عن الضربة الاسرائيلية و النّبوءة التي كَشَفها القِنطار قبلَ أشهرٍ من استشهادِه / عبد الباري عطوان

عبد الباري عطوان ( فلسطين ) الإثنين 4/12/2017 م …




الأردن العربي –
إسرائيل تلقّت هزيمةً كُبرى في سورية، لأن أمانيها المُتمثّلة في سُقوط النظام، والتّفتيت، لم تتحقّق بعد سَبعِ سنواتٍ من الحَرب، ولهذا بدأ بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، في تَطبيق تهديداتِه التي نَقلها إلى الرئيس السوري بشار الأسد عبرَ طَرفٍ ثالث، لعَزمِه التدخّل عَسكريًّا لمُواجهةِ أيِّ نُفوذٍ عَسكريٍّ إيرانيٍّ، بشَكلٍ تدريجيٍّ.
فَجر اليوم السبت، أكّدت وكالة الأنباء الرسميّة “سانا”، اعتراض الدّفاعات الجويّة للجيش السّوري مَجموعةَ صَواريخٍ إسرائيليّةٍ كانت تَستهدف مَوقعًا عَسكريًّا في ريف دمشق، ودَمّرت اثنين مِنها، الوكالة لم تُحدّد طبيعةَ هذا المَوقِع، وما إذا كان سوريًّا، أو تابع لإيران، أو لـ”حزب الله” اللبناني، وتَحدّثت عن خسائرٍ ماديّةٍ فقط.
أن تتصدّى صواريخ سوريّة لنظيراتِها الإسرائيليّة المُهاجمة وتسقط اثنين مِنها، فهذا تَطوّرٌ عسكريٌّ وسياسيٌّ كبير، يُؤكّد أن الاستراتيجيّة السوريّة التي جَرى اتّباعها في الأشهر الستّة الماضية في التصدّي لأيِّ عُدوانٍ إسرائيليّ، ما زال ساري العَمل بها، وتتعزّز بقُدراتٍ دفاعيّةٍ جديدة.
***
القيادة الإسرائيليّة مأزومة، وتَرى في إيران و”حزب الله” خَطرًا وجوديًّا، ولكن كُل مُحاولاتها للتّحريض ضِد الطّرفين عَسكريًّا، لم تَجِد أيَّ تجاوبٍ من الولايات المتحدة أو الدّول الأوروبيّة، ليس لأنّها تَعتبر هذا الهَلع الإسرائيلي غير مُبرّر ومُبالغ فيه، بشَكلٍ لافتٍ، وإنّما لأن الغَرب لا يُريد الانجرار إلى حَربٍ جديدةٍ في الشرق الأوسط لا يَضمنُ الفَوز فيها، لأن العدو هذهِ المرّة قويٌّ جدًّا، أي إيران وتحالُفِها، ولأن أيّ خطأ، أو سُوء تقديرٍ في الحِسابات، قد يُؤدّي إلى صِدامٍ مع روسيا، وربّما يَتطوّر إلى حَربٍ عالميّة.
الجِهة الوحيدة التي تُظهر التأييد لنتنياهو وتَهديداته ضد إيران هي بَعض الدول الخليجيّة، والمملكة العربيّة السعوديّة على وَجه الخُصوص، التي وَصف ولي عَهدِها الأمير محمد بن سلمان السيد علي خامنئي بأنّه “هتلر” الشرق الأوسط، ولا بُد من مُواجهته، وأيَّ مُحاولةٍ لاسترضائِه مَرفوضة لأنّها تُعطي نتائجَ عكسيّة، وهذا التّصريح الذي أدلى به إلى توماس فريدمان، الصحافي الأمريكي الذي يَكتب في صحيفة “نيويورك تايمز″ غَزلاً واضحًا لإسرائيل وأنصارِها اليَهود، الذين تَعرّضوا لمَذابح على أيدي النازيّة وزَعيمها.
قصف أهداف في ريف دمشق، سواء كانت إيرانيّةً أو سورية، هو عُدوانٌ سافر، وانتهاك سيادة لدولة عُضو في الأُمم المتحدة، وإذا تَكرّر فقد يُواجه بردٍّ أقوى في المَرّة المُقبلة، الأمر الذي قد يُشعل فَتيل حربٍ، تكون إسرائيل مَسؤولةً عن تَبِعاتِها، وما يُمكن أن يَترتّب عليها من نتائج.
صحيح أن الرئيس ترامب الحَليف الأقوى لدَولة الاحتلال الإسرائيلي في واشنطن يُواجه أزمةً حادّة تتمثّل في اعتراف مُستشارِه السّابق في الأمن القَومي مايكل فلين بتَضليل مَكتب التحقيقات الفِيدرالي حَول اتصالاتِه بالمَسؤولين الرّوس بتعليماتٍ من جاريد كوشنر، صِهر الرئيس صديق نتنياهو الحَميم، الأمر الذي قد يُؤدّي إلى إدانة ترامب، وربّما بِدءْ إجراءات عَزلِه، ولكن نتنياهو المُطارد بفَضائح الفساد وتحقيقاتِها أيضًا قد يُقدِم على مُواجهةٍ عَسكريّةٍ لإنقاذ نَفسه وحَليفه ترامب كردٍّ للجَميل على وَعدِه بنَقل السّفارة الأمريكيّة من تل أبيب إلى القُدس المُحتلّة.
***
إسرائيل ستَرتكب خطأً تاريخيًّا إذا واصلت تَحرّشاتِها، وجَرّت سورية وإيران وحُلفائِهما إلى الحَرب، لأنّها ستَخرج منها مُتخنةً بالجِراح، إن لم يَكُن مُدمّرةً بالكامل، فمَن قاتل سبع سنوات لمُواجهةِ المُؤامرة في سورية، وهَزمَ المَشروع الأمريكي الذي يَقف خَلفها، بات يَملُك الإرادة والقُدرة للتصدّي لأيِّ عُدوانٍ إسرائيليٍّ بمِئات الآلاف من الصّواريخ، وطائرات “الدرونز″ المُفخّخة، وأسلحةٍ أُخرى سِريّة لا نَعرفها.
قبل استشهاده بأشهرٍ مَعدودةٍ، التقيت العميد سمير القنطار، الذي كان يُخطّط لإشعال المُقاومة في الجولان، الخاصرة السوريّة للاحتلال الإسرائيلي، وكان مَعنا على مائدة الغَداء زوجته الفاضلة، ومَجموعة من الأصدقاء في أحد مطاعم بيروت المُطلّة على البَحر، العميد القنطار قال لي بالحَرف الواحد “إنّه إذا اندلعت الحَرب، فإن قوّات المُقاومة هي التي ستَقتحم الجليل وتَحتلّه، وتَتوغّل في الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة، وليس القوّات الإسرائيليّة”، وتَحدّث بكُل ثِقَةٍ عن “مُفاجآت” لم تَخطر على بالِ أحد.
أُصدّق كل كلمة قالها الشهيد القنطار، وهذا ما يُفسّر حالة الخَوف والهَلع التي تَسود قِيادة دولة الاحتلال، وتَجعلها تَحسُب ألف حسابٍ لقوّة “حزب الله” الهائلة، وإرادة القِتال والنّصر لدى زعيم المُقاومة السيد حسن نصر الله.. والأيّام بَيننا.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.