تحت ظلال غابة من البيارق الحمراء … السماكية تحتضن جثمان المناضل الشيوعي والقائد الوطني الدكتور يعقوب زيادين
الأردن العربي ( الأربعاء ) 8/4/2015 م …
مع وفاة الامين العام السابق للحزب الشيوعي الاردني الدكتور يعقوب زيادين
خسر الاردن وقوى التحرر العربية والعالمية حالة كفاحية مثلت الشعبيين الاردني والفلسطيني، حيث كان نموذجا يحمل مواصفات الفلاح الاردني البسيط صادقا في انتمائه واصيلا في مواقفه لايتقن فن المراوغة وانطلق في الحياة مبشرا بعالم جديد ينتفي فيه استغلال الانسان لاخيه الانسان وآمن بالعدالة وحق الشعوب الفقيرة بان تعيش حرة وسعيدة.
وشيع في بلدة السماكية شمال مدينة الكرك جثمان الرفيق الزيادين احد ابرز القيادات السياسية في الحزب الشيوعي الاردني والذي شغل موقع امينا عاما للحزب اضافة الى انتخابه نائبا في مجلس النواب الاردني عن مقعد مدينة القدس في العام 1956، وشارك في تشييع الجثمان عدد كبير من النواب والاعيان ومن ممثلي القيادات الحزبية والفكرية والنقابية وممثلي فعاليات شعبية من مختلف مناطق المملكة .
ورفع الشيوعيون الأعلام الاردنية والفلسطينية والسورية اضافة الى اعلام الحزب الشيوعي ، ورددوا أناشيد حماسية وهتافات منها:
•زيادين احنا ع الدرب
•واحنا السلطة واحنا الشعب
•يا رفيق ارتاح ارتاح
•واحنا نواصل الكفاح
•ع خط النار شيوعي
•ضد الرجعية شيوعي
•ضد الاستعمار شيوعي
•ع الصخر بنحفر شيوعي
•** والقى سعود قبيلات ( رئيس اتحاد الشيوعيين الأردنيين ) كلمة :
«حيثما مرَّ يعقوب زيَّادين»*
القلب الذي ظلّ يخفق طويلاً بحبّ الناس والوطن؛
القلب الذي كان بصلابة الفولاذ ورقَّة النسيم العليل؛
القلب الذي كان عامراً بحبّ العدل والحقّ والخير والجمال والحريَّة؛
القلب الذي ظلّ الفقراءُ والمضطهدون والمستغَلّون يحتلّون كلَّ رحابه؛
القلب الذي ظلّ طريّاً وعامراً بنسغ الحياة رغم توالي السنين وراء السنين؛ بل كان يزداد طراوةً وحياةً مع كلّ سنةٍ تمرّ عليه؛
القلب الذي ظلَّ حتَّى آخر يوم مِنْ حياته يتموضع في جهة اليسار، وتتحدَّد الجهات كلّها بالنسبة إليه تبعاً لموقعها مِنْ جهة اليسار؛
•هذا القلب الكبير والعظيم الذي كان يخفق في صدر الرفيق الدكتور يعقوب زيَّادين، أبي خليل؛ الرمز الوطنيّ الاستثنائيّ والقائد الأمميّ الثوريّ الفذّ، كفَّ أخيراً – واأسفاه! – عن الخفقان، وانتقل إلى رحاب الأبديَّة، ليذوب في أمداء الكون، ويصبح مِنْ ضمن أسراره اللانهائيَّة الغامضة. لقد تلاشى هذا الوجود الإنسانيّ العيانيّ المميَّز، ليصبح محضَ فكرة تتخلَّل بعبيرها العَطِرِ مسامات المكان والزمان وتقيم فيها أمداً طويل
وها نحن، اليوم، قد جئنا مِنْ مختلف أرجاء وطننا الغالي الأردن، الذي أحبَّه راحلنا الكبير، وبذل الكثير من التضحيات مِنْ أجله، لنودّع هذا الجسد المثخن الذي تكسَّرتْ عليه النصال على النصال وظلَّ رغم ذلك شامخاً منتصباً حتَّى آخر يومٍ مِنْ حياته، بل لنودِّع هذه النفس الأبيَّة التي ما هانت يوماً، وظلَّتْ دائماً عصيَّة على التدجين والتطويع وتأبى الخنوع.
