حرام الأمس حلال اليوم، كيف تتغيّر الفتاوى المتشددة في السعودية؟
الأردن العربي – الهلال نيوز –
تمسك منيرة الحمد بألبوم صور عائلتها.
تقلب ما في داخل الألبوم من صور حديثة لأبنائها وأحفادها، وتتذكر كيف أتلفت قبل نحو ثلاثين عاماً، صوراً قديمة لأمها وإخوتها المتوفين.
كان ذلك بناء على فتوى أحد رجال الدين، حرم فيها الاحتفاظ بالصور لأنها تعذب صاحبها في قبره.
حرقتها على الفور، وحرقت معها ذكرياتها.
تقطن منيرة التي تجاوزت السبعين ولها 9 أبناء و12 حفيداً، في حي الدوحة في مدينة الظهران، شرق السعودية.
تتمعن في جدران منزلها المتوسط الحجم وتقول: “ما يزيد ألمي هو أن الشيخ الذي أفتى بحرمة الصورة، باتت صوره تملأ الصحف والمجلات، يظهر فيها وهو يبتسم”.
تضع الألبوم الذي ليس فيه سوى صور حديثة، وتقول: “لم أعد أتذكر ملامح أخواتي وإخوتي المتوفين، فليس لدي صور تذكرني بهم”.
كثيرة كانت المحرمات التي تحاصر المجتمع السعودي في منتصف القرن الماضي، وازدادت حدة وتبلوراَ في ثمانيناته وتسعيناته، وصارت بعد عقود من المنع مباحة، بل بات بعضها من الضروريات.
فلا يصدق الكثيرون أمثلاً ن الدراجة الهوائية كانت من الأمور المحرمة، في خمسينيات القرن الماضي، تحريماً قاطعاً بفتوى رسمية، إذ كانت تُسمّى “حصان إبليس”.
الغترة البيضاء، التي حارب أهالي بريدة لاعتمارها، كانت حراماً. حتى العقال الأسود الذي يضعه السعوديون حالياً على رؤوسهم كان محرماً.
وليس من قبيل السخرية أن رجال الدين حاربوا التلغراف وعدّوه ضرباً من السحر والشعوذة. أما التلفزيون فمشاهدته كانت محرمة على النساء لأنه يعطي المذيعين الفرصة لمشاهدتهن، فكن لا يجلسن أمامه من دون غطاء الوجه.
فكيف يعيش أهل السعودية اليوم في فترة تتسم بتغيير أمور كثيرة بما فيها ثوابت دينية حُرمت لعقود وكان مجرد الجدل فيها “يدخل النار”؟
الثمانينات ونقطة التحول
جاءت الثمانينات نتاج تشدد طغى على المجتمع، بحجة منطق فقهي يلجأ إليه المشايخ في السعودية، وهو أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وهي الحجة التي يعتبر الداعية فهد الدريعي أنها: “ضيقت كثيراً على الناس”.
كان المجتمع السعودي المتدين بطبعه، يعيش قبل ذلك ما يمكن وصفه بالمقارنة لحاله اليوم إسلاماً وسطاً، خصوصاً في ستينات القرن العشرين وسبعيناته. وقد تجلى أسلوب الحياة هذا في منطقة الجنوب والحجاز والمنطقة الشرقية، والتي تعيش بحكم موقعها تبادلاً اجتماعياً مع دول أخرى. ولم يكن الفصل بين الرجال والنساء موجوداً بحزم.
أمثلة كثيرة تدل على ذلك، فقد كانت مدرسة دار الحنان التي أسستها الأميرة عفت الثنيان في عام 1955، في حدة تعج بالفتيات دون حجاب، والحفلات الغنائية تقام بشكل دوري على مسارح التلفزيون.
وكانت هناك سينما صغيرة في ميناء السعودية الأساسي، مدينة جدة وفي العاصمة الرياض، وسط المملكة، تعرض فيها الأفلام المصرية.
وقد كان التلفزيون المحلي يعرض أغاني أم كلثوم ومحمد عبده، حتى أنه كانت هناك مطربات سعوديات مثل عتاب وتوحه وابتسام لطفي، وكان هناك معهد للموسيقى أيضاً.
هذه الأمور كلها لم تكن تعجب متشددين ظلوا يحملون فكراً متطرفاً.
ثم جاء عام 1979 المفصلي، فأخذ الدولة نحو التشدد الديني، بحسب الدكتور الدريعي.
في العام ذاته، قامت الثورة الإيرانية بقيادة على الخميني، أسقط من خلالها حكم الشاه، وأسس للجمهورية الإسلامية الإيرانية
وفي العام نفسه حدثت عملية احتلال الحرم المكي من قبل عصابة جهيمان العتيبي في نوفمبر 1979.
وعلى الرغم من أن لا أدلة تربط حادثة احتلال الحرم بثورة الخميني، إلا أن الدريعي يرى في حديثه مع رصيف22 أن جيهمان العتيبي”كان متأثراً بها، ربما كان يريد ثورة لأهل السنة مضادة”.
ويرى أن ظهور العتيبي كان نتاج فكر ديني بالغ التشدد بدأ ينمو، سبقه بأربع سنوات اغتيال الملك فيصل على يد أحد الأمراء، ثأراً لمقتل شقيقه المتشدد دينياً على أيدي قوات الأمن بعد أن حاول مع عدد من رفاقه احتلال مبنى التلفزيون لمنع بث الأغاني فيه.
وقد كان الأمير خالد بن مساعد بن عبدالعزيز الذي عُرف عنه التدين قد قُتل في سبتمبر 1965 أثناء اقتحامه للمبنى احتجاجاً على ما يُعرض فيه من أفلام وأغانٍ.
حينذاك، لم تكن الحكومة راغبة في مواجهة مزيد من المتشددين، ووجدت أن من الأفضل مسايرتهم، فبدأت فرض قيود أكثر، فأغلقت دور السينما، ومنعت بث الأغاني في التلفزيون، وأوقفت الحفلات الفنية، وجُعل تعليم البنات في أيدي رجال الدين.
عندذاك، بدأت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي قويت شوكتها أكثر تغلق المحال وقت الصلاة، وكانت النتيجة، ظهور جيل دعاة الصحوة، وفتاواهم المتشددة.
التعليقات مغلقة.