الجامعة العربية.. ومصادرة المستقبل العربي/ عبدالحفيظ سليمان ابو قاعود
عبدالحفيظ سليمان ابو قاعود* ( الأردن ) الإثنين 11/12/2017 م …
قرارات مجلس الجامعة العربية منذ تأسيسها خلال الفترة من 1945- 1952 ومن 1971 ،الى الان ماعدا بعض القرارات في العهد الناصري على مستوى القمة او على مستوى الوزاري او المندوبين الدائمين ،انصبت في غالبيتها في خدمة المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة باعتبارها احدى المنظمات الاقليمية في اطار النظام الدولي القائم ، الذي وجد في الاساس لدعم إسرائيل ووظيفتها الاقليمية كشرطي وحارس للمصالح الامريكية والغرب المتصهين.
واصبحت الجامعة اداة من ادوات تنفيذ الاستراتيجية الامنية الامريكية الاسرائيلية المشتركة في حماية المصالح الحيوية الامريكية وضمان امن إسرائيل وديمومة المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة، ومصادرة المستقبل العربي في الاستقلال السياسي والاقتصادي ومنع قيام المشروع النهضوي الحضاري للامة العربية .
فالاستراتيجية الامريكية الاسرائيلية المشتركة التي جاءت في اطار معاهدة التعاون الاستراتيجي ،التي وقعها الرئيس الامريكي ريغان والارهابي شامير في العام 1988، وتقوم على ثلاث شروط اساسية ، هي ؛
الاول:- اجراء مصالحة مكشوفة مع إسرائيل” وفق مسار السادات الاستسلامي الذي جاء في اطار الخطة الجيوسياسية الاسرائيلية” القطاع المزدوج ” المعتمدة من حكومة الارهابي اسحق رابين في العام 1976 .
الثاني:- الانضواء في منظومة التحالف الامني الاقليمي / الحماية الامنية المباشرة ، والتفاهم والتعاون العسكري ،والتحالف من خارج الناتو/.
الثالث :- التفاهم مع مملكة ال سعود حول البندين السابقين/ باعتبارها الخزان المالي والبشري للمشاريع الامريكية الاسرائيلية قي الاقليم والمنطقة.
وفي المقابل هناك زعيمان عربيان لم يوافقا على هذه الشروط والاملاءات الامريكية ،هما؛ الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ،الذي واجه نتيجة هذا الموقف الاحتلال الامريكي البريطاني 2003،وانهاء نظامه وتدمير مشروعه النهضوي .
والرئيس السوري بشار الاسد، واجه نتيجة هذا الموقف و حماية محور المقاومة العربي الاسلامي ؛ مؤامرة الحرب الكونية على سورية ومن سورية منذ سبع سنوات .
وحزب الله المقاوم الذي حرر الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي عام 2000 ، وانهى اسطورة الجيش ،الذي لا يقهر عام 2006،ولم يستجيب الى الاملاءات الامريكية الثلاث ،وعزز معادلة ؛ الشعب والجيش والمقاومة في لبنان، التي منعت الانخراط في منظومة التخالف الامني الاقليمي والمصالحة المكشوفة مع اسرائيل ، وامن الحزب مستلزمات صمود المقاومة الاسلامية في غزة .
واستطاعت الدولة الوطنية السورية وحزب الله وبدعم من الجمهورية الاسلامية الايرانية من تأسيس محور المقاومة العربي الاسلامي ،بحيث شكلت “سورية الاسد” الضلع الاساس لهذا المحور ، وبالنصر السوري على الارهاب التكفيري المسلح استكملت جبهات المحور على شكل “هلال مقاوم ” من طهران الى دمشق بتحرير العراق من “الدواعش“.
فالرئيس اللبناني الاسبق اميل لحود كشف دور الجامعة في تصفية قضية فلسطين بأسقاط حق العودة ،حيث تصدى بجنكة ودهاء الى مؤامرة اسقاط حق العودة للفلسطينيين في ما اطلق عليها مبادرة “السلام العربية”، التي اقرت في مؤتمر القمة العربية في بيروت ، ومحاولات سعود الفيصل وعمرو موسى المتكررة لأسقاط حق العودة في قمة الرياض في محاولة يائسة في تمرير اسقاط حق العودة للفلسطينيين مجددا ،لكن الرئيس لحود تصدى لهذه المؤامرة مرة ثانية ولم تفلح جهود امين عام الجامعة وسعود الفيصل هذه المرة في تمرير مشروع القرار .
ادوار امناء عام الجامعة من عبدالرحمن باشا العزام الى ” ابي الغيط” في قضية اللاجئين الفلسطينيين يدعو الى استجلاء حقيقة دور الجامعة العربية في تنفيذ وعد بلفور ، لا بد من العودة الى دورها في العام 1947 في عملية البحث عن مناطق لإيواء اللاجئين الفلسطينيين في الاردن قبيل نشوب الحرب العربية – الاسرائيلية الاولى 1948 بعد رفض العرب للقرار الاممي الجائر بتقسيم فلسطين .
لقد كانت خطوة بريطانيا الاولى في تنفيذ وعد بلفور عبر تطبيق القرار الاممي بتقسيم فلسطين ؛ للتمهيد لإقامة” النظام الإسرائيلي” في فلسطين عام 1948 في اطار المشروع الصهيوني في فلسطين ؛ تحقيق فكرة ” ايدن ” بإقامه منظمة اقليمية / جامعة الدول العربية / للأنظمة العربية ، التي نالت الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية وقبلها، بهدف منع قيام وحدة عربية اولا ، وتهيئة المناخ والظروف الموضوعية والعوامل المساعدة لإقامة الكيان الإسرائيلي في فلسطين ثانيا . تزامن ذلك مع انتهاء الانتداب البريطاني على كل من الاردن و فلسطين و انسحاب القوات البريطانية من فلسطين في عام 19472·
لقد جاء تأسيس جامعة الدول العربية في العام 1945 ، لوظيفة مرسومة في اطار المشروع البريطاني لتنفيذ وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ؛ كمنظمة اقليمية لمجموعة الانظمة التي استولدتها اتفاقية ” سايكس بيكو” ، بعد ان وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها ، وقيام منظمة الامم المتحدة في العام 1945 ، واستكملت اطر النظام الدولي القائم ،الذي جاء بالاساس لرعاية المشروع الصهيوني في فلسطين بإقامة دولته بالاغتصاب السلح ،بحيث أصبحت الجامعة احدى أذرعه في تنفيذ السياسات الدولية على العرب باستثناء حقبة مشروعي الاستنهاض الحضاري للامة .
وللتمهيد للحرب العربية – الاسرائيلية الاولى ، واستيعاب نتأئجها ؛زار اول امين عام لجامعة الدول العربية ” عبدالرحمن باشا العزام “ الاردن عام 1947 ، وذلك في اطار ” مهمة خاصة ” للبحث عن ” مناطق” في الاردن لإيواء اللاجئين الفلسطينيين بعد حرب كان النظام الدولي يخطط لها ، وكشفت نتائجها مهمة “الباشا” امين عام الجامعة الذي ذهب ضمن برنامجها الى “زرقاء شبيب” للبحث عن مناطق قريبة من مصادر المياه للإيواء ” اللاجئين الجدد” فيها جراء حرب ستقوم في العام المقبل 1948 ،بعد الانسحاب البريطاني المبرمج و الممنهج من فلسطين بعد اعلان انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين للشروع بتنفيذ الوعد لليهود بعد فشل الجهود الدولية في اقناع العرب في القبول بقرار التقسيم الدولي لفلسطين بين العرب واليهود .
لقد اختيرت ” زرقاء شبيب ” بالأمس / محافظة الزرقاء / اليوم من قبل اول امين عام للجامعة العربية , لاستيعاب اكبر تجمع لللاجئين الفلسطينيين في الاردن منذ عام 1948/عام النكبة / حيث ذهب عزام باشا بنفسه للبحث عن التاجر الشيشاني الشهير ” بولاد” للاستدلال على مناطق قريبة من مصادر المياه , لتكون مكانا لإيواء الافواج من اللاجئين الفلسطينيين جراء حرب بين العرب واليهود بعد خرزج الانتداب البريطاني على فلسطين.
وكان العرب قد رفضوا قرار التقسيم الدولي من اساسه في حين قبل به اليهود و منظماتهم ، حيث جال ممثلو الحركة الصهيونية العالم ، لشرح ابعاد قبولهم للقرار الاممي بالتقسيم فيما كانت الدبلوماسية العربية “المستقلة ” حديثا في اجازة . في حين كانت الجامعة العربية الوليدة تستعد لنتائج و تداعيات حرب رسمت سيناريوهاتها في لندن عاصمة القرار الدولي آنذاك بالاتفاق مع دول الجامعة العربية ، ولكن زيارة “الباشا” الى “زرقاء شبيب ” للحقيقة التاريخية فتحت باب وحدة ” الضفتين “.
لذا نروي قصة من وثائق مؤتمر اريحا الوحدوي الذي جاء بمبادرة من زعماء الخليل التي تشير الى انه حينما سمع “فطين طهبوب” احد زعامات مدينة “خليل الرحمن” الذي يحمل امانة مفاتيح الحرم الابراهيمي بمهمة
وكانت زعامات الخليل على علاقات وطيدة مع الملك عبدالله الاول و منهم المرحوم الشيخ “فطين طهبوب” و “الشيخ الجعبري” قد مهدت لمؤتمر اريحا في عان 1950 ،حيث بادر “فطين” وله من اسمه نصيب ، بوضع مفاتيح الحرم الابراهيمي حول عنق الملك الراحل عبدالله الاول ،حيث انقذ “فطين” الفطين “الخليل” من الاحتلال عام 1948 ، وهنا يكمن سر انضمام الخليل الى “الادارة الاردنية” في عام 1948 قبل الوحدة الاردنية – الفلسطينية ، و تنظيم مؤتمر اريحا الوحدوي .
لقد عارضت الجامعة العربية “وحدة الضفتين ” بعد صدور دستور 1952 ، حيث جرت بين الاردن و مصر حرب اعلامية و استخبارية طاحنة منذ عام 1952 الى عام 1967 ، عام النكسة الذي خسرت فيه الاردن ” الضفة الغربية ” و مصر سيناء وتدمير جيشها و سوريا هضبة الجولان.
كما استخدمت الجامعة العربية كأداة تقريرية على انهاء الوحدة الاردنية الفلسطينية مرة اخرى بإصدار ” قرار الرباط” في عام 1974،وتأييد فك الارتباط الاداري و القانوني مع الضفة الغربية المحتلة في عام 1988،لاستكمال حلقات كامب ديفيد.
وفي عام 1990-1991 مهدت الجامعة للعدوان الثلاثيني على العراق بتدمير نظامه السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي بالسماح لقوات الغزو الثلاثيني في عام 1991 بحجة تحرير الكويت بقرارات قمة عربية ، واحتلاله وتدمير حضارته و البنى التحتية و الفوقية في عام 2003 ، الى اجيال اتية .
وكان عراب تدمير العراق النظام المصري بقيادة حسني مبارك ،الذي كان قد وقع مع الولايات المتحدة الامريكية في عام 1988 مذكرة تفاهم تعاون عسكرية لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد ، لاستعمال الجيوش الامريكية الموانئ البرية و البحرية و الجوية المصرية لتدمير العراق ، وقد تم ذلك و شاهدناه على فضائية الجزيرة في عام 2003 ، وقبلها على شاشات محطة سي ان ان الامريكية في عام 1991.
استخدمت الولايات المتحدة الامريكية و حلفاؤها حول العالم ؛ الادوات و الاساليب و الاسلحة والانظمة وهيئات الامم المتحدة والمنظمات الاقليمية في تدمير العراق و حضارته في حجج واهية و ذرائع وهمية ، سيقت باستخفاف بالجماهير العربية ،حيث سخرت قوى الاستكبار العالمي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية ؛ الاعلام الفضائي المفتوح في تضليل الجماهير العربية ، والمجموعات
فقد اصبحت مملكة ال سعود صاحبة النفوذ في المنطقة بخروج مصر من معادلة الصراع العربي الصهيوني بتوقيع انور السادات كامب ديفيد 1979 ، بحيث سيطرت منظومة التحالف الامني الاقليمي / على قرارات مجلس الجامعة ، وصارت الجامعة العربية القناة الرئيسية باستصدار القرارات المصيرية ، التي تخلق الظروف الملائمة لمصادرة المستقبل العربي وتدمير مشاريع الاستنهاض الحضاري للامة ” العراق وسورية وليبيا نموذجا.
لكن نفوذ مملكة ال سعود على دول المنطقة في انهيار بعد تنامي النفوذ الايراني في الاقليم والمنطقة لذا نجد الرئيس الامريكي السابق قد نصح مملكة ال سعود بتقاسم النفوذ مع ايران ،فلم تجد اذانا صاغية لنصيحة العارف بخفايا السياسة الدولية وتعاظم النفوذ الايراني في الوطن العربي ، فأخذتهم العزة بالإثم ،لتخرج “المملكة ” بخفي حنين بعد انتصارات محور المقاومة على الارهاب التكفيري ومنظومة التحالف الامني الاقليمي .
فالمراقب لسلوكات وزيري خارجية مملكة ال سعود السابق واللاحق في اجتماعات مجلس الجامعة ؛ يجد انها دالة على انهما عرابي قرارات الجامعة المتعلقة بمستقبل الامة السياسي والاقتصادي والاجتماعي والصراع العربي الاسرائيلي وتصفية قضية فلسطين ، وفي التبعية لقوى الاستكبار العالمي ،وفي تبني قرارات الامم المتحدة والنظام الدولي احادي القطبية واذرعه الاقتصادية ” ثقافة العولمة” .
الخلاصة والاستنتاج ؛
– الجامعة العربية كانت ومازالت ؛ الاداة التقريرية لتنفيذ السيناريوهات المعدة في عواصم القرار الدولي والجاهزة للتنفيذ لحماية ” اتفاقية الكامب ” و ملحقاتها. وحيث حيكت مؤامرة الحرب الكونية على سورية ومن سورية لتفتيتها لقطع راس محور المقاومة.
– النظام الاقليمي العربي ، الذي ارسى مرتكزاته “ايدن” بتأسيس جامعة الدول العربية و هياكلها التقريرية، حيث بات منذ تأسيسها عبئا ثقيلا على الامة العربية و حلقة من حلقات التآمر على المستقبل العربي ، ابتداءاً من “الدور الانساني” ،المزعوم ،الذي لعبه ” عبد الرحمن باشا عزام ” في ايواء اللاجئين الفلسطينيين في “زرقاء شبيب” ، ومرورا بالدور الذي لعبه ” عمرو موسى” و غيره من امناء عام الجامعة في تدمير العراق ، ومرورا بالأدوار التي يلعبها ” الامناء العامين ” المتعاقبين في تدمير سورية قلب العروبة النابض وليبيا واليمن، وانتهاء بالدور الاخير للجامعة في إذكاء شرارة الفتنة الطائفية في لبنان بإعلان حزب الله المقاوم منظمة ارهابية خدمة ليهودية الدولة في فلسطين المحتلة وتلبية للإملاءات الامريكية لفرض شروطها على لبنان وسورية والعراق واليمن لأجراء مصالحة مكشوفة مع إسرائيل ،والانضواء في منظومة التحالف الامني الاقليمي ، والبقاء تحت نفوذ مملكة ال سعود .
– لقد اصبحت الجامعة العربية” بيت الطاعة ” في يد الولايات المتحدة الامريكية في تنفيذ مخططات سياساتها العدوانية في مصادرة المستقبل العربي للحفاظ على مصالحها الحيوية في المنطقة و امن النظام الإسرائيلي في فلسطين المحتلة.
– العمر الافتراضي لجامعة الدول العربية قد انتهى ،لان انتصارات محور المقاومة العربي الاسلامي ستطوي صفحة سايكس – بيكو الى فجر جديد يحقق متطلبات الدورة الحضارية الثالثة للعرب والمسلمين التي انبلج شعاع نورها من سورية وارض الرافدين الى المشرق العربي . برمته .
– قرار الجامعة لمقاطعة سورية اقتصاديا و دبلوماسيا واسقاط عضويتها جاء من جثة هامدة لا حراك فيها ؛ تنقعه و تسرب “ميتو” الانظمة ، التي اقرته ضد عضو مؤسس فيها تلبية لطلب امريكي – اوروبي لإخراج سورية من معسكرها الطبيعي المقاوم .
– سورية ونظامها السياسي المقاوم ؛ اخر قلاع الصمود و التصدي للمشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة ولا يعيبها الانضواء في المحور المقاوم لإسرائيل بعد خروج العراق من دائرة المقاومة بعد احتلاله من الولايات المتحدة الامريكية و تدمير بناه التحتية و الفوقية لبعض الوقت.
– جاء قرار جامعة الدول العربية بمقاطعة سورية اقتصاديا و سياسيا وتجميد عضويتها بسبب انضوائها في محور ” المقاومة ” ، لتقديمها الدعم اللوجيستي لحزب الله ، الذي صنع معجزة الانتصار على الجيش، الذي لا يهزم في ملحمة بطولية عام 2006 ، وفي التصدي للمشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة في تأمين مستلزمات صمود المقاومة في حروب تدمير غزة 2008- 2014.
– كشف قرار الجامعة العربية الوزاري الاخير باعتبار حزب الله وانصار الله ؛ منظمات ارهابية ، وايران دولة ترعى الارهاب عن جزء من سيناريو من مؤامرة امريكية إسرائيلية على محور المقاومة تنفذه ادواتهما الاقليمية، بعد انهيار “دولة الدواعش ” المزعومة بتحرير سورية وارض الرافدين من المجموعات الارهابية التكفيرية المسلحة .
– أعاده النظر في النظام الاقليمي العربي ” جامعة الدول العربية ” من حيث الإلغاء او استيلاد مشروع تكوين سياسي وتعاون اقتصادي عربي جديد ، تشكل خطوة اولى لدولة اتحادية في بلاد الشام وارض الرافدين ومقدمة للوحدة القومية للامة. انتهى
* صحافي ومحلل سياسي
التعليقات مغلقة.