القدس .. جزء يسير في مشروع ” كامبل ” الغربي المقر سنة 1907
الجمعة 22/12/2017 م …
الأردن العربي – محمد شريف الجيوسي –
يستغرق البعض في الحديث عن المسجد الأقصى المبارك وكأنه هو القدس برمتها، أو القضية الفلسطينية بكليتها،أو مجمل الإستعمار الصهيوني الإستيطاني الإحلالي العنصري التوسعي على الأرض العربية في فلسطين ولبنان وسورية والأردن، وفي الاتفاقيات المذلة المعقودة معه ، ما هو معلن منها وغير معلن،بل وفي علاقات البعض مع(إسرائيل) التي بلغت حد التحالف.
ولو عدنا للآية الكريمة( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) للاحظنا النص القرآني (الذي باركنا حوله)وحول الشيء لا يعني الشيء ذاته فحسب ولا هو الذي على مبعدة أمتار أو فراسخ منه فحسب،وإنما المسافة والواقع الذي يحقق أمنه وسلامته، والوصول الآمن العزيز إليه، فضلاً عن توفر الوسائل التي تضمن ما سبق،والوصول الآمن للأقصى للتعبد غير مضمون بشكل مستدام ولا مكفول طالما الكيان الصهيوني قائما ومتفوقا عسكريا ومدعوما من قبل المحور الأمريكي وحلفائه، وهو أمر أثبتته الأيام .
وإذا كان الحجيج إلى مكة المكرمة يقتصر على أوقات محددة فإن التعبد في الأقصى مطلق لا أوقات محددة له، ولا يقتصر على أهل البلاد من الشعب الفلسطيني، ولا على المسلمين فحسب ، وإنما يتعلق أيضا بالمسيحيين بالتعبد في كنائسهم بكل طوائفهم، ما يستوجب استدامة وشمول أمنه، وتحقيق ما يستوجب هذه الإستدامة ، وعليه وعلى افتراض أن الولايات المتحدة قد عادت عن قرارها بنقل سفارتها إلى القدس فإنه لا تغيير يذكر على الواقع الاحتلالي الإحلالي القائم ، وهو هدف أوروبي قديم تقرر فيما يعرف بوثيقة كامبل سنة 1907 أجمعت دول أوروبا الإستعمارية الغربية.
وعليه فاختزال القضية وما يتصل بها مما سبق على المسجد الأقصى أو على القدس الشرقية أو حتى القدس الواحدة ، لا يفي الآية الكريمة حقها ، من وجهة إيمانية إسلامية ومسيحية ، كما لا يحقق أمن أهل فلسطين الكامل في وطنهم ، ولا أمن أهل بلاد الشام وما حولها من بلدان عربية وإسلامية، سواء في الوصول الأمن إلى القدس، أو في أمن بلدانهم واستقرارها ، طالما أن هذا الجسم السرطاني الصهيوني مزروع قسرا في المنطقة .
لقد تلاقت مصلحة الغرب الأوروبي مع الحركة الصهيونية في وقت مبكر من القرن العشرين عندما وجه حزب المحافظين البريطاني سنة 1905 الدعوة الى كل من فرنسا وهولندا وبلجيكا واسبانيا وإيطاليا لعقد مؤتمر يضع سياسة استعمارية موحدة تجاه العالم العربي، تضمن تحقيق مصالهم الإستعمارية ، وبعد عامين من المباحثات توصلت الدول الأوروبية ألـ 6 إلى وثيقة سرية أطلق عليها إسم وثيقة كامبل (هنري كامبل بنرمان ) وهو رئيس وزراء بريطانيا وقتها من حزب الأحرار .. باعتبار أن بريطانيا هي الدولة صاحبة المشروع ( رغم تبدل الحزب فيها ).
وخلاصة الوثيقة أن الأمة العربية لا تقع ضمن الحضارة الغربية ، وأنه يوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديداً لتفوق ومصالح الحضارة الغربية ، باعتبارها تقيم على ضفاف البحر الأبيض المتوسط الشريان الحيوي للإستعمار والجسرالذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي الى القارتين الآسيوية والإفريقية وملتقى طرق العالم وهي مهد الأديان والحضارات، وهي أمة واحدة تتوفر على وحدة التاريخ والدين واللغة، وبالتالي لا بد من زرع جسم غريب يفصل المنطقة العربية عن بعضها ، ويستنزفها ويبقي على شعوبها مفككة جاهلة متأخرة.
لقد عقد المؤتمر في ظروف سرية تامة، وكانت الدول المشاركة فيه تزعم أنه مؤتمر سلام.. على نقيض الحقيقة ، حيث أوصى بإقامة دولة في فلسطين بالتعاون مع المنظمة الصهيونية العالمية تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب معادٍ يفصل الجزء الإفريقي عن القسم الآسيوي ويحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب العربية ويقوم باستنزافها وتحقيق أهداف الغرب فيها، وهنا التقت مصالح الحركة الصهيونية مع الغرب الأوروبي، ولم تكن الحركة الصهيونية لتنطوي على بعد ديني، حيث تؤكد الصحيفة الفرنسية l’exprees du midi الصادرة يوم السبت 11 ماي 1907 أن يهوداً ملاحدة كانوا وراء الحركة الصهيونية ، وجدوا في الغرب فرصتهم في إقامة الوطن القومي اليهودي، ومن هنا كانت أولى المستعرات اليهودية في فلسطين ذات محتوى فلاحي اشتراكي.
لقد نوقشت مئات البحوث والدراسات المقدمة للمؤتمر الذي استمر سنتين ، والتي لم يكشف عن بعض مضامينها ، وكان بمثابة المقدمة لكل الويلات اللاحقة بدءاً باتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور ومؤتمر فرساي ومؤتمر سان ريمو ومعاهدة سيفر وقرار التقسيم سنة 1947 وقيام الكيان الصهيوني سنة 1948 وعضويتها في الأمم المتحدة والعدوان الثلاثي واحتلال اراضي 3 دول عربية سنة 1967والإتفاقيات المذلة لاحقاً ، وما نرى من تهافت دول عربية للتحالف مع الصهيونية ممثلة بـ ( إسرائيل )* .
من هنا فإن افتعال الرئيس الأمريكي ترامب لموضوع نقل سفارته للقدس ، إنما يأتي في إطار إشغال الأمة وتلهيتها عن جوهر القضية المركزية والصراع الرئيس مع العدو الصهيوني ، الذي هو صراع وجود لا صراع حدود ، مع أهمية القدس والمقدسات ..
إن إشغال الأمة بالقضايا الجزئية عن الكلية مهما عظمت تلك القضايا ، هو أسلوب طالما اعتمده الكيان الصهيوني والغرب الأوروبي والأمريكي مع الأمة العربية بإشغالها في كارثة جديدة لنسيان الكوارث السابقة وهكئا .
لكن ذلك لا يعني بحال التزام الصمت تجاه هذا التحدي والإستخفاف بمشاعرالأمة مرة أخرى، بل تحويل ما حدث إلى عنصر إيجابي محفز لتحريك الأمة ليس تجاه القدس والمقدسات فحسب وإنما تجاه مجمل وجود هذا الكيان الغاصب، حيث لا امن ولا استقرار ولا تقدم وتنمية ولا حرية عبادة، ولا وحدة أو عدالة مع بقائه عنصر استنزاف مستدام وفتن وتخلف ، وهو ما اراده التحالف الغربي الأوروبي الإستعماري، قبل قرن ونيف من الزمن، وقد توسع ليضم الولايات المتحدة والمانيا واستراليا وبعض دول اوروبا الشرقية ودول تابعة عربية وإسلامية تفعل ما تؤمر به دون نقاش .
وعليه فجبهة اشتباك الأمة عريضة وواسعة وعميقة، تبدأ ثقافياً..قاعدتها الشعب الواعي المدرك لحقيقة الصراع ودون إنتظار النظام الرسمي العربي ليفعل ذلك ، بل إن الفعل الجمعي للشعب أجدى ، والغرب ومن معه لن يقدر على رصد ومتابعة كل مواطن ليرغمه على التبعية له، ومن هنا تبرز مسؤولية المثقفين والإعلاميين الوطنيين الشرفاء في العمل لاستعادة وتكريس وتعميق وتصعيد الوعي الشعبي الجمعي ، بأهمية أن يمارس كل مواطن على قدر طاقته كل ما لا يخدم العدو ، ومسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة .
التعليقات مغلقة.