على وجه الارض ، ها هي إمبراطورية الشر التي تملك القوة والمال والإعلام والنفوذ تحيك المؤامرات في أقطار العرب كافة وتعمل على تجميل تلك المؤامرات بألفاظ محببة لقلوبنا ، فلقد اقنعوا البعض منا بأن ما يجري في وطننا العربي في السنوات الخمس الأخيرة ربيع مزهر ليستهوينا ذلك ولنصدقه ، وإذ بربيعهم قد أضحى دماراً وغلافاً لسيل الدم وعناصر الفرقة والاقتتال ، فعملوا على خلق تنظيمات وجماعات ظلامية تدميرية تخريبية تنهش في فكر شبابنا قبل ان تنهش في اجسامنا ، وتعتمد التكفير وسيلة لتمرير أهدافها وأهداف من اختلقوها وإذ بنا نفرغ كل طاقاتنا لمحاربة تلك المجموعات التي اساءت لنا ليس في المنطقة فقط بل وعلى مستوى العالم أجمع فكانت أداة تدميرية قاسية في كل من العراق وسوريا والصومال وليبيا ولو قدر لها ان تصل إلى كل موقع عربي لما قصرت عن ذلك فهي تتحين الفرصة المناسبة لذلك لاقتناصها .
وأما الإمبراطورية التركية التي تنشد عودة مجد العثمانيين على حسابنا ، وبعد أن استقر لها الأمر في لواء الاسكندرونة التي نهبته ، هاهي تلعب دوراً للوصول إلى مناطق نفوذ جديدة فإن لم يكن احتلالاً فتآمراً أو اقتصاداً ، إذ تنسق في ذلك مع دهاقنة حركات الاسلام السياسي تارة ومع طبقة من التجار والاقتصاديين النفعيين تارة اخرى ، وهدفها غير المعلن اقتناص اكبر قدر من الكعكة العربية ونهبها واستغلالها لمصلحتها .
وأما الإمبراطورية الفارسية / الايرانية فاطماعها في الأرض العربية معلنة بشكل واضح وجلي ، فبعد احتلالها للأحواز العربية ، وكخطوة أولى أكثر تقدماً ، ظهر طمعها البين في العراق إلى العلن وعلى لسان من يحتلون مواقع متقدمة في النظام الايراني ، حين قالوا بان الإمبراطورية الايرانية ” الفارسية ” قد عادت وأن عاصمتها هي العراق وبغداد كما قالوا بأن على العراقيين خلع الدشداشة والكوفية والعقال والتخلي عن العروبة والوحدة مع الفرس ولو كان ذلك على حساب مسح العراق واسمه عن الخارطة فامبراطورية فارس في نظرهم هي من تستحق البقاء ، وايوان كسرى في ضواحي بغداد لا بد وأن يتم تعميره من جديد ، كما وساهمت ايران وبشكل واضح في تغذية الطائفية المنتنة في عالمنا العربي وظهر ذلك جلياً في العراق بالذات ، وهي وان كانت تدعم حركات المقاومة في فلسطين كما تدعم حزب الله في لبنان وتدعم النظام السوري وأنصار الله في اليمن فإن هدفها الأول يتركز على تحقيق وإعادة إمبراطورية فارس للوجود …
أقول ذلك وفي ذهني ما نحتفل به مع الفلسطينيين كل عام ومنذ اربعين عاما حيث نحتفل بيوم الأرض ، وهو اليوم الذي تحرك فيه الفلسطينيون ضد الاحتلال الصهيوني على إثر قيام سلطات الاحتلال باغتصاب آلاف الدونمات من اراضي الفلسطينيين وقرار الحكومة الصهيونية إعلان حظر التجول على القرى العربية في الجليل الفلسطيني المحتل يوم 29 آذار /مارس 1976 الأمر الذي قامت فيه القيادات العربية في فلسطين المحتلة بالدعوة ليوم من الاضرابات العامة والاحتجاجات ضد مصادرة الأراضي يوم 30 آذار / مارس فعم الاضراب العام والمسيرات من الجليل إلى النقب وأندلعت مواجهات أسفرت عن سقوط ستة فلسطينيين وأُصيب واعتقل المئات، وقد كانت تلك المرة الأولى التي يُنظم فيها الفلسطينيون العرب في الكيان الصهيوني منذ عام 1948 احتجاجات رداً على السياسات الصهيونية بصفة جماعية ووطنية فلسطينية .
ومع رمزية يوم الأرض في فلسطين أقول بأن هذه الرمزية تفرض نفسها علينا كعرب كأن نعتبر هذا اليوم ، الثلاثين من آذار / مارس ، يوماً للأرض العربية فرمز رفض الاغتصاب والحرية ننشده جميعا .. آخذين بعين الاعتبار أن للاحتلال أوجه أخرى علاوة على الاحتلال المباشر والإلحاق والتبعية وقد تكون تلك الأوجه اقتصادية أواستغلالية ، مؤكداً وجود احتلال مباشر لمناطق متعددة من وطننا العربي بالاضافة لفلسطين كالاسكندرونة والأحواز وسبته ومليلة والجزر الإماراتية الثلاث، فكلها مناطق عربية وكلها تنتظر التحرير ….
فهل بعد كل ذلك ما زالت ” الأرض بتتكلم عربي ” أم بأي لسان تتكلم ، فهل تتكلم بالتركية أم بالفارسية أم بالعبرية أم بالانجليزية أم بماذا … ربما يختلف الكثيرون حول ذلك وربما نحن نختلف في ذلك أيضاً نتيجةً لحالة الإحباط التي نعيش ، ولكن الأرض في أعماقها وجوهرها ترفض كل ذلك وتقول لن أكون إلا أرضاً عربية ولن أتكلم إلا باللسان العربي فكل ما يجري ما هو إلا زبد وسيأتي الوقت الذي يزول فيه ولن يكون على صدري مكاناً لهيكل مزعوم ولا لايوان كسرى ولا لقصور للعثمانيين الجدد .
التعليقات مغلقة.