ترامب ينسف عملية السلام / د. هاني العقاد
د.هاني العقاد( فلسطين ) الخميس 7/12/2017 م …
اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لدولة الكيان بمثابة تفجير لعملية السلام بالمجمل …ونسف عربة السلام ونسف فكرة التسوية ..ونسف الطريق المؤدية لأي حلول مستقبلية , بل وتأكيد نظرية العداء الأمريكي الاسرائيلي المشترك للامة العربية والإسلامية , ليس هذا فقط وانما اشتعال المنطقة باسرها وتحولها لفوضى عارمة قد تحرق فيها كل الطرقات والمسالك المؤدية لأي استقرار او امل بإمكانية التوصل الى سلام يضمن استقرار المنطقة عقود قادمة ,وبالطبع ستصبح كل المصالح الامريكية في دول الاقليم محاصرة بالنار بل ان العالم كله سيصبح عرضة لأعمال انتقامية لاي مصالح امريكية واسرائيلية لان ما فعلة ترامب ليس بالهين ولا بالأمر العادي فلم يستطع كل رؤساء الولايات المتحدة الامريكية منذ تولي جون كيندي 1961 ادارة البيت الابيض امتدادا بإدارة جيمي كارتر ورونالد ريغن وجورج بوش الاب وبيل كلينتون وبوش الابن وصولا لإدارة اوباما 2009 ,ولم يستطيع بيل كلينون تنفيذ قرار الكونغرس بنقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس في العام 1995 , جاء ترامب وجريمته المشينة واتخذ قرار نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل في خطوة غير مبررة بل متهورة ومجنونه وغير محسوبة والغريب انه مازال يتحدث عن حل الدولتين والهدوء والاعتدال في المنطقة وامريكا نفسها تمارس الانحياز والتعصب والتميز و التطرف الصارخ المدمر لأي افاق لتحقيق السلام العادل والمنشود .
المنطقة تشتعل وطريقة اشتعالها جاءت على يد ترامب الذي يدعي انه يسعي لتحقيق الامن والاستقرار بالمنطقة على اعتقاد انه بخطوته هذه سيغير من طبيعة الصراع ويحسم الامور لصالح الحل الذي يريده دون ان يدري ان الفلسطينيين والعرب شعوبا وحتى حكومات لن يتجرأ احد منهم على الاستمرار في الصمت حيال ما قام به ترامب , قد لا يعرف ترامب ان المنطقة ستُحرم على الامريكان ومصالحهم ستتضرر كثيرا وشركاتهم ستحرق والاكثر من هذا فان النار التي لعب بها ترامب ستصل البيت الابيض , كيف قد يسأل احد ما لكني اقول ان امريكا تعتقد انها ستربح جراء هذه الخطوة لكنها ستخسر الكثير وستعود الخسارة على علاقات واشنطن بالعالم كله وليس العرب والمسلمين ووقد تلجا الدول الاسلامية والعربية على قطع علاقاتها بأمريكا وعندها سيتحرك المتربصون لترامب من المعارضين لسياساته الداخلية والخارجية وسوف يتهموه بانه عرض البلاد للخطر واودي بعلاقاتها مع العالم الى الهاوية و ضرب الاقتصاد في مقتل جراء قرار متهور لن تجني منه الولايات المتحدة سوي المزيد من الكراهية والعداء ,اما على المستوي القانوني فان الولايات المتحدة ستتهم رسميا بانتهاك القانون الدولي والتدخل غير العادل في الصراع وشئون الدول الأخرى والتسبب في اشعال المنطقة وتهديد الامن والاستقرار بدلا من العمل على تجسيده من خلال السلام العادل فلا يحق لواشنطن مهما بلغت هيمنتها السياسية على دول العالم والقرار الدولي ومهما بلغت قوتها العسكرية ان تقرر عاصمة دولة اخري وتقرر مصير اراض محتلة اعترف بها القانون الدولي وعرفها المجتمع الدولي وحمتها اتفاقيات جنيف الاربع من العبث وتغير الجغرافيا والطبيعة البشرية.
لعل ترامب يرتكب اليوم جريمة اخري بالإضافة الى جريمة بريطانيا التي تمثلت بوعد بلفور المجرم والذي كان سببا حتى الان في كل الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل وعصاباتها ومازالت ترتكب باسم هذا الوعد , فاليوم امريكا ترتكب جريمة اخري ليس اقل جرما من جريمة بريطانيا ولن تكون اقل تعزيزا لكل جرائم الاحتلال الاسرائيلي المتوقعة لممارسة مزيدا من سياسيات التطهير العرقي بحق الفلسطينيين مسلمين ومسيحين , ولعلنا اصبحنا بهذا القرار المتهور والمغامرة غير المحسوبة امام سيناريو مخيف قد تقدم عليه دولة الاحتلال من ارتكاب عملية تهجير قصري اخري لكل الفلسطينيين في مدينة القدس وتغير جغرافية محيط المدينة المقدسة من قري وبلدات عربية تتمثل في وجود اكثر من 140 الف فلسطيني ضمن حدود هذه المدينة الفلسطينية التاريخية المسلمة وبالتالي التخلص منهم وحرمانهم من حق الاقامة في قدسهم , كما وتتمثل في تصاعد وتيرة الاستيطان الاسرائيلي في كل اراضي الضفة الغربية وغور الاردن باعتبار ان اسرائيل القوة الاحتلالية اعطيت الضوء الاخضر لتمارس التصفية الحقيقية لإمكانية نشؤ كيان فلسطيني مستقل جنبا الى جنب وبالمساواة مع كيان اسرائيل , ولعل اسرائيل اليوم ستتمادى في مخططاتها الاستعمارية ليس لإراضي العام 1967 باعتبار ان استعمار هذه الاراضي وتمزيقها سيحول دون اي امكانية لحل قائم على اساس الدولتين والحقوق المتساوية والشرائع الدولية بل ايضا ستتمادي اسرائيل في رسم الخارطة الجيوسياسية الجديدة في المنطقة وستفرض قواعد جديد للعبة في سوريا وخاصة انها الان تلمح لمنطقة عازلة في الجولان السوري وتسعي ايضا لتغير الخارطة السياسية لشبه جزيرة سيناء باعتبار ان الحل الامثل والمقبول للصراع يتمثل في مركز الكيان الفلسطيني الجديد في عمق سيناء .
اليوم كتب ترامب شهادة وفاة العملية السلمية رسميا بهذا العمل الاخرق والمجنون الذي سيحول دون اي مفاوضات مستقبلية بين الإسرائيليين والفلسطينيين لبحث قضايا الحل لان الفلسطينيين لن يجلسوا تحت اي ضغط على طاولة مفاوضات وقدسهم سلبت مستقبلها الدولة الراعية للمفاوضات بقرار مسبق واتضح الانحياز الكبير لصالح قوة الاحتلال ومشاريعها وبالتالي فان العالم اليوم امام اختبار حقيقي لإنقاذ المسيرة السلمية بالتعبير عن موقفه بوضوح لرفض كل المشاريع الاميركية العنصرية على اساس الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الكيان واتخاذ كافة الاجراءات لإبطال هذا القرار الغاشم واستعادة الامن والاستقرار الذي هددته واشنطن بقرارها المجنون ,وعلى المجتمع الدولي المبادرة لعقد مؤتمر دولي كبير ومستمر لإنقاذ الشرعية الدولية وتطبيق قراراتها من خلال سلام قابل للحياة وبالتالي يتخذ من الاجراءات الضاغطة على دولة الكيان لتمتثل لإرادة المجتمع الدولي وتستجيب لمتطلبات تحقيق السلام العادل وانهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 بما فيها القدس العاصمة.
التعليقات مغلقة.