نهاية الثوار، روبرت موغابي مثالاً / د. رياض عبدالكريم عواد




د. رياض عبدالكريم عواد ( الجمعة ) 24/11/2017 م …

روبرت موغابي، رئيس زيمبابوي (1987 – 2017)، قبل أن يُقال في 21 نوفمبر 2017 بعد انقلاب عسكري عليه أنهى حكمه الذي استمر طيلة ثلاثين عامًا.

انضم روبرت موغابي الى حركة اتحاد شعب زيمبابوي الأفريقي (زابو) “ZAPU”، التي اسسها جوشوا نكومو عام 1961، ورفعت شعار المساواة في الحقوق الانتخابية بين السود والمستوطنين البيض في روديسيا (سابقا) قبل ان ينهار نظامها العنصري، الذي قاده ايان سميث في العام 1965 مستقلا عن الدولة المستعمِرة (بريطانيا). انشقت حركة ZAPU وتمخض عنها ولادة حركة زانو “ZANU” بقيادة روبرت موغابي. في 1964 اعتقلت السلطات البريطانية الزعماء الأفارقة في روديسيا بمن فيهم روبرت موغابي وجوشوا نكومو وظلوا في السجن مدة طويلة اقتربت من السنوات العشر. عام 1974 إطلق سراح موغابي الذي ترك روديسيا وتوجه إلى موزمبيق وتولى بنفسه قيادة جيش زانو الذي مولته الصين.

في عام 1979 تم اجراء حوار بين الحركات الثورية الثلاث المتصارعة وحكومة روديسيا، انتهت المحادثات بإقرار دستور جديد لجمهورية زيمبابوي الجديدة، وانهاء حكم الاقلية البيضاء العنصري، وإجراء الانتخابات على ان يكون هناك 20 مقعدا محجوزة للنواب البيض في البرلمان.

استمر حكم “موغابي”، الذي بلغ من العمر (92 عاماً)، الرئيس الوحيد الذي شهدته زيمبابوي، على مدى 30 عاماً منذ الاستقلال، كان يقوم خلالها بتشديد قبضته على السلطة، وإدخال تعديلات على مؤسسات الدولة، وتزوير الانتخابات البرلمانية، مما دعا قوى المعارضة، التي تعرض زعمائها الى العنف، إلى مقاطعة الانتخابات ووصفها بأنها “مهزلة”. كما ووصفه عدد من قدامى المحاربين بأنه «طاغية فاسد»، كما إنه «بدد قيم النضال من أجل التحرير».

اتبع موغابي سياسات ظالمة بهدف الإصلاح، أغربها في عام 1999، عندما قام بسحب الأراضي من السكان البيض وتوزيعها على السكان الأصليين الأفارقة، مما أدى إلى هجرة عدد كبير من ذوي الأصول الأوروبية، حيث تدهورت الزراعة بشكل كبير، وأصبحت تعاني من المجاعة وسوء التغذية وانتشار البطالة. وتفشت الأمراض ومن أبرزها وباء الإيدز والكوليرا التي تسببت في اصابة 100 ألف شخص، توفى منهم 5 ألاف، بسبب انهيار النظام الصحي وعدم توفر الخدمات اللازمة للعلاج. كما تضخم الدين الخارجي، كل هذا وموغابي يحكم وكأنه مغمض العينين لا يرى سوى كرسي الحكم!

قام الجيش بالانقلاب على موجابي الذي رفض التخلي عن الحكم وكان يريد ترشيح زوجته “جريس” لإبقاء السلطة داخل العائلة، ليكون محصنًا من مواجهة أي قضايا قانونية بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان.

ان السياسة المعتادة لأي ديكتاتور، هي تشديد قبضته على السلطة بكل الطرق الممكنة، تارة بإدخال التعديلات على مؤسسات الدولة، وتارة اخرى بتزوير الانتخابات الرئاسية.

ان المعارضين لن يتسلموا الحكم ما دمت على قيد الحياة.. هكذا صرح موغابي، الذي هدر دم المعارضة، ودعا الجماهير المؤيدة لحزبه، الى قتلهم ومطاردتهم.. كما وحملهم، زورا وبهتانا، وزر استمرار النفوذ والوجود البريطاني في زيمبابوي.

هذه هي العقلية التي تحكم رؤية الثوار السابقين (الحكام اللاحقين) الذين لا يستطيعون التوفيق بين مفهوم الثورة ومفهوم الدولة، والذين تتحول البلاد (المحررة) الى مزارع وامتيازات وارصدة وتقريب للازلام والمنتفعين.. ما داموا هم الذين قادوا الثورة (وضحوا) من أجل الشعب!!!.. وهم الذين (حرروا) البلاد.. اذاً البلاد لهم.. الحكم والشعب والارض لهم، وصاية وهيمنة واستثماراً طويلاً لـريع النضال……. هذه هي شعارات (الثوار) الجدد عندما يصلون الى الحكم؟!.

ليس غريبا ان يغزوا الفساد كثيرا من مفاصل الدولة، إنه غالبا لا ينتظر حتى تصل الأحزاب الثورية إلى السلطة، بل يغزوها ويغزوا مؤسساتها وجمعياتها مبكرا، ويحول كثيرا من قادتها وكوادرها إلى “آلهة صغيرة” يحفهم المرافقون من كل مكان، ويتسابق المرافقون على خدمتهم. يتنعمون، هم وعائلاتهم، في خيرات الحزب، فالحزب وكل امكانياته ملكية خاصة لهم مقابل نضالهم الطويل وتضحياتهم الجسيمة؟! ولنا في السياح الثوار الى مصر مثلا يقتدى؟

كيف يتحول الثوار الى دكتاتوريين ظلمة فاسدين، هذا هو السؤال المحير. إن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، ويزيدها فسادا، استخدام القيم والمقدسات، كالدين والمقاومة، في تبرير السياسات الظالمة، والركون الى التاريخ النضالي وتقديس الافراد والقادة، وتسخير نضالات الشعب وتضحياته وعذاباته وآلامه، من اجل مصالح شخصية ضيقة لحفنة من (الثوار) القدامى، الذين لا ينفكون من اللجوء الى الكذب والعنف لتبرير سياساتهم وومارساتهم المفضوحة، وتقسيم السلطة كغنائم مستحقة، ومنح الاتباع نصيبا تافها من حصص هذه السلطة. هذا في ظل معارضات تافهة، عينها على ما تبقى من كيكة السلطة، لتوزيعها حصصا على الاتباع الجدد و(المناضلين) القدامى. كل هذا يحدث بينما الشعب مدمر ومرهق من البحث والجري خلف لقمة عيشه البائسة.

هذا هو موجابي الثائر سابقا والفاسد لاحقا، والذي تطرح قصته العديد من الاسئلة الظالمة، ليس أقلها عن جدوى نضال الشعوب؟ ولا أن الحياة قد تكون أرحم في ظل الاحتلال من حكم ابناء جلدتنا؟!

لقد طالب فرانس فانون الشعوب بأن لا تفرح كثيرا بعد جلاء المستعمر، لأن الشرطي الأبيض قد يستبدل بشرطي أسود والنخب الحاكمة ستتابع ما بدأه المستعمر!!!…ولنا في تجربة 11 سنة العبرة والعظة؟!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.