“الإرهاب: الأسباب والظواهر والنتائج ودور المملكة في مكافحته ” … عنوان محاضرة أ.د. حسن المبيضين ضِمن مُبادرة المنتدى العالمي للوسطية ووزارة التربية

*حنا ميخائيل سلامة ( الأردن ) الأربعاء 29/11/2017 م …




مبادرةٌ تستحق التقدير لغايتها النبيلة في بناء جيلٍ واعٍ مُدركٍ لِكُنْهِ ما يدورُ مِن حَولِه، ومُستوعِبٍ للثوابت والمفاهيم، مِن خلال تسليط  أنوار مصابيح العقل على ما يجري في زمنٍ خَبَت فيه تلك الأنوار، مَا أدى إلى طمس الحقائق بمؤثِّراتٍ مختلفة، فصارت نَزعة الشر تتغلب على نَزْعة الخير عند فئات طائشة متهورة إستغلَّتها مجموعات لديها مهارة في حشو الرؤوس وتعطيل الفكر السليم.  تلك المجموعات أخذت تتحكم بمصائر الناس من خلال أدواتٍ بشرية لم تُحَصَّن بالتثقيف الكافي والتوعية الصحيحة.  وقد تبنى هذه المبادرة المُهِمَّة المنتدى العالمي للوسطية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم ضِمن برنامج التحصين الفكري والإتفاقية المُبرمة ما بين المنتدى ووزارة التربية والتعليم حيث تمَّ اختيار الأستاذ الدكتور حسن المبيضين صاحب الخبرة الواسعة والعلم الوفير لهذه المهمة التي تحتاج لمُرشدٍ مُطَّلِعٍ فَطِنٍ مُحترم الجانب. حيث قام بإلقاء مجموعة محاضرات ضِمن برنامج توعيةٍ وتثقيفٍ في بعض مدارسنا حملت عنوان” الإرهاب الأسباب والظواهر والنتائج ودور المملكة في مكافحته”.

في مُستهل مُحاضرته قبل أيام في مدرسة رُقيَّة بنت الرسول الكائنة في ضاحية الحاج حسن، عرَّف المُحاضِر برسالة المنتدى العالمي للوسطية الذي يترأس أمانته العامةسعادة المهندس مروان الفاعوري، وبالفِكْرِ الذي ينطلق منه المنتدى الموقَّروالذي يؤسِّسُ لحالة إنسانية جوهرها إحترام كرامة الإنسان. ثم وجه المحاضر للطالبات سؤالاً عن أسبابٍ الإرهاب ليستطلعَ وجهة نظرهِنَّ ، وحسناً فعل، إذ جاءت الردود عفويةً  لتُعطي فكرةً عن تلك الأسباب في مَفْهُومِهِنَّ  وحَسبما يسْمَعْنَ من هنا وهناك. ثم لخص المحاضر تلك الردود وأدرجها تحت عنوان رئيسٍ واحدٍ هو: ” الجهل”. يقول المحاضر” إن الجهل هو عكس العلم والمعرفة وهو تصور الأشياء على خلاف ما هي عليه في حقيقتها. والجهل في الأمور الفكرية والعقائدية تحديداً يُعدُّ أشد خطراً من أي جهلٍ آخر ، فالجهل البسيط الذي يتأتى من عدم متابعة الدراسة لأسباب قهرية تجد الشخص هنا في حالات كثيرة يُبدع وينتج ويخدم أسرته ومجتمعه بكل امانة والتزام”. وأضاف قائلاً” إن الحالة التي جاءت فيها الدعوة  الإسلامية في بداياتها كانت حالة فكرية بامتياز، ولتأكيد هذا علينا الرجوع لكلمة “إقرأ ” الواردة في الآية القرآنية الكريمة ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{5}﴾ وآيات كثيرة تحُثُ على التفكير وتشغيل العقل والسَّعي نحو العِلم:  “هل يستوي الذينَ يعلمُونَ والذينَ لا يَعلمُونَ ” ، ” أفلا يتفكرون ” ، وغير ذلك الكثير وكلها دَعَواتٌ سامية الهدف للتعرف على الذات وعلى الحياة وعلى الناس، إنها دَعَواتٌ لفهم أكثر واستيعاب أشمل لمزيد من الوعي، فمساحة الوعي متسعة وغير محصورة  ولا حدود لها . فما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات هو أنَّه يفكر،  والتفكير يعني فتح نوافذ العقل لِصِلاتٍ إنسانية وبشرية أوسع “. ويتابع المحاضر حديثه معتبراً” أن الجهل الفكري هو نذير شؤمٍ على أي مجتمع، وعليه ، ينبغي مكافحته بالعِلم والمعرفة والبحث والتحصيل ، إن هذه الأمور ليست باعتبار ولا على بالِ من يقومون باعمال إرهابية الذين هم أسرى لتفكيرهم الخاص، فلا يقبلون الرأي والرأي الآخر، والذين هُم على جهلٍ بحقيقة الدِّين بدليل أنهم يفسرون آيات دون أن يكونوا محصنين دينياً وفقهياً فيستعرضونها لتتطابق ومصالحهم ومتجاهلين أن الكرامة الإنسانية مَصونة في الإسلام،  وان زهق الأرواح البريئة محرمٌ ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ وبين المحاضر أنّ الجنة والنار بيد الخالق تعالى ولا يجوز لأحدٍ أن يدعي غير ذلك.  كما أنَّ مِن الجهل الاعتقاد أنّ الإسلام يُجبر أيّ كان على تغيير دينه،  أو أن إختلاف الأديان وتنوعها يوجب القتال والتنازع، فالتكامل مع جميع المكونات والإنسجام والعيش المشترك واحترام هوية الاخر هي الركائز لمُجتمعٍ فاضلٍ مُتعاضِدٍ  مُتضامِنٍ “.

ويتابع الدكتور المبيضين محاضرته قائلاً ” إذا كان الفقر هو السبب الثاني الذي يدفع بأشخاص إلى الإنتماء لحركات متطرفة إرهابية فإن هذا السبب ليس واقعياً  فعلى المرء أن يعمل ويكد ويثابر ليتمكن من تحقيق ذاته ، فَكَمْ خرَّجت مدرسة الفقر هامات قدَّمت الكثير للوطن والأمة ، وإذا ما نظرنا إلى الآباء والأجداد وجدناهم وقد عاشوا الفقر بصبرٍ وتحملٍ وإيمان بما قَسَم الله لهم. إن الفقر الذي تستغله الجهات التحريضية والإرهابية  كسَبَبٍ  لإستدراج الأبرياء والسُّذج  فإن هذا لا يدعوهم للإنجرار للقتال والإرهاب إن كانت منظومة القيم والأخلاق متوفرة ومزروعة  في نفوسهم ” ومِن هنا على الناس أن يتكافلوا ويتضامنوا لمساعدة كل فقير ومحتاج ، مع الاعتراف أن غياب تلك المنظومة وغياب العدالة الإجتماعية من العوامل التي تجعل جهات إرهابية تحتضن أشخاصاً فترفع عنهم الفقر لكن مقابل تجنيدهم لصفوفها” .

ويعود المحاضر ليؤكد” أن من يقومون بأعمال إرهابية هم في الأغلب  أشخاص فاشلون لم يتمكنوا من تحقيق أهداف حياتهم، وعلينا الاعتراف أيضاً أن القمع في البيت وإلصاق تُهَمٍ بأحد الأبناء مثلاً أنه فاشل وكسول وأنَّه لا يُرتجى منه  بشيء.. ومعاملته بقسوة وتمييزه عن إخوانه يجعلهفريسة سهلة تتلقفها جماعات إرهابية متزمتة، فتُعَظِّم مِن شأنه وتعطيه صفات وألقاباً فيجد نفسه فجأة صاحب سلطة فتراه ناقماً ومؤهلاً لأي عمل مؤذٍ، والحال نفسه عندما يُعاملُ طالبٌ في مدرسته أو أي موقع تعليمي بقسوة، ويتم تعنيفه واتهامه بالكسل والغباء فيجد نفسه منبوذاً فتتلقفه الجهات نفسها وتؤهله لأعمال مؤذية ” وبيَّن المحاضر وبتوسعٍ  أهمية تغيير نهج التعامل في البيوت وفي المدارس وغيرها وبناء جُسور من الحوار المتبادل والتفاهم والإحترام داعياً إلى إنسجامٍ عامٍ لا تمييزَ فيه”.

ويمضي الدكتور المبيضين في محاضرته ومن قريحته الصافية ، فيُسلط الضوء على دَور وسائل الإعلام ” في تقديم إعلامٍ إيجابيٍ بَناءٍ واعٍ، فالإعلام السلبي التحريضي المُسيَّس يُراد منه تدمير الأمة، وقد أسْهَم هذا النوع من الإعلام في جذب الكثيرين ليكونوا أدوات بيد جهات إرهابية “. كما تطرق إلى جهود المملكة المتواصلة في مكافحة الإرهاب والتصدي له ، ولِما قامت به من مشاريع للتوعية الفكرية مثل رسالة عمان ومشروع “كلمة سواء” وغير  ذلك. كما توقف عند مَحاور مختلفة منها هذه العناوين: ” الإرهابُ يدمر الإنسان والبيت والمجتمع  ويُهرب الإستثمارات ويُعطل الحركة الإقتصادية والتجارية ” ، “تفقد الدول المليارات بفعل شخصٍ فاشلٍ جاهلٍ خرج من حارةٍفتبنَّاهُ أشخاص سلحوه وجعلوه أداة قتلٍ وهدمٍ “،” الروحُ هبةٌ من الله فكيف يقبل أي شخصٍ أن يؤذي نفسه ويدمرها ويؤذي غيره ويتحكم بمصيره”، “لإيجادِ مجتمع إنساني متكاملٍ بكافة الأديان والأطياف علينا إستيعاب وجود الآخر في حياتنا وأن نحافظ على كرامته وحقوقه كما نعمل لأنفسنا،  وأن نبحث عن الأُخوَّة الإنسانية التي تجمعنا به ” وغير ذلك من عناوين . وما يلفت الانتباه تركيز الطالبات وإصغائهُن على سَيْر المحاضرة وذلك التفاعل والحوار الإيجابي الذي تجلى بصورة تبعث الإرتياح في النفس مَا يُدلِّلُ على نجاح المُحاضر في إيصال رسالةٍ لا شكَّ سيكون لها نتائج إيجابية. ومِن الحقِّ هنا أن نٌسجِّل للهيئة الإدارية والمعلمات الفُضليات التقدير والثناء على حُسْنِ تنظيم هذا اللقاء الإرشادي ومتابعته ، كما نثني على جهودهن للإرتقاء بالحركة التربوية والتعليمية  في أردننا العزيز .

بقي أن نقول، لقد سرَّنا أن نرى على جدران المدرسة الراقية التي يستظل بفيئها نحو ثمانمائة وخمسين طالبة ، لوحات ويافطات مِنها ما يُذكي الروح الوطنية بين الطالبات، ومنها ما يسلط الضَّوء على تاريخ الأردن وبُناتِهِ،  ومنها ما يتعلق بالإرشاد الصحي والتوعية البيئية وغير ذلك، هذا إلى جانب صالة الأنشطة حيث معرض أنيق تتوزع في أرجائه أعمال فنية قامت بها الطالبات نراها تُجسِّد مدى وعمق إنتمائهم لثرى الأردن وتاريخه .

*كاتب وباحث

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.