هرولة الرئيس عمر البشير الى روسيا…دلالات / د. بهيج سكاكيني
د. بهيج سكاكيني ( الإثنين ) 27/11/2017 م …
قام الرئيس السوداني عمر البشير بزيارة روسيا قبل عدة أيام وهي اول زيارة له الى روسيا منذ توليه السلطة في السودان عام 1989 . والبشير على قائمة المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية بدعوى مسؤوليته المباشرة عن ارتكاب مجازر في منطقة دارفور ولقد قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على السودان منذ سنوات.
البشير كان مسؤولا بشكل كبير عن عملية انفصال جنوب السودان وموافقته على الانفصال آملا ان تكون خطوة يتم بها رفع العقوبات عن السودان وحصوله على صك غفران من الولايات المتحدة وتسهيل حركته ورفع الاتهامات عنه هذا ما مرر اليه عن طريق الرئيس مبارك الذي اسدى له النصح!!! بعدم الوقوف ضد حركة الانفصال. وكانت عملية انفصال السودان هو جزء من مخطط أكبر لتقسيم المنطقة برمتها ومن هنا رأى الكثيرون وخاصة القوى الحية التقدمية في السودان ان موافقته على انفصال السودان إنما تأتي خدمة لهذا المخطط التدميري والتي لعب فيه الكيان الصهيوني دورا محوريا. ولم يكن من المستغرب ان أول دولة قام بزيارتها رئيس “دولة” جنوب السودان هي إسرائيل حيث قدم لها الشكر الجزيل لتقديم كل الدعم الذي أنتج عملية الانفصال.
ولقد اتاحت الحرب العدوانية التي شنها “التحالف العربي والإسلامي” في مارس من عام 2013بقيادة السعودية على اليمن فرصة أخرى للرئيس بشير في محاولة للتقرب من الولايات المتحدة عن طريق السعودية. فقد أيد هذا العدوان البربري على اليمن وقام بإرسال وحدات من الجيش السوداني (مدفوعة الثمن) للقتال في اليمن تحت إمرة السعودية. وأقدمت على قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وقامت بطرد السفير الإيراني والبعثة الدبلوماسية الإيرانية من الخرطوم في يناير 2016 واستدعاء سفيرها وبعثتها الدبلوماسية من طهران تضامنا مع السعودية والانخراط في حملة اشاعت وتأجيج الفتن الطائفية والمذهبية في المنطقة.
ولقد قامت السعودية على أثرها بالتوسط له لدى الإدارة الامريكية وحثها على رفع العقوبات عن السودان وإسقاط التهم الموجه الى البشير بشأن المجازر في دارفور وخاصة وأن البشير قد انضم الى التحالف لمحاربة “الإرهاب”. وكان من المقرر أن يحضر البشير القمة العربية الإسلامية الاستعراضية في الرياض في 20 مايو 2017 لاستقبال ترامب في زيارته “التاريخية” لها التي دعي اليها عشرات من رؤساء الدول الإسلامية للاصطفاف كأطفال المدارس لاستقبال الزعيم ثم سرعان ما انتهت المسرحية وعاد كل منهم الى بلاده ربما حاملا بعض الهدايا والمكرمات لتلبيته الدعوة لحضور قمة الموبايل كما أطلق عليها. لم يتمكن البشير من الحضور مع انه كان عازما على ذلك حيث قامت المخابرات المركزية الامريكية وقبل ساعات من وصول الوفود بإبلاغ السعودية ان مجيئه غير مرغوب به. وكان هذا ضربة قوية للبشير الذي اعتقد ان مشاركته في المجازر في اليمن وقطع العلاقات مع إيران ومع حماس أيضا قد تمنحه الشرف لحضور المسرحية ورفع القيود على حركته. وعلى الرغم من التطمينات السعودية بأن الإدارة الامريكية ما زالت تتدارس رفع العقوبات عن السودان ولكن من الواضح ان البشير قد فقد الامل وخاصة مع وجود أصوات بداخل الكونغرس ومجلس الشيوخ تقف ضد رفع العقوبات عن السودان.
ومن هنا ونتيجة هذا الخذلان الذي مني به البشير على يد الولايات المتحدة وإدارتها الجديدة قام بالحج الى موسكو لمقابلة الرئيس بوتين ليشتكي همه عله يجد أذنا صاغية تعينه في الظروف الصعبة التي تمر بها السودان. وهذا ما نستخلصه من التصريحات التي أدلى بها الى جانب الاتفاقيات التي وقعت والاحاديث والنقاشات التي دارت بين الجانبين في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
وفي اول اللقاء الذي جمعه مع الرئيس بوتين قال البشير ” لقد كنا نحلم بهذه الزيارة منذ زمن طويل” وكذلك ” نحن مشكورين لروسيا لمواقفها على الساحة الدولية بما فيها الموقف الروسي لحماية السودان”.ولقد طلب البشير من الرئيس الروسي بـ” الحماية من الأفعال العدوانية للولايات المتحدة” مبديا قلقه من الأوضاع في البحر الأحمر مع تواجد قوات أمريكية في تلك المنطقة. وقد ذكرت إحدى المصادر ان البشير قام بمناقشة الموضوع مع بوتين من وجهة نظر استخدام قواعد في البحر الأحمر، ولا ندري إن كان هذا تلميحا من قبله لعرض انشاء قواعد لروسيا في السودان في المناطق المطلة على البحر الأحمر.
والغريب في الامر تصريحات البشير بالنسبة للموقف من سوريا فقد اعتبر ان موقف السودان يتطابق مع الموقف الروسي واعتبار ان ما حدث في سوريا هو نتيجة التدخل الأمريكي، وأنه لولا المساعدة التي قدمتها روسيا لكان من الممكن ان تنتهي الحال الى خسارة سوريا ربما كما حصل في ليبيا. ولا شك ان الموقف الروسي في سوريا والنجاحات التي حققها الدعم الروسي للحكومة السورية قد لعب دورا هاما في إعطاء زخم للدور الروسي في المنطقة الى جانب المصداقية الروسية من حيث تمسكها بالقوانين الدولية وحق الدول في تقرير مصيرها والوقوف ضد الاعتداء على الدول الى جانب احترام سيادة هذه الدول وهذا ما استدعى العديد من البلدان النامية للتوجه الى إقامة علاقات صداقة وتعاون مع روسيا.
اما على الجانب العسكري فقد اجتمع البشير مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شوغو وقام البشير بمناقشة تحديث الجيش السوداني والمساعدة الروسية في هذا الاطار وشمولها على الحصول على الأسلحة الروسية المتطورة والتدريب والدورات العسكرية للضباط السودانيين ..الخ التي قد تسهم في إعادة هيكلة وفعالية الجيش السوداني. ولقد تم الاتفاق على ان روسيا ستقوم بالمساعدة في هذا المجال.
أما على الجانب الاقتصادي فإن السودان يتطلع الى التعاون مع روسيا في مجالات التنقيب عن البترول، وبناء شبكة المواصلات والزراعة. وفي عام 2015 قامت الشركة الروسية ” Siberian for Minining” باكتشاف كميات كبيرة من الذهب في السودان قدرت بـ 46000 طنا في المناطق التي تم مسحها جيولوجيا وتم توقيع على صفقة استثمارات هي الأكبر في تاريخ البلد. وقدرت قيمة الذهب المستخرج في الأسواق بـ 298$ بليون دولار أمريكي.
ومما لا شك فيه أن العلاقات مع السودان إذا ما تطورت فإنها ستشكل بوابة إضافية للدخول الى القارة الافريقية وتعزز الموقع الروسي في هذه القارة السوداء. وربما من الجدير بالذكر هنا ان العلاقات الروسية-الافريقية آخذة في الازدياد والنمو. فقد شهدت السنوات القليلة الماضية زيادة ملحوظة حيث وصل حجم التبادل التجاري الى 14.5 بليون عام 2016 بزيادة قدرها 3.4 بليون عن السنة التي قبلها. وبحسب اللجنة الاقتصادية الاوراسية كانت أفريقيا هي المنطقة الوحيدة التي حققت زيادة في تجارتها مع روسيا في عام 2016. وتشكل أفريقيا سوقا واعدة بالنسبة للقمح الروسي وللماكينات الزراعية هذا الى جانب التعاون في مجالات الطاقة بما فيها البترول والغاز الطبيعي وإقامة محطات توليد الطاقة الكهربائية التي تعمل بالوقود النووي والتنقيب عن المعادن وخاماتها واستخراجها.
ولا شك ان ما يجمع روسيا مع العديد من الدول الافريقية هو رفض النظام العالمي القائم على القطب الواحد الذي يتيح لدولة او مجموعة قليلة من الدول فرض ارادتها على بقية دول العالم. والسودان تشكل مثالا واضحا على دولة أفريقية تسعى الى الاقتراب من روسيا بسبب تزايد الضغوطات الغربية عليها، فهي تبحث عن شركاء جدد لتقاوم الاملاءات الامريكية. وتطوير العلاقات مع موسكو قد توفر لها هذه الفرصة.
التعليقات مغلقة.