لِينتَهِ التمييز والعنف ضدّ النساء والفتيات / د. فيحاء عبد الهادي
د. فيحاء عبد الهادي ( فلسطين ) الثلاثاء 26/12/2017 م …
“إن العنف ضد النساء والفتيات هو أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً وتدميراً في عالمنا اليوم. ولا يزال عدم المساواة بين الجنسين قائما في جميع أنحاء العالم. وسيتطلب تحقيق المساواة بين الجنسين بذل جهود أكثر نشاطاً، بما في ذلك الأطر القانونية، للتصدي للتمييز القائم على نوع الجنس المتجذر بقوة، والذي غالبا ما ينجم عن المواقف الأبوية والمعايير الاجتماعية ذات الصلة”.
من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن التقدم المحرز نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، 2017
*****
ازدحمت الأفكار في رأسي، في طريقي إلى جنيف، مع وفد الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، لحضور اجتماع مع فريق عمل سيداو – جلسة 70، يوم 20 تشرين الثاني 2017، لما قبل دورة اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، (CEDAW Pre-sessional Working Group for the 70th session)، خاصة أن عشرين يوماً فصلت بين حلول ذكرى صدور قرار 1325، وموعد انعقاد الجلسة، وخمسة أيام تفصل بينها وبين الاحتفال باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي يصادف يوم 25، والذي يفتتح الحملة الدولية: “16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة، التي تبدأ يوم 25 تشرين الأول، وتنتهي يوم 10 كانون الأول، وشعارها لهذا العام: “لن نخلِّف أحداً وراءنا..لِينتَهِ العنف ضدّ النساء والفتيات”. ويعزّز هذا الموضوع التزام الحملة بإنهاء العنف ضد النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم، مع الوصول إلى أكثر الفئات ضعفاً وتهميشاً، بمن فيهن اللاجئات والأقليات والشعوب الأصلية والسكان المتأثرون بالصراعات والكوارث الطبيعية”.
هذا التزامن شكّل دليلاً على الاهتمام المتزايد من “لجنة سيداو” بموضوع العنف ضد النساء، وعلى رؤيتها للعلاقة التي تربط بين العنف والتمييز، والتي جعلتها تعتمد توصية (رقم 19) عام 1992، تطالب فيها الدول الأطراف “أن تدرج في تقاريرها الدورية إلى اللجنة بيانات إحصائية عن العنف ضد المرأة، ومعلومات عن تقديم الخدمات إلى الضحايا، والتدابير التشريعية وغيرها من التدابير المتخذة لحماية المرأة من العنف في حياتها اليومية، بما في ذلك حمايتها من التحرش وإساءة المعاملة في الأسرة والعنف الجنسي”.
*****
قدَّم المدير العام تلخيصاً لمداخلة الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، للتقرير الأولي لدولة فلسطين، المقدم للجنة الأمم المتحدة للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، ضمن التحضيرات لعرض تقرير دولة فلسطين حول الاتفاقية شهر تموز 2018. وركّز على القضايا الأساس التي أغفلها التقرير، مثل “مدى إمكانية تطبيق الاتفاقية في قطاع غزة والمناطق المصنفة (ج)، وعدم تحديد المكانة القانونية لاتفاقية سيداو في النظام القانوني الفلسطيني، وموضوع الاستثناءات/ القيود الواردة على ممارسة الحقوق والحريات، وعدم الربط بين التمييز ضد المرأة والعنف ضدها، ودور الدولة في تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لإزالة التحيز والممارسات التقليدية، وضعف الموازنات المخصصة للمرأة، والمعلومات الخاصة بالفئات المهمشة من النساء، وحقوق المرأة الصحية، وانخفاض عمالة المرأة”.
ولا شك أن غياب المبادئ الدستورية التي تنظم عملية إدماج اتفاقية سيداو في النظام التشريعي الوطني؛ تعني عدم إلزامية الاتفاقية للهيئات الرسمية وغير الرسمية كافة، في دولة فلسطين، “وذلك لعدم وجود إطار قانوني ينظم عملية دمج هذه الاتفاقيات في النظام القانوني الوطني، وعدم نشرها في الجريدة الرسمية لدولة فلسطين “الوقائع الفلسطينية”.
كما أن عدم الربط بين التمييز ضد النساء والعنف لا يتيح للدولة أن “تتخذ تدابير شمولية لتفكيك النظام الأبوي والسيطرة الجماعية”، لأن انعدام المساواة يتيح العنف، وينتج التبعية للرجل وليس الشراكة معه.
*****
إذا كانت حقوق المرأة هي حقوق إنسان؛ فإن حقوق الإنسان هي حقوق المرأة، منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي صدر يوم 10 كانون الأول عام 1948؛ الذي أكد في مادة 2؛ أن لكلِّ إنسان حق التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في الإعلان، “دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسياً وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيّ وضع آخر”.
وإذا كان الإعلان غير ملزم لدول العالم، رغم قيمته الأدبية والمعنوية الكبرى؛ إلاّ أن الاتفاقيات الدولية ملزمة لمن يوقِّع عليها.
*****
تميَّزت اتفاقية سيداو (القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) بأنها وسَّعت حقوق الإنسان، وركّزت على تأثير الثقافة والتقاليد في تقييد حقوق النساء، وطالبت الدول التي وقَّعت عليها باتخاذ الإجراءات والتدابير القانونية الكفيلة بتحقيق المساواة، وإلزامهم بتعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لإزالة التمييز، وتكريس المساواة، واحترام الكرامة الإنسانية.
كما تميزت بالربط بين أنواع التمييز كافة: “استئصال شأفة الفصل العنصري وجميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري والاستعمار والاستعمار الجديد والعدوان والاحتلال الأجنبي والسيطرة الأجنبية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول أمر أساسي بالنسبة إلى تمتع الرجال والنساء بحقوقهم تمتعاً كاملاً”.
*****
وإذا كانت دولة فلسطين قد وقعت على اتفاقية سيداو، بمناسبة يوم المرأة العالمي: 8 آذار 2009، “بما ينسجم وأحكام القانون الأساسي الفلسطيني”، مع مطالبة “الجهات المختصة كافة، كل فيما يخصه، تنفيذ أحكام هذا المرسوم، ويعمل به من تاريخ صدوره، وينشر في الجريدة الرسمية”.
وإذا كانت دولة فلسطين قد وقعت على الاتفاقية ذاتها “دون تحفظات” عام 2014، كاستراتيجية وليس تكتيكاً، إيماناً بأن النظام السياسي نظام ديمقراطي، وليس مجرد رد فعل على فشل المفاوضات؛ فما الذي يمنع من تنفيذ أحكامها، وتجسيد مبادئها، ونشرها في الجريدة الرسمية؟
*****
في إجابة عن سؤال طرحته “لجنة سيداو”، حول آمال وآفاق تطبيق الاتفاقية في فلسطين:
هناك مستويان يمكن لهما أن يسهما في تطبيق الاتفاقية: المستوى الرسمي، الذي يمكنه أن يدمج الاتفاقية في النظام التشريعي الفلسطيني، ويضع آليات لضمان تنفيذها، والمستوى الشعبي، وخاصة النسوي، الذي يمكن أن يتبنى الاتفاقية؛ إذا أحسّ أن النضال ضد أنواع التمييز كافة هو انتصار لمبدأ المