بعد الإتهامات المُتبادلة… لهذه الأسباب أردوغان في إيران / ناجي البستاني

 

ناجي البستاني ( الإثنين ) 6/4/2015 م …

بعد يوم واحد على إنطلاق عمليّة “عاصفة الحزم” العسكريّة في 26 آذار الماضي، أكّد الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان دعم بلاده لها، وطالب إيران بسحب قوّاتها من كلّ من اليمن وسوريا والعراق، وإتهمها بالسعي إلى الهيمنة على المنطقة، مشيراً إلى أنّ السلوك الإيراني في المنطقة لا يمكن تحمّله(1). وقد ردّ عليه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بإتهام أنقره بزعزعة الإستقرار في الشرق الأوسط. لكنّ وعلى الرغم من هذه التصريحات المتبادلة والعالية السقف، ومن التوتّر في العلاقات الإيرانيّة التركية، من المُقرّر أن يلتقي أردوغان في الساعات القليلة المُقبلة عدداً من كبار المسؤولين الإيرانيّين خلال زيارة مهمّة له إلى طهران(2)، بعد أنّ فضّلت القيادة الإيرانية عدم التجاوب مع النوّاب المُحافظين الذين طالبوا بإلغاء زيارة أردوغان، وإكتفت بالإستدعاء الذي قامت به وزارة الخارجية الإيرانية للقائم بأعمال سفارة تركيا في إيران لمطالبته بتوضيحات بشأن تصريحات أردوغان. فما هي مواضيع البحث، وماذا تريد تركيا من إيران وماذا تريد إيران من تركيا؟

على المستوى الإقتصادي، ستكون مسألة تعزيز التعاون التجاري بين البلدين ضمن بنود البحث بغضّ النظر عن التوتّر السياسي بين الطرفين، خاصة وأنّ قيمة التبادل التجاري السنوي بين تركيا وإيران يُقدّر حالياً بنحو 18 مليار دولار أميركي، وهو مُرشّح للتصاعد بشكل كبير بمجرّد رفع العقوبات الغربية على إيران. وتُعوّل تركيا كثيراً على الغاز الطبيعي الإيراني الذي يأتي بالدرجة الثانية بالنسبة إليها بعد الغاز الروسي، علماً أنّها تطالب بخفض سعره. وتأمل أنقره التي لعبت دوراً مُهمّاً في تقريب وجهات النظر بين الغرب وإيران بالنسبة إلى الملفّ النووي، بأن تنال مكافآت على ذلك، من خلال تفعيل الإستثمارات والأعمال التجاريّة.

على المستوى الأمني، وإضافة إلى المواضيع المُتفق عليها بين الطرفين والتي يُنتظر أن يتم تعزيزها خلال إجتماعات الوفد التركي الرفيع برئاسة أردوغان مع كبار المسؤولين الإيرانيّين، ومنها مثلاً مسألة ضبط عمليّات التهريب عبر الحدود المُشتركة بين إيران وتركيا، و مسألة رفض تحوّل الحُكم الذاتي للأكراد في شمال العراق إلى دولة مُستقلّة بامتدادات عرقيّة إقليميّة، وهو موضوع يلقى عدم ترحيب من أنقره وطهران على السواء، سيتناول الطرفان مسألة الوضع العسكري المُتدهور والخطير في اليمن، والذي طغى على خلافاتهما السابقة بشأن كل من سوريا والعراق.

وبحسب أكثر من متابع للعلاقات التركية-الإيرانيّة، إنّ إيران تريد وقف الإمدادات العسكريّة اللوجستيّة من تركيا لبعض مُعارضي النظام السوري، وعدم تورّط أنقره بأيّ عمل عسكري عدائي ضد النظام السوري أو في فرض أيّ حظر جوّي فوق سوريا شبيه بما جرى في اليمن. كما تريد تخفيف الدعم التركي لبعض العشائر العراقية، ورفع “الفيتوات” التي تضعها أنقره على تحرّكات طهران لضرب “الإرهابيّين” في العراق. لكنّ المطلب الأهم بالنسبة إلى إيران حالياً يتمثّل في عدم مُشاركة تركيا، بأيّ شكل من الأشكال، في العمليّات العسكريّة ضد جماعة “أنصار الله” وحلفاءها في اليمن، حتى على الصعيد اللوجستي والإستخباري. وترغب طهران في أن تلعب أنقره بدلاً من ذلك دور الوسيط مع دول الخليج، لتخفيف التوتّر مع إيران، ولإيجاد تسوية سياسية للوضع المُتفجّر في اليمن.

في المُقابل، تريد تركيا من إيران، بحسب نفس هؤلاء المُتابعين للعلاقات التركية – الإيرانيّة، وإضافة إلى المسائل الإقتصادية والتجاريّة التي أشرنا إليها أعلاه، أن تمتنع إيران عن إرسال السلاح والذخائر إلى “الحوثيّين” في اليمن، وأن تكفّ يد الميليشيات الشيعيّة المُسلّحة في العراق، وأن تُبقي الصراع مع تركيا بالنسبة إلى المسألة السورية على المستوى السياسي. ويهدف الرئيس التركي الذي تنتظره إنتخابات نيابيّة مهمّة في تركيا في السابع من حزيران المقبل، إلى إبلاغ القيادة الإيرانية أنّه على إستعداد لتجاوز خلافاته السابقة مع كل من السعودية ومصر، بسبب صراع النفوذ الإقليمي مع الأولى وبسبب تناقض النظرة إزاء جماعة “الإخوان المسلمين” مع الثانية، في حال إستمرار طهران بالعمل على توسيع نفوذها الميداني في المنطقة عبر سياساتها الهجوميّة.

في الختام، لا بُد من التذكير أنّه على مدى التاريخ، وتحديداً من أيّام الدولتين العثمانية والصفويّة وصولاً إلى اليوم، شهدت العلاقات الإيرانية – التركيّة، مراحل تباعد ومراحل تقارب. واليوم، ومع تراجع الدور العالمي في المنطقة، وتحديداً الدور الأميركي، تعمل الدول الإقليميّة الفاعلة، أيّ كل من تركيا وإيران وكذلك مصر والسعوديّة على سدّ هذا الفراغ وعلى توسيع نفوذها قدر المُستطاع. وإذا كانت إيران تتحرّك من موقع قوّة، نتيجة بداية حلحلة مشاكلها مع الدول الغربيّة، وخصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركيّة، وبفعل نفوذها السياسي والعسكري المتزايد في أكثر من دولة عربيّة، فإنّ تركيا تسعى حالياً للتحرّك من موقع قوّة أيضاً، عبر التلويح بورقة تقاربها المتصاعد مع السعودية وغيرها من الدول العربيّة، والتلويح بإمكان إصطفافها إلى جانب كل من السعودية ومصر وغيرهما في حال لم يتمّ مراعاة مطالبها ومصالحها. باختصار إنّه زمن التحوّلات السياسية والعسكريّة والميدانيّة الكبرى… ومعها البقاء هو للأقوياء فقط !

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.