على عتبات سورية تتبدد أحلام أصحاب المؤامرة، وهم يرون تساقطها الواحدة تلوى الأخرى، وثمة تحولات متوقعة لا بد أن يكون لها تأثير على مجرى الأحداث في سورية، أهمها انعقاد القمّة السوريّة الروسيّة بعد تحرير الجيش العربي السوري مدينة البوكمال، آخر موقع لداعش الإرهابية، وتلخّص هذه القمة بدقّة حاضر سورية ومستقبلها، وتؤكّد أن الرئيس الأسد باقٍ في السلطة، كما تحمل في طياتها رسائل إلى من يهمه الأمر بأن علاقات الشراكة الإستراتيجية القائمة بين سورية وروسيا قوية، وخارج المساومات والصفقات، وهي زيارات تعطي الإنطباع بوجود دور روسي جديد في الأزمة السورية.
في هذا الخصوص رصد المراقبون العديد من المؤشرات التى تشير إلى دور بارز للوساطة الروسية من أجل التوصل لحل سياسي للأزمة السورية يجنب المنطقة من حرب إقليمية ممتدة، فروسيا تملك من الرصيد الإستراتيجي ما يؤهلها للقيام بمبادرة دبلوماسية خلاًقة لحل الأزمة السورية، إذ إنفضت قمة سوتشي التي رعتها واحتضنتها روسيا الأربعاء الماضي بالإعلان عن اتفاق بين الرؤساء، الروسي فلادمير بوتين والتركي رجب الطيب إردوغان والإيراني حسن روحاني، على عقد مؤتمر للحكومة والمعارضة المسلحة في روسيا، وأكد الرئيس الروسي: ” أن مرحلة جديدة في تسوية الازمة السورية تبدأ ما تحاول روسيا تحقيقه اليوم، من خلال عقد مؤتمر سوتشي، هو على الغالب، إتمام الدرجة الأخيرة من سلم عملية التسوية الخاصة بالأزمة السورية، من خلال تجميع الفصائل، بشتى فصائلها، حول مشروع وطني يصب في صالح رؤيتها” وبالمقابل رحبت الحكومة السورية بالبيان الختامي للقمة الثلاثية معتبرة أن القمة تأتي استكمالاً للقمة السورية الروسية.
وعلى الجانب الأخر تصورت إدارة الرئيس أوباما أن الأزمة السورية أزمة عادية وتملك مفاتيحها، ويمكن علاجها بأسلوب الإستقطابات التقليدية، وتدخلت فيها بأداوت مختلفة، وإنتظرت سقوط الثمرة في حجرها كنتيجة طبيعية لنضجها، وبعد عدة سنوات، كادت الثمرة تسقط في حجرها، لكن روسيا نجحت عبر سلسلة المحادثات إقصاء أو تقزيم دور أمريكا من خلال إعلان موسكو الذي تلته مؤتمرات الآستانة، في ترويض القوى الإقليمية الفاعلة في سورية، وتخطي عقباتها من خلال تحويل بعضها، لدول شريكة أو بالأحرى وكيلة لتبادل الأدوار معها في عملية الحل، كتركيا وإيران، وبالتالي إحداث تمزق واضح المعالم في صفوف فصائل المعارضة المسلحة، لا سيما المدعومة من تركيا، في إطار ذلك لم تتمكن الإدارة الأميركية الإمساك بزمام الأمور كما تخيلت، بل باتت مهددة بمزيد من الإنفلات عقب ارتفاع معدل التداخلات الدولية والإقليمية بين بضعة أزمات في المنطقة والأزمة السورية.
كل المعطيات والمشاهد على الساحة السورية اليوم، توصلنا لنتيجة لا تقبل الشك، وهي ان دولة الخرافة داعش وأخواتها تلاشت وان نهايتها باتت ادنى من حبل الوريد بفضل التطورات الميدانية التي أحرزها الجيش السوري وحلفاؤه على الأرض خلال الشهور القليلة الماضية، وفي إطار ذلك عهد الرئيس الأسد وجيشه، بـ”نصر نهائي” على الجماعات المتشددة في سورية،وفي لقاء صحفي، قال الأسد إن “الإنتصارات التي تشهدها سورية نتيجة الصبر من الشعب ومن المقاتلين في الجيش “.فالمحاولات الخائبة التي قام بها الأعداء لم تنجح في ثني الجيش السوري عن أداء واجباته لغاية تحرير آخر شبر من أرض سورية، فالمشهد الذي تشهده دول المنطقة تؤكد بما لا يدع مجال للشك بأن المشروع الغربي يواجه سقوطاً وفشلاً ذريعاً على أبواب دمشق.
في إطار ذلك فإننا على يقين تام بأن الحوار السياسي أصبح اليوم هو المطلب الوحيد في الأزمة السورية، فروسيا تسعى الى تقريب وجهات ومواقف القوى والأطراف المعنية بتطورات الأزمة وتداعياتها، وهو دور يماثل ما تقوم به الدول الاخرى،هذا مما سيوسع من دائرة الحوار وربما سيغير المواقف الرافضة لهذا الحوار، فهناك مؤشرات إيجابية من عدد كبير من قوى المعارضة المسلحة السورية في الداخل والخارج بضرورة المشاركة في الحل السياسي، وإنطلاقاً من ذلك أعتقد أن سوتشي هي نقطة انطلاق نحو إيجاد تسوية شاملة للأزمة السورية قبيل انتهاء العام الجاري.
مجملاً… إن الوحدة الداخلية السورية ضرورة وطنية لمواجهة التدخل الخارجي والتيار التكفيري، لحفظ وحدة سورية وموقعها القومي والإسلامي، وإحباط المشروع الغربي لبناء الشرق الأوسط الجديد، فالتحرك الروسي هام وضروري، وبارقة أمل كبيرة في الخروج من النفق المظلم والتوصل إلى حل سياسي يعطي الثقةللشعبالسوري في الخلاصمنالإرهاب والقضاء عليه، وخطوة مهمة باتجاه فتح الطريق للحوار بين مختلف المكونات السورية، وإنطلاقاً من ذلك فإن التطورات والمشهد المعروض يشير إلى أن الأيام القادمة ستشهد تبدلاً كبيراً على الساحة السورية، خاصة ان الطرح الروسي لحل الملف السوري يدعمه التوافق الإيراني والدول الصديقة المختلفة، لذلكلا بد للسوريين من إقتناص الفرصة المناسبة لإنقاذ سورية وإنهاء أزمتها الشائكة.
وأختم بالقول….. أن اللعبة إنتهت بالنسبة لأدوات أمريكا في سورية بعد أن قرر حلفاء دمشق قلب الطاولة على الجميع في المنطقة، ولم يعد بإستطاعة أحد تحدي روسيا التي جاءت بكل ثقلها لضرب الإرهاب والدفاع عن سورية، وأن التحركات التى تقودها روسيا بالتشاور مع عدد من الدول الإقليمية والدولية، تؤكد بما لا يدع مجال للشك أن الأزمة السورية باتت على أعتاب الحل عبر العملية السياسية.
التعليقات مغلقة.