لم أسمع أحداً إلا الجنرال السعودي أنور عشقي يستطيع الإجابة بالتفصيل عن ماهيّة “صفقة القرن”، ويخبرنا عن “تبادل الاراضي الذي سيتم بين الفلسطينيين والاسرائيليين”، ويمرّر لنا أن السعودية لا تزال تحمي القضية الفلسطينية من أن “تضيع″ في حال تم التطبيع بين الرياض وتل أبيب رسميّاً قبل أن يتم “السلام” بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
بالحديث عن الاراضي وتبادلها، يستطيع أي طفل ان يعرف ان المستوطنات الاسرائيلية المخالفة للقانون الدولي باقية، كما يستطيع ان يدرك ايضا ان أي اشارة لاراضي عام 1967 بات خيالاً غير قابلٍ للتطبيق، وهنا شماعة المبادرة العربية لا تعني أحدا، كما لا نستبعد ان تتم مقايضة على القدس الشرقية مثلا فيجد الفلسطينيون انفسهم بلا “عاصمة” أصلا، وعلى الاغلب بلا بلد مجددا.
طبعاً الرجل الذي قال ذلك علانية على شاشة دوتشيه فيلة العربية مع الزميلة الذكية ديمة ترحيني، لم يخشى من الحديث عنه كمطبّع لا بل ويعتبر ان تطبيعه “غير الرسمي” هو ما يحمي بلاده (السعودية) من الذهاب لتطبيع رسمي تتبعها فيه كل الدول العربية “دون ان يحصّل الفلسطينيين حقوقهم”.
كلام الجنرال المخضرم في الاستخبارات السعودية، أعاد إليّ كلام القيادي في حركة فتح ومسؤول ملف المصالحة عزام الاحمد وهو “يشتكي” انه وقيادته لا يعرفون تفاصيل الصفقة الذكورة وان دولاً عربية تتفاوض بدلا منهم مع جاريد كوشنير (صهر الرئيس الامريكي دونالد ترامب) دون اطلاعهم على التفاصيل.
القوية ترحيني ذكّرت عشقي بكلام الاحمد فابتسم وقال “على الاقل الرئيس محمود عباس يعرف التفاصيل”. لا أدري الجملة المناسبة التي يمكن ان تعبر عن الفلسطينيين في هذه الحالة، وعن من يعقد مصالحة يبدو انه لا يعرف نهايتها، ولكن الاهم امرين: الاول ان “كوشنير العرب” بات واضحاً تماما وان كان “غير رسمي” والثاني ان القصة ليست محض اوهام كما بدأ يروّج البعض، فتصفية قضايا الجميع ستكون مرة جديدة على حساب الفلسطينيين.
**
كلمة “تبادل الاراضي” لم تقف عند الجنرال عشقي الاسبوع الماضي، فالرئيس المصري الاسبق حسني مبارك أصدر بيانا تلاه على المشاهدين عمرو أديب في برنامجه بالكثير من الادب والاحترام للرئيس المخلوع- وهو ما بات صبغة مصرية بكل الاحوال-، ينفي عن الاخير أي صيغة “تآمر” على المصريين والفلسطينيين من قبل مبارك.
الرئيس المصري السابق كان يرد على الوثيقة الشهيرة التي اصدرتها هيئة الاذاعة البريطانية BBC عن ان مبارك قبل عرضاً امريكيا لتوطين الفلسطينيين في مصر إبّان اجتياح لبنان مشترطاً “تسوية شاملة للقضية الفلسطينية” وهو ما يجري العمل عليه اليوم، ويبدو ان هناك من يريد تذكير مصر بالتزاماتها في سياقه.
طبعاً هنا لا ينفع (ولن يفعل) انفعال عمرو أديب في نفي القصة، ولا اعتباره ان رد الرئيس المخلوع “مقدّساً” كونه من الاساس لا حاجة ليؤكد مبارك على ان ذلك لم يحصل فشرط التسوية الفلسطينية لم يحصل فعلا عام 1982 ولكنه اليوم على وشك الحصول، لذا فالرد الذي كان سيصدقه مشاهدو اديب اكثر هو رد من الرئيس الحالي الجنرال عبد الفتاح السيسي المحتضن للمصالحة الفلسطينية، الممهدة بدورها للتسوية الشاملة.
يبدو ان القادم “قدرٌ” للفلسطينيين لا محالة!.
**
في الحديث عن الفلسطينيين وبالتزامن تخرج علينا “قناة الجديد” اللبنانية بتقرير يعرض مام قامت به عمة رئيس الوزراء السيدة القوية بهية الحريري أثناء فترة اختفاء/ احتجاز/ تأمل (او سموها ما شئتم) ابن اخيها الرئيس سعد، ليظهر لنا انها استدعت ابناءها ليقسموا “على المصحف” انهم مع ابن عمهم سعد ولن يستبدلوه قبل ان تبدأ جولتها في المخيمات الفلسطينية والمؤسسات اللبنانية.
ابنها كان يؤكد ان بهية الحريري والدته متمسكة بأمرين متعلقين بالمخيمات الفلسطينية الاول انها جزء من لبنان وليست جزءا من أي حرب اهلية او شغب، والثاني انها (أي المخيمات) يجب ان تطمئن الى ان تيار المستقبل لن يكون يوماً مع الاسرائيليين ضدهم، ولن يسوي أي شيء على حسابهم.
كل هذا يقوله ابن النائب الرصينة الحريري، وهو يدرك تماما أن التطرق لهذا الجانب “قد يوحي” بأن ابن عمه سعد الحريري كان تحت ضغط يتعلق بالتسوية الفلسطينية أيضاً، وهو الامر المتعلق بحزب الله بكل الاحوال.
بعيداً عن “جمع خيوط” التسوية الكبرى، لا استطيع الا ان ابدي اعجابي بعمّة الرئيس الحريري التي لا يمكن انكار الحكمة والرجولة التي تتمتع بهما اكثر من رجال كثيرين ليس فقط في لبنان.
**
المهم والاهم بالنسبة اليّ، ان كل هذه التقارير تذكر الاردن، فالاردن هو بوابة عبور الجنرال عشقي للضفة الغربية، والاردن هو من سيحمل “كونفدرالية” مع الضفة في اتفاق مبارك- واشنطن، وهو كذلك الذي احتضن اجتماع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع مدير الامن اللبناني للسيطرة على المخيمات في ازمة الحريري؛ كل هذا والاردن ذاته على وضع “الصامت” ويتمترس خلف اسطوانة “سفارة واشنطن في القدس″.
بالأمس بحثت جدّياً عن ما يمكن أن يكون فاتني في التلفزيونات الاردنية المختلفة عن القصة، لأجد ان الموضوع غائب تماما لصالح ما هو اهم بالنسبة للاردنيين “الخبز″.
نعم، تلفزيونات الاردن كلها بثت الاحتجاجات “الدورية” النيابية على رفع الاسعار، ولم ارَ شاشة واحدة تذكر ان البلد الاهم في معادلة التسوية لها موقف او ان شعبه مهتمون، ببساطة لان اللاعبين البارزين في صفقة القرن قرروا سلفاً “تجويع عمان” لتقبل بأي فرصة سانحة لعودة “تدفق الخبز″!.
التعليقات مغلقة.