نقل السفارة تحدٍ للتاريخ ونكران للجغرافيا / ابراهيم ابو عتيلة
ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الجمعة 8/12/2017 م …
في عهد القرصنة الصهيوأمريكية يسود منطق اللامنطق وتسود شريعة اللاقانون ، فأمريكا التي تحاول فرض شرعيات وهمية مصطنعة على دول عديدة في عالمنا من كوبا إلى كوريا إلى فنزويلا فسوريا واليمن وغيرها …. معتمدة في ذلك على عتجهية ومنطق الكاوبوي ، هاهي اليوم تصر وبمنتهى الصلف والعنجهية على مخالفة ” الشرعية الدولية ” والتي اتفق العالم عليها ، فهي تصر وبكل غباء وعنجهية على اغتصابها لحق الشعوب في الحرية وملكيةا تلك الشعوب لثرواتها ومواردها على امتداد العالم فلا نكاد نعرف بلداً يخلو من تأثير القرصان الأمريكي إما بشكل مباشر أو من خلال توظيف عملائها عبر العالم .
أمريكا التي تستغل شعار حقوق الإنسان من أجل قهر الإنسان ، وأمريكا التي تستغل شعارات التطور في الإدارة ونظريات الخصخصة من أجل إفقار ونهب الشعوب ، أمريكا البنك الدولي والشركات العابرة للقارات ، أمريكا المتصهينة بقيادة التوراتيين والمحافظين الجدد ، تضرب بعرض الحائط بكل شعاراتها البراقة وإدعائها بالحرص على السلام العالمي حيث يخرج علينا رئيسها السمسار الملياردير بمحاولة تغيير التاريخ ووإلغاء الجغرافيا عن طريق محاولته انتزاع حق شعب في أرضه وعاصمته ومنحه لعصابات غازية محتلة لأرض ذلك الشعب .
لم تكتف أمريكا بتدمير سوريا والعراق وليبيا ولا بمحاصرة فقراء وجوعى اليمن ، ولم تخجل من جرائمها الكثيرة ضد الإنسانية ، ولا بمحاولة تقسيم دولنا بحجة الديمقراطية وحق تقرير المصير ، فقد أصرت يوم أمس على إضافة جريمة على قوائم جرائمها الكثيرة ، تلك القائمة التي ظن البعض بأنها قد أقفلت وذلك ارتدت ثوب العفة الكاذبة ورعاية السلام الموهوم ، حيث قامت بتخدير البعض من العرب والفلسطينيين وايهامهم بأنها راع محايد في ما يسمى ب “عملية السلام ” بين غاصب ومغتصَب بين قاتل وضحية بين مجرم وبريء وكان هدفها منذ البداية وما زال نصرة شبيهتها وربيبتها ” دولة الاحتلال والقتل والإرهاب الصهيونية ” .
لم أستغرب قرار ذلك الموتور المتعصب صهيونياً وتوراتياً .. لم أستغرب للحظة منطق عنجهية الكاوبوي .. فلو دققنا في القرار لرأيناه قد جاء تنفيذاً لقرار متخذ صهيوأمريكياً من قبل الكونغرس الأمريكي قبل 22 عاماً عندما تقرر صهيونياً نقل سفارة الكابوي إلى القدس باعتبارها عاصمة ” الكيان الغاصب ” حيث كان هذا القارار أحد عناوين حملة الوعل الأمريكي ” ترامب ” الانتخابية ، قرار تم بحثه وتأجيل تنفيذه قبل شهور ستة … وفي الوقت الذي لم أستغرب فيه هذا القرار أشعر بخية أمل كبيرة وبحالة من الذهول من موقف بعض العرب ومن قيادة ما يسمى ” منظمة التحرير الفلسطينية وكأن القرار قد جاء مفاجئاً لهم ولم يتوقعوه …فقيادة تلك المنظمة أصبح كل همها وعشقها يتلخص بالمفاوضات حيث باتت المفوضات لديهم حياة فلو انتهت المفاوضات فستنتهي حياتهم .
ومن هنا وما أن انتهى الوعل الأمريكي من كلمته وإعلان قراره ، حتى تعلقنا بالإذاعات ومحطات التلفزة ليظهر لنا ” البطل ” رئيس السلطة الفلسطينية والذي سبق أن بشرنا بصفقة العصر ، صفقة ترامب ، واعتبر تلك الصفقة جرأة من الوعل الأمريكي رغم كل ما نُشر عن تلك الصفقة والتي عرفها رجل الشارع البسيط والتي تتضمن يهودية الدولة واللا عودة للاجئين الفلطينيين وبأن القدس تكون عاصمة للكيان الصهيوني وأشياء أخرى .. خرج علينا ” البطل ” القائد” زعيم السلطة ليقول بأنه سيتابع ما يجري وسيدعو المجلس المركزي وليعلن ويؤكد اهتمامه بما سُمي عملية السلام …
لقد تجاوز الوعل الأمريكي كل منطق وكل شرعية ، وأعلنها صهيونيته بإمتياز ، لقد ضرب ترامب عرض الحائط بكل قرارات ما يسمى بالشرعية الدولية عن القدس عرض الحائط بما فيها قرارات كان لدولته دوراً فيها ووافقت عليها من خلال مجلس الأمن ، وللتذكير أدرج هذه أرقام وتواريخ صدور هذه القرارات :
· 242– صدر في 22 نوفمبر/تشرين الثاني1967، وفيه يدعو مجلس الأمن الدولي إسرائيل للانسحاب إلى حدود ما قبل حرب 1967.
· 251- صدر في 2 مايو/أيار 1968، ويستنكر القيام بعرض عسكري إسرائيلي في القدس.
· 252- صدر في 21 مايو/أيار 1968، ويدعو مجلس الأمن إسرائيل إلى إلغاء جميع إجراءاتها التعسفية لتغيير وضع المدينة.
· 267- صدر في 3 يوليو/تموز 1969، ويشجب جميع الإجراءات المتخذة من جانب إسرائيل والهادفة إلى تغيير وضع القدس.
· 271- صدر في 15 سبتمبر/أيلول 1969، ويندد بمحاولة حرق المسجد الأقصى وتدنيس الأماكن المقدسة.
· 465- صدر في الأول من مارس/آذار 1980، ويطالب إسرائيل بتفكيك المستوطنات القائمة والتوقف عن تخطيط وبناء المستوطنات في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس.
· 476- صدر في 30 يونيو/حزيران 1980، ويعلن بطلان الإجراءات الإسرائيلية لتغيير طابع القدس.
· 478- صدر في 29 أغسطس/آب 1980، ويتضمن عدم الاعتراف بالقانون الإسرائيلي بشأن القدس ودعوة الدول إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية من المدينة.
لم نتفاجأ من قرار ترامب ، ولكنا لم نتوقع صدور قرار مثل هذا تصفع به أمريكا وجوه حلفائها وتؤكد من خلاله بأن ليس لأمريكا صديق إلا كيان الصهاينة الغاصب ، وأتفهم سياسة أمريكا بأن لكل متحالف معها فترة صلاحية محددة ودور محدد يقوم به ، وأتساءل هل انتهى هنا دور ما يسمى بالسلطة الفسطينية وهل تم تكفين حل ” الدولتين ” ، وهل بدأت فعلياً صفعة القرن ، فالقدس كانت إحدى ما يسمى بنقاط الحل الدائم الذي قرر ترامب الخلاص منها من خلال قراره وهي بالتأكيد عنوان واضح ليهودية الدولة إذ تضمن إعلان ترامب ضمناً الخطوة الأكبر في يهودية الدولة من خلال تهويد القدس كرمز فلسطيني وعربي وإسلامي مشيراً في هذا المجال إلى ما صرح به نيتنياهو عقب قرار ترامب بأنه يتوجب عند الحديث عن ” السلام ” الإعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال ، فماذا بقي من صفعة القرن ؟؟؟ ما بقي من صفعة القرن أن يتم حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بتوطينهم في أماكن تواجدهم وفتح باب الهجرة لمن يرغب منهم ضمن شروط تقررها الصهيوأمريكية مقرونة بتبادل الأراضي في الضفة والنقب وسيناء لتوسيع غزة .. ولعل ما نشر عن هذا موضوع الشيء الكثير .
ومن منطق التاريخ ومن لغة الجغرافيا فإن قرار ترامب لم ولن يغير شيئاً ففلسطين كل فلسطين هي أرض محتلة منذ سبعين عاماً من بحرها لنهرها ، ولن يستطيع ترامب أو غيره تقزيم قضيتنا المركزية من خلال نقل سفارة أو بالاعتراف بمدينة عاصمة للاحتلال ، فالقدس هي عاصمة العرب وهي عاصمة الهلال الخصيب الروحية وهي عاصمة فلسطين ، وإن قال أحدهم فلتغير فلسطين عاصمتها لتصبح ” أبوديس ” مثلاً ، فإني لا أجافي الحقيقة عندما أقول …. نعم … نوافق على تغيير عاصمة فلسطين لتصبح يافا عاصمة دولة فلسطين ” المدنية” ولتبقى القدس عاصمتنا الروحية على اختلاف مذاهبنا وطوائفنا ومعتقداتنا.
وفي غمرة ردود الفعل على قرار الوعل الأمريكي وأثناء تسطيري سطوري هذه … وردتني كلمات وموقف من صديق متميز في عروبته … موقف عبر فيه عن مشاعره ومشاعري في آن واحد حين قال : أمس وأثناء تلاوة ترامب لقراره شعرنا بالخروج من جلودنا ، وخرجنا على ذواتنا ، شعرنا كم نحن اذلاء بلا قيمة ، شعرنا كم وصلنا الى مرحلة متدنية في سلم الحضارة ، أمس كم كان اليوم أسود ، ومليئاً بالحزن ، أمس شعرنا كم نحن أقزام ، وبأن العالم من حولنا يلعب فينا كيفما شاء ، أمس شعرنا باليتم الحقيقي ، وأن ذلك الوعل ترامب يتعمد إهانة القدس ” مدينة السلام ” وبإهانته للقدس فقد أهان وطننا العربي كله ، وإن ما اقدمت عليه الادارة الصهيوأميركية كان أشد وقعاً من نتائج حرب 1967 ، لقد شعرنا يوم أمس ومن خلال ردود الفعل العربية والفلسطينية بأن فلسطين قد ضاعت إلى الأبد بعد أن هادن وحالف الرسميون العرب ذلك راعي البقر الأميركي المجنون بعظمته ، فقد شعرنا يوم أمس بأن الهدف ليس فلسطين فقط بل وجود الامة وكينونتها، لقد أدركنا يوم أمس حجم المؤامرة الداخلية والخارجية على الامة العربية وأدركنا حجم الهوان الذي نعيشه من خلال المواقف الرسمية التي لا تغني ولا تسمن من جوع ، لقد أعلمنا الوعل الأمريكي بأن قيمتنا بين الامم دون قيمة الصفر ، كل ذلك يؤكد دونما نقاش بأن عودتنا لأخذ مكان لنا بين الامم لا تكون الا بالمقاومة ، وان الحديد لا يفله الا الحديد ، وبأن العالم لا ولم ولن يفهم الا منطق القوة ، ولا يعنيه أبداً قوة الحق والمنطق ، وأن لا سبيل أمام أمتنا إن ارادت لها موقعاً محترما بين الامم إلا الوحدة ، وحدة الموقف والمصير وتكاتف القوة …
لقد تيقنا يوم أمس مما نشأنا عليه من قول بأن أميركا هي رأس الحية والمعتدي الأول على هذه الأمة والمدافع عن المعتدين على هذه الأمة ،،، فهل يتعظ المضللون .
التعليقات مغلقة.