خبير الأفاعي” رعد الراعي ” يروى تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل غيبوبته
تجذبك وسامته في البداية، وإذا دققت في عينيه ستجدها أحد من نظرات الأفاعي التي يهوى تربيتها، نظرةٌ تُخبرك بمدى شجاعته وجرأته وإقدامه نحو هوايته الغريبة التي أصبح بموجب ممارستها لمدة طويلة من الزمن “خبير أفاعٍ”.
“رعد الراعي” .. خبير الأفاعي الأردني الذي ذاع صيته بعدما لدغته أفعى فلسطين الأخطر على مستوى فلسطين والأردن أمام عدسات الكاميرا والمُشاهدين، بثت سمومها بكل شراسة في جسده الذي كان يأمن غدرها.
لم تكن مجرد لدغة، بل كانت قصة مأساوية في نظر البعض، ومُمتعة وإيجابية في نظر آخرين .. حيث لم يتوفر مصل الأفعى إلا في الأراضي الفلسطينية بسعر 25 ألف شيكل “ما يقارب 7 آلاف دولار أمريكي”، لكن بفضل خبير الأفاعي الفلسطيني جمال العمواسي، تم توفير المصل لرعد، ليبدأ حياة جديدة .. قصة جديدة يرويها لـ”دنيا الوطن”.
هواية منذ نعومة أظافره
رعد الراعي شاب أردني يبلغ من العمر (21 عاماً)، انتهى من دراسة هندسة الميكاترونيكس، ليتفرغ لهواية تربية الأفاعي التي بدأت منذ كان عمره (11 عاماً) فقط.
يقول الراعي: ” كانت ردة فعل عائلتي قاسية قليلاً حول هوايتي، حيث كانوا- على غير العادة- مُجمعين على عدم الموافقة نهائياً، واضطررت للكذب عليهم بأنني أتعامل مع ثعابين غير خطرة وغير سامة، حتى يسمحوا لي بتربيتها في المنزل، وكنت أُوفر حماية شديدة لكي لا أعرضهم للخطر”.
هواية غريبة ونادرة كهواية رعد، من الطبيعي أن تخلق مواقفاً غريبة قليلاً ومُضحكة أحياناً، يستذكرها قائلاً: “مريت بالكثير من المواقف المُرعبة في نظر الناس، لكنها كانت بالنسبة لي ممتعة جداً، أحدها حين تمكن ثعبان من نوع خطير من التسلل خارج الحوض الخاص به، ووجدته يسير على جسدي أثناء نومي، بدءاً بقدماي وصولاً إلى رقبتي، ففتحت عيناي لأجد وجهه مقابل وجهي تماماً وكان منظراً مرعباً، ولكن الحادثة عدت بسلام”.
مواقف غريبة ومُضحكة
موقف آخر أضحك رعد بسبب جهل العامية في الأفاعي، يقول: “حين رنت علي عائلة من محافظة أخرى بالأردن يستنجدون بي من أفعى ضخمة طولها 3 أمتار كما قالوا، فتوقعت أنها أفعى الحنش لأنه لا يوجد أفعى يصل طولها لثلاثة أمتار سواها، وهرعت بسرعة لأنقذ الأفعى من الناس وليس العكس، لأنها أفعى غير سامة، وحين وصلت وجدت أفعى طولها 40 سنتميتر فقط، كيف رأوها 3 متر لا أعلم!”.
ربما تكون تجربة رعد مع أفعى فلسطين، تجربة سيئة، لكنه يرفض هذا الوصف أثناء حديثه عن الخطأ الذي تسبب به: “لا أعتبرها تجربة سيئة بالعكس، كانت تجربة إيجابية جداً بالنسبة لي، حيث تعلمت أن أعمل بخبرتي أنا فقط، وليس بنصائح أناس آخرين”.
وأضاف: “الخطأ الذي حدث كان خطأ تقدير، كانت الأفعى مُخدرة، وهي المرة الأولى منذ سبع سنوات أتعامل فيها مع أفعى مُخدرة، فأنا دائماً أتعامل مع الأفعى كما هي على طبيعتها لا أسحب سمومها ولا أخلع أنيابها تماماً مثل النظام الأسترالي في التعامل معهم، كان خطأي أنني خدرتها بناء على نصيحة شخص، ما سبب لي هذه الإصابة الخطيرة لأن وقت تخديرها كان قد انتهى”.
لا نصائح من الآخرين
أما الدرس الذي تعلمه رعد من هذه التجربة هو كما قال: “ألا آخذ نصائح من أحد خاصة في هذا المجال لأنه غير مدروس، إلا إذا كانت نصيحة من خبير أجنبي ونصيحة مدروسة علمياً، وليست مبنية على تجربة أو تجربتين من بعض الهواة”.
الغريب في الأمر أن الحادثة غيرت مسار حياة رعد للأبد وتفكيره أيضاً، يقول: “هذه الحادثة جعلتني أقوى بكثير، وإذا كنت في السابق أُفكر أحياناً بالتراجع عن هذه الهواية، هذه الحادثة زادت إصراري على عدم التراجع لأنه لن يحدث لي شيء أقسى مما حدث، وأتمنى ألا يحدث، وأصبح واجباً علي أن أكمل الطريق لأن مصل الأفعى غير متواجد بالأردن، وعملت كافة الدراسات العلمية حول هذا المصل وسأقدمها لوزارة الصحة في الأردن لعمل اللازم”.
شجاعة رعد كانت في أوجها حين وضع صورة صفحته الشخصية على (الفيسبوك) صورة أفعى فلسطين، وعلق: “هيها الحيوانة حبيبتي إلي قتلتني هي نفسها إلي بالصورة .. وهي غيرنا الصورة عشان خاطرك”.
رسالة غامضة ولحظات حاسمة
قد يعتقد الأغلبية، أن هذه الخطوة هي تعبير عن الكره الشديد لهذه الأفعى، لكن الحقيقة عكس ذلك تماماً، يقول رعد: “وضعتها كصورة لأُخبر الناس أنني أحب هذه الأفعى جداً وأعشقها، كما أنها رسالة للناس التي تتمنى أن تسمع ما تريد هي سماعه فقط بأنني اعتزلت ولم أعد أربي الأفاعي، ورسالتي بها أنني لن أتراجع حتى خطوة واحدة في هذا المجال بل سأتقدم، وعليهم أن يفهموا أن هذه الهواية ليست عيباً أو حراماً، بالعكس أنا أخدم المجتمع الأردني لأنه لا يوجد لدينا أحد يفقه في هذا المجال في الوزارات الحكومية”.
لحظات مُثيرة مر بها رعد فور لدغ الأفعى له قبل أن يدخل في غيبوبة تامة لمدة ثلاثة أيام يرويها لـ”دنيا الوطن”: “كانت الأفعى مُخدرة، وكنت في آخر دقيقتين من البث في برنامج تلفزيوني، وكان علي أن أعيد جملتين حول أفعى فلسطين وأختم التصوير، الأفعى تخلصت من آثار التخدير نتيجة حرارة جسدي ونتيجة أيضاً لحرارة استديو التصوير، فقامت بلدغي”.
وأضاف: “لم أشعر لحظتها باللدغة لأنها كانت شديدة جداً، وسارعت بحمل الأفعى ووضعتها بالحوض الخاص بها وأحكمت إغلاقه، ثم قمت بإعطائهم اسم المصل المطلوب وأعطيتهم اسم الشخص الذي يستطيع توفيره وهو جمال العمواسي، وقمت بإعطائهم رقم الإسعاف وأخبرتهم بالتعليمات اللازمة لعمل إسعاف أولى، وأوصيتهم ألا يعطوني أي مصل آخر عدا الذي كتبته لهم، كل هذا حدث في دقيقتين، نطقت الشهادة بعدها، وفقدت الوعي، ولم أستيقظ إلا بعد 3 أيام في العناية المركزة”.
صداقة فريدة
صداقة عميقة تجمع رعد الآن بالعمواسي بعد إنقاذ الأخير لحياته، سر هذا الترابط كما يقول رعد: “نحن في مجال واحد، وعقليته تُشبه إلى حد ما عقليتي وطريقة تفكيري، جمال إنسان رائع جداً وهو السبب الرئيسي بعد الله في إنقاذ حياتي، وأشكر جميع من ساهموا وساعدوه، ولكنه المنقذ الرئيسي لحياتي”.
التعليقات مغلقة.