اليوم، يكمل الزمان دورته؛ فتعود البذرة الطيِّبة مجدَّداً إلى التربة التي نبتت فيها ذات يومٍ بهيٍّ بعيد؛ تعود إلى هنا بعدما أصبحتْ نبتةً خضراء سامقة وتفرّعتْ منها فروعٌ عديدة، وحملتْ فروعها الكثير من السنابل المكتظَّة بالبذور. إنَّه قانون نفي النفي؛ أو بالأحرى، قانون الحياة الرئيس وسرّها العميق.
لقد جئنا، اليوم، إلى هنا، بناء على وصيَّة رفيقنا العزيز الراحل أبي خليل، الذي شاء أنْ يستقرّ جسدُه، في رحلته الأبديَّة، في المكان نفسه الذي كان قد انطلق منه أوَّل مرَّة إلى أرجاء وطنه وإلى العالم.
جئنا ونحن نقول، مع شاعر الأردن الراحل حبيب الزيوديّ:
«وما الحبّ إلا الغيوم على السفح عالية والسماء القريبة
يا سدوم الغريبة
يا سدوم التي عقرت ناقة الله
ما أنت أغنيتي يا جحود ولا لغتي
ولا أنت قافيتي يا جحود ولا وطني
وطني حيثما مرَّ يعقوب زيَّادين يحمل ألواحه وصليبه»
مِنْ تراب هذه الأرض الخيِّرة وهوائها ومائها، ومِنْ أحوال كادحيها وفقرائها وقيمهم النبيلة وسُبُل مواجهتهم لظروف عيشهم الصعبة، استمدَّ يعقوب زيَّادين معاني الحقّ والخير والعدل والجمال والكرامة والحريَّة والكبرياء، التي عمرتْ قلبه.
ومِنْ هنا انطلق إلى دمشق وبيروت والقدس؛ حيث تعمَّقت المعاني الجميلة في نفسه، وترسَّختْ، وتجذَّرتْ، وتسلَّحتْ بالوعي المتقدِّم وبالصلابة والعزم. وإذا كان قد أصبح شيوعيّاً في دمشق وبيروت، فما ذلك إلا لأنَّه كان وفيّاً لفقراء بلاده وكادحيها، وخصوصاً لفقراء وكادحي هذه البقعة الغالية التي أنجبته.
أمَّا في القدس، فقد أصبح يعقوب زيَّادين رمزاً ناصعاً للوحدة الكفاحيَّة للشعبين الشقيقين، الأردنيّ والفلسطينيّ. حيث سجَّلت القدس – آنذاك – مأثرةً وحدويَّةً سامقة، لا تُنسى، عندما انتخبت ابن الكرك، ابن السماكيَّة، نائباً عنها عام 1956. ولم ينسَ أبو خليل القدسَ في يومٍ من الأيَّام؛ بل ظلَّت دائماً لها مكانتها الخاصَّة والحميمة في نفسه. وظلَّت القضيَّة الفلسطينيَّة تمثِّل دائماً وتراً حسَّاساً في أعماق وجدانه وفي قرارة نفسه.
واليوم، ونحن نودِّعه الوداع الأخير، فإنَّ أكثر ما نتذكره مِنْ سيرته هو أنَّه رغم كلّ الهزائم والنكسات والمنعطفات والمحبِطات، التي ألمَّتْ بمنطقتنا وبالعالم، لم يفقد ثقته بالمستقبل، ولم يتزعزع إيمانه بالحريَّة والديمقراطيَّة والتحرّر الوطنيّ والاشتراكيَّة وبمبادئ الشيوعيَّة، ولم يتراجع قيد أنملة عن مناهضته للاستغلال والقهر والتسلّط والتخلّف والتبعيَّة، وظلّ دائماً يحلم بأردن وطنيّ ديمقراطيّ حرّ ومستقلّ؛ أردن للعمّال والكادحين وليس للمستغِلّين والفاسدين والطفيليين والكمبرادوريين.
نَمْ قرير العين، يا رفيقنا العزيز أبا خليل، في هذه البقعة العزيزة مِنْ وطننا الصغير، التي أحببتها ووفيت لها؛ فمبادئك الإنسانيَّة العظيمة راسخة في صدور الكثيرين مِنْ أبناء شعبك، وذكراك الطيِّبة ستبقى خالدة إلى أمدٍ طويل.
التعليقات مغلقة.