سدّ النهضة وخطره على مصر… صراع الماء والدم!

الأردن العربي –



*مصر في خطر وأمنها القومي يتعرّض للاختراق، من أحد أهم بواباته التاريخية … بوابة مياه النيل .. وآن لمن يحكم مصر أن ينتبه وأن يُنبه: أن مياه النيل خط أحمر .. وهو خط يشبه احمراره: لون الدم ….فانتبهوا يا أولي الألباب!

 
سدّ النهضة وخطره على مصر… صراع الماء والدم!

دقّ نواقيس الخطر ، علّ أحداً من صنّاع القرار ومُتّخذيه في مصر ينتبه قبل فوات الأوان؛ وقبل أن يتحوّل الصراع حول الماء إلى صراع حول الدم! فقبل عدّة أيام خلت تحديداً في (12/11/2017) فشل الاجتماع الـ17 لأعضاء اللجنة الفنية الثلاثية لسدّ النهضة الإثيوبي، بحضور وزراء مياه النيل الشرقي، في التوصّل إلى حل للخلافات بين مصر والسودان وإثيوبيا حول التقرير الاستهلالي المُعدّ من قِبَل الاستشاري الفرنسي«بي ار ال» حول العناصر الأساسية في التقرير الذي يُحدِّد منهجية تنفيذ الدراسات الفنية التي تُحدِّد الآثار السلبية لسدّ النهضة على دولتي المصب مصر والسودان.

وفقاً للإعلام المصري اتّهمت مصادر رسمية مصرية معنية  بملف مياه النيل، باتّخاذ الخرطوم لمواقف مؤيِّدة لأديس أبابا من دون الاستناد إلى المعايير الدولية المعنية بقواعد الاتفاقيات الدولية للأنهار الدولية أو محاولة تقريب وجهات النظر لحل الخلافات، فضلاً عن مساندتها الموقف الإثيوبي من دون معايير موضوعية تراعي المصالح المشتركة للدول الثلاث.

قال الدكتور محمّد عبد العاطي وزير الموارد المائية والري، بأن اجتماع اللجنة الفنية الثلاثية المعنية بسدّ النهضة على المستوى الوزاري، الذي استضافته القاهرة يومي 11 و12 تشرين الثاني/نوفمبر 2017  الحالي بمشاركة وزراء الموارد المائية لكل من مصر والسودان وإثيوبيا، قد فشل (ولم يتوصّل فيه إلى اتفاق بشأن اعتماد التقرير الاستهلالي الخاص بالدراسات، والمُقدَّم من الشركة الاستشارية المنوط بها إنهاء الدراستين الخاصتين بآثار سدّ النهضة على دولتي المصب) ماذا تعني هذه المعلومات؟ إنها ببساطة تعني أن إثيوبيا وبتواطؤ واضح مع السودان قرّرتا التسويف والمُماطلة إلى حد إجبار مصر على الخضوع وفرض الشروط المائية عليها والتي تعني تقليص كامل حصتها المائية. الأمر الذي سيؤدّي إلى مجاعة لعدّة ملايين من سكان مصر مع تبوير لملايين أخرى من الأفدنة، ولقد سبق في هذا المكان قبل أكثر من عام أن نبّهنا إلى المخاطر الكبرى التي تنتظر مصر من جرّاء بناء هذا السدّ ومن جرّاء الصمت عليه حتى يكتمل فضلاً عن الصمت غير النبيل من قبل مسؤولينا المصريين على الأدوار العربية المتؤاطئة مع إثيوبيا في إكمال هذه الجريمة، وأخصّ بالذكر والاتهام الموثّق والمباشر كلاً من قطر والسعودية وطبعاً إسرائيل  … للأسف لا أحد في مصر تحرّك وأخشى إن استمرأ مسؤولونا الصمت وإن فوجئوا بالكارثة القادمة قبل أن يتحرّكوا بشكل جدّي، والجدية هنا تعني بالنسبة لنا العمل السياسي بل والعسكري إن تطلّب الأمر فهذا أمننا القومي يتعرّض للطعن في أحد أهم مكوّناته؛ (الأمن المائي ) …وإلى أن يتم ذلك دعونا ننبّه مجدّداً للمخاطر التي يحملها بناء هذا السدّ بتلك الطريقة معه إلى مصرنا الحزينة.

أولاً:  إن مصر تتضرّر من أن حصّتها من المياه والمُقدّرة ب(55.5 مليار متر مكعب) سوف تنخفض مباشرة بمجرّد البدء في ملء خزانات المياه لهذا السدّ، وقد بدأت بالفعل في تموز/يوليو 2017 لتصل إلى ما قيمته 18 مليار متر مكعب، الأمر الذي يُهدّد قرابة 5 ملايين فدان مصري بالبوار، مع انخفاض في توليد الطاقة والكهرباء من السدّ العالي بما قيمته (4500 جيجاوات) أي بما يعادل 37% مع حدوث عجز كلّي في توليد الكهرباء ليصل إلى 41 عاماً مع آثار أخرى أشدّ خطراً.

ثانياً: من الآثار الخطيرة أيضاً والتي تعلمها جيّداً السعودية وقطر وإسرائيل،(الثلاثي المُسانِد لإثيوبيا في جريمتها التاريخية) وتم إبلاغهم رسمياً من قِبَل وزارتي الخارجية والري المصريتين منذ سنوات، بهذه الآثار السلبية لهذا السدّ والذي بدأ امتلاؤه وتخزينه بالمياه – فعلياً- في تموز/يوليو 2017، سوف يكون بمثابة كارثة على مصر، ومع ذلك هم ذهبوا ليدعموه، إن محاولة استجلاء الجوانب الكارثية لهذا السدّ نقرأها واقع دراسة متميّزة للدكتور جمال صيام نُشِرت في 10/1/2016 وحملت عنوان (الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المُحتمَلة لسدّ النهضة الإثيوبي وانعكاساتها على مستقبل الزراعة المصرية)، من بين ما جاء فيها إن سيناريوهات عدّة ومن بينها ما تُصرّ عليه إثيوبيا غالباً من أنها ترغب في تخزين المياه خلف سدّ النهضة في أقل من 3 سنوات وليس 6 سنوات كما طالبت الدول المحايدة، وأن قِصْر هذه المدة يعني الجفاف لمصر، وأنه سيناريو سيّئ جداً وهنا يقول صيام: (إذا ما قرّرت إثيوبيا أن تملأ بحيرة السدّ في ثلاث سنوات فقط فسترتفع الكمية المحجوزة سنوياً خلف سدّ النهضة إلى 24.7 مليار م م نصيب مصر منها 18.5 مليار م م سنوياً ترتفع إلى 25.5 مليار م م سنوياً في حال الفيضان الضعيف.

الأمر الذي يعني تبوير 4.6 ملايين فدان أي أكثر من 51.5% من الرقعة الزراعية الحالية. أما بالنسبة إلى التوزيع الجغرافي للمساحة الزراعية المفقودة فيتوقّف على أيّ المناطق أكثر تضرّراً من غيرها نتيجة لنقص المياه سواء في الأراضي القديمة أو الجديدة. ومن المتوقّع أنه سيكون لوزارة الموارد المائية المصرية دور في إعادة توزيع الكميات الواردة على مختلف المناطق آخذة في الاعتبار العجز الإضافي في الموارد. ومن حيث المبدأ قد يحدث الفقد بصورة رئيسية في أراضي محافظات شمال الدلتا. وسوف تتضرّر الأراضي القديمة بشكل أكبر من الأراضي الجديدة، نظراً لأن الأولى تستخدم طريقة الري بالغمر والثانية تستخدم طُرق الري الحديثة. وجدير بالملاحظة أن الضرر الناشىء عن نقص المياه في منطقة معينة إما يأخذ صورة تبوير كامل للأرض الزراعية وهذا يمكن أن يحدث في حال الانقطاع الكامل للمياه، أو يأخذ صورة تبوير جزئي للأرض الزراعية كأن تُزرَع شتاء ولا تُزرَع صيفاً. وهناك صورة ثالثة أن تتم زراعة الأرض زراعة كاملة ولكن المحاصيل لا تحصل على كامل احتياجاتها المائية ما يؤثّر سلباً على الإنتاجية الفدانية. وفي جميع هذه الصوَر يصبح تجريف الأراضي الزراعية والتغوّل العمراني عليها أمراً (واقعاً). ومن الصعب حينئذ استعادة خصوبة الأراضي إلى ما كانت عليه.

أما بالنسبة إلى الإنتاجية الزراعية وتأثيرات سدّ النهضة عليها فيتوقّع أن تنخفض لأكثر من سبب، الأول نتيجة لقصور المياه عن استيفاء الاحتياجات المائية للمحاصيل، والثاني هو تدهور نوعية المياه بسبب زيادة درجة الملوحة، وزيادة معدّل تدوير المياه. في المُجمل إذا كان الناتج المحلي الإجمالي حالياً يبلغ 250 مليار جنيه مصري، فإن قيمة الفقد في الإنتاج الزراعي تتراوح ما بين 42 و 80 مليار جنيه في السيناريوهين الأفضل والأسوأ على الترتيب. أما في ظلّ السيناريو الأكثر سوءاً على الإطلاق فينخفض الناتج الزراعي إلى النصف. ويتوقّع أن تتفاقم الفجوة الغذائية وتتجّه إلى الاتّساع بشكل جوهري نظراً لأن محاصيل الحبوب وهي عَصَب الأمن الغذائي سوف تتأثّر سلباً بدرجة أكبر بالمقارنة للزروع البستانية، وتتركّز محاصيل الحبوب في منطقة الدلتا التي ستضرَّر أكثر من غيرها من المناطق الزراعية.

أما عن الآثار الاجتماعية فإن السدّ سوف يُنشئ ظروفاً غاية في الصعوبة لقطاعات عريضة من السكّان الريفيين خاصة في المناطق المُتضرِّرة بنقص الموارد المائية. وبصفة عامة يمكن تقدير عدد السكّان الزراعيين المضارين بشكل تقريبي. وذلك على أساس أن العدد الكلّي للسكّان الزراعيين 40 مليون نسمة يتعيّشون على المساحة الزراعية الإجمالية البالغة 9 ملايين فدان، فتكون حمولة الفدان من السكّان 4.4 أفراد، أي أن كل مليون فدان يعول 4.4 ملايين نسمة. وفي حال السيناريو الأول (أي طول فترة تخزين المياه خلف سدّ النهضة لأكثر من 6 سنوات والتي سيتم فيها فقد 1.6 مليون فدان) يفقد 7 ملايين نسمة مصدر دخلهم الرئيسي، أما في حال السيناريو الثاني (أقل من 6 سنوات تخزين مياه) فيزيد عدد السكّان الزراعيين الذين يفقدون مصدر دخلهم إلى 12.8 مليون نسمة. وفي السيناريو الثالث (3 سنوات) وهو السيناريو الإثيوبي الذي تدعمه السعودية وإسرائيل مالياً وبوضوح كامل؛ فسوف يقود إلى زيادة عدد السكّان المُتضرّرين الفاقدين لدخولهم 20.2 مليون نسمة أي نصف عدد السكّان الزراعيين. وسينشأ عن هذه السيناريوهات – كما تذهب دراسة صيام الخبير المائي والزراعي المعروف – مشاكل خطيرة تتعلّق بالهجرة الريفية المُتزايدة إلى المدن وارتفاع معدّلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة قد تكون سبباً في خلق قلاقل اجتماعية على نطاق واسع.

ثالثاً: إزاء هذه المخاطر  لاينبغي للإدارة الحاكِمة في مصر أن تترك هذا الملف في أيدي وزير الري أو بعض الخبراء محدودي الخبرة والرؤية السياسية، كما هو حاصل الآن، إن القضية تجاوزت تلك الحلول التقنية والبحثية وأضحت تتصل بمصير البشر والزراعة والأمن القومي وهو الأمر الذي يحتاج إلى مقاربات مختلفة وإلى إرادة مختلفة، وبضرورة إظهار القوّة (الخشنة) المصرية في مواجهة مَن لم يعد يحترم قواها التفاوضية (الناعمة ) بل وبات يسخر منها ويبتّزها في رخص وتنطع، كما جرى تحديداً في الاجتماع الأخير  مع السودان وإثيوبيا، والذي فشل نتيجة هذا التقاعس وذلك الضعف في إدارة الأزمة. خلاصة القول إن مصر في خطر وأمنها القومي يتعرّض للاختراق، من أحد أهم بواباته التاريخية … بوابة مياه النيل .. وآن لمن يحكم مصر أن ينتبه وأن يُنبه: أن مياه النيل خط أحمر .. وهو خط يشبه احمراره: لون الدم ….فانتبهوا يا أولي الألباب!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.