وسقط القناع عن القناع / د. فايز رشيد
د. فايز رشيد ( الجمعة ) 8/12/2017 م …
بداية، فإن كتابتي عن الأوضاع العربية في كل مقالاتي، خاصة في «القدس العربي» هي وصف لحالة والمطلوب للخروج منها، لكنني كفرد عربي فلسطيني، أومن بأن شعبنا وأمتنا هما من سيكتبان تاريخ المنطقة، ولهذا فأنا أعيش وأكتب وأؤلف، وأناضل ما استطعت، ولم أفصل يوماً ولن أفصل بين عروبتي وفلسطينيتي وإنسانيتي، فالفصل بين الوطني والقومي هو ما يخطط له أعداء أمتنا. أقول ذلك لأصحاب التعليقات الحبيبة على مقالتي في الأسبوع الماضي: الأفاضل، الكردي داود، رجاء فرنجية، غاندي حنا ناصر، والدكتور طارق الخطيب (انطلاقا من نهج الردّ المحمود على القراء، الذي سنته الأخت العزيزة المبدعة غادة السمان والتحية لها).
المطلوب حاليا من بعض العرب والصهاينة والأمريكيين تيئييس الفلسطينيين. نعم، منذ مدة والإعلام العربي منشغل بقرار ترامب حول القدس «عروسة عروبة» الذين طالما وما زالوا يتشدقون بها، وكأن الرئيس الأمريكي أصبح ظلّ الله على الأرض.
لا نيّة للعرب للرد على تهويد القدس، وإن أردتم فخذوا العبرة من كوريا الشمالية. القوي يفرض رأيه فقط على الضعفاء، الذين جعلوا مهمتهم الرئيسية إحصاء أنفاس ترامب. للعلم، هم لم يقرأونا جيدا! نعترف بأن شعبنا الفلسطيني مرّ بمنعطفات ومؤامرات ومحاولات تصفية وأحداث جابهته من الأعدقاء الأعداء، على مدى يقارب المئة عام، كانت كافية لتيئيسه، خاصة في المقارنة بين حالتين، التضحيات التي دفعها في كل مواقعه، وهي هائلة، والمعاناة التي عاشها، وبين ازدياد محاولات تيئيسه.
في كل المواقع والمنعطفات، ما يئس شعبنا، فهو يخرج من محاولات تصفيته مثل طائر الفينيق. لا يكلّ ولا يملّ، يحمل صخرته السيزيفية من جديد ويصعد الجبل. وهذا ما يؤرقهم ويقهرهم، يحيرهم ويكاد يقتلهم.
نعم سقطت الأقنعة عن كل العرب الذين تستروا بتأييد القضية الفلسطينية، وكانت أجهزة إعلامهم تتشدق بـ»أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين» محمد بن سلمان، اقترح على الرئيس الفلسطيني وفقا لصحيفة «نيويورك تايمز» بأن تكون أبو ديس عاصمة الدولة الفلسطينية (التي لن تنشأ) بدلاً من القدس وخيّره بين القبول أو الاستقالة، عارضا عليه أموالا طائلة للسلطة الفلسطينية وله شخصيًا.
الاقتراح هو إسرائيلي الأساس، اقترحه نتنياهو عام 2009، وحاول كيري فرضه في يناير 2014 تحت مسمى «مشروع القدس الكبرى». كما ذكرت الصحيفة، أن بن سلمان اقترح خطة تكون فيها الدولة العتيدة مقسمة إلى عدد من المناطق ذات حكم ذاتي، وتبقى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة «ملكًا» لإسرائيل، وكذلك لن يمنح حق العودة للاجئين الفلسطينيين. باختصار، محمد بن سلمان، جعل من نفسه ببغاءً لإسرائيل، ولسيده الأمريكي. الخوف ليس على الفلسطينيين وقضيتهم من بن سلمان، فالفلسطينيون ذوو لحم مرّ، ولن يكونوا من الهنود الحمر، بالتأكيد، فإن الخوف من هذا الذي قريبا سيتسلم العرش، أن يهوي ببلده وببعض الذين يؤيدونه من الدول العربية إلى الهاوية والانسحاب من التاريخ والجغرافيا.
لسنوات طويلة تعامل المجتمع الدولي مع الفلسطينيين كتجمعات لاجئة متفرقة، كانت بحاجة الى العطف والمساعدة والشفقة. جاءت الثورة لتقلب هذا المفهوم وتحول الفلسطينيين الى شعب مناضل، له حقوقه الوطنية. وبالمقاومة دقّ الفلسطينيون جدران العالم، فبدأ يفهم قضيتهم، وأصبحت الثورة والكفاح والتمسك بالحقوق هي العناوين الرئيسية للفلسطيني. ترجمت دول كثيرة في العالم الانتقال الفلسطيني الى الحالة المقاومة في التأييد الكبير الذي أبدته لقضيتهم وحقوقهم المشروعة. صحيح أن الظروف الدولية انتقلت إلى حالة جديدة، لكن المقاومة التي أصبحت في عرف بعض المفاهيم الدولية والعربية الجديدة ارهاباً، ظلت وستظل هي الأساس الذي تبنى عليه نظرية إجبار العدو على الاعتراف بالحقوق المسلوبة لشعب يجري احتلال أراضيه واغتصاب ارادته. ينطبق ذلك على اسرائيل التي أنكرت وجود الشعب الفلسطيني من الأساس، واضطرت تحت ضغط المقاومة إلى الاعتراف بوجوده. في المراحل التراجعية من التاريخ، يصبح الحفاظ على الذات وعلى المبادئ والحقوق الوطنية هو الهدف، لكن تحت أية ظروف وضغوطات لا يمكن المساومة على التفريط بالحقوق الوطنية للشعب. ننصح بن سلمان بالقراءة، فقد سبق لبرنارد لويس أن كتب عن المخطط المنشور علانية عام 1974، لتقسيم الوطن العربي (بما في ذلك السعودية) إلى 42 دويلة. لقد وصفه الصهيوني مساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق بول ولفوويتز حينها، قائلاً: «لقد تمكن لويس في شكل باهر، من وضع علاقات وقضايا الشرق الأوسط في سياقها الأوسع، وبفكر موضوعي وأصيل ومستقل دوماً. لقد علّمنا برنارد كيف نفهم التاريخ المعقد والمهم للشرق الأوسط، وكيف نستعمله لتحديد خطوتنا التالية، لبناء عالم أفضل لأجيال عديدة».
لقد كتب كثيرون عن مخططه، آخرهم ولن يكون أخيرهم الكاتب الصحافي البريطاني المهتم بالصراع الفلسطيني العربي – الصهيوني جوناثان كوك في كتابه «إسرائيل وصدام الحضارات»، يورد الكاتب المخطط الإسرائيلي لتفتيت الوطن العربي، فيقول نقلا عن أحد القادة الإسرائيليين: إن تفتيت مصر وسوريا والعراق إلى دويلات عرقية ودينية، على غرار ما يجري من محاولات في لبنان، هو الهدف الاستراتيجي البعيد لإسرائيل على الجبهة الشرقية، أما إضعاف هذه الدول عسكريا، فهو الهدف القريب. الغريب أيضا، أن محمد بن سلمان ومؤيديه من الضاغطين لتصفية القضية الفلسطينية، لا يطالعون تقارير الهيئات الدولية السنوية، التي تصدرها مراكز بحثية عديدة، حول العالم العربي، ومنها مثلا: تقارير التنمية الاجتماعية في الوطن العربي، تقارير وزارة الخارجية الأمريكية، تقارير «مؤسسة كارنيغي» وغيرها، اقرأها أيها الأمير، وستدرك ماذا يخطط لبلدك. للعلم، دائما ما يتابع كاتب هذه السطور، الوجه الآخر لإسرائيل، اسمعوه واقرأوه: منذ فترة أعرب رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو عن مخاوفه من زوال دولة إسرائيل خلال السنوات المقبلة، مطالباً بلاده بأن تستعد لهذا اليوم من الآن. «هآرتس» (الثلاثاء 10 أكتوبر 2017) . وردت تحذيرات نتنياهو بحسب الصحيفة خلال لقاء «توراتي» استضافه في منزله، حيث ذكر بأن مملكة «حشمونائيم» عاشت لمدة 80 سنة وأنه يعمل لضمان اجتياز إسرائيل لهذا الجيل والوصول
لـ100 سنة». بالمناسبة، السؤال ذاته تساءله آرون ميلر نائب رئيس مركز «ويدرو ويلسون» الأمريكي في مقالة له بعنوان «هل ستعيش إسرائيل مئة عام»؟ في صحيفة «واشنطن بوست»( 12 أبريل 2016) .
نتنياهو ينضم في تشاؤمه إلى مؤرخي إسرائيل الجدد الذين يتوقعون نهاية دولتهم، ومنهم: سامي ميخائيل، إيلان بابيه، أبراهام بورغ، إسرائيل شاحاك، شلومو ساند، نورمان فلكنشتاين وغيرهم، فالقائمة طويلة. باختصار، لا يشعر مهاجر استيطاني واحد بالارتباط في أرضنا الفلسطينية، حتى ولا وزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية، البولندية الأصل جيلا جملئيل، التى اقترحت إسكاننا في سيناء! ننصحها بالعودة إلى وارسو.
صحيح، أننا في الكثير من الأوقات، نصف الوضع العربي متشائمين، بالقول: عربٌ أضاعوا مجدهم والعِزّ يوزن بالذهبْ. عربٌ أضلّوا دربَهم من بعد أن فقدوا الغضبْ. عربٌ أُذلّوا واستبيحوا.. والمجد يلزمه النسبْ! عربٌ أطاعوا قاتلاً.. مدّوا رؤوساً من خشبْ، ما أنتمُ إلّا هوامشَ أحرُفٍ مُسِحتْ منذُ القديمِ من الحضارةِ والكتُبْ! هلْ أنتمُ من كنتُمُ أصلاً لا تحملون إلّا النذالةَ والعَتَبْ؟ أمشي وأسرحُ في الفلَاةِ وفي الجبالِ، لأصيح يا عارَ العربْ. فاحمل أنت أيها العملاق يا ذات المقاوم رايةً لتعيد للتاريخ قصة سؤددٍ وتصيح في الوديان يا فخر العروبة والعرب.
يبقى القول، إنني أظل متفائلاً، ولطالما استعرت في بعض مقالاتي، جملة المبدع الطاهر وتّار، في روايته «الحب والموت في الزمن الحراشي»، وتقول «ما يبقى في الوادي غير حجارة». نعم نحن الباقون على أرضنا الطيبة وهم الراحلون.
التعليقات مغلقة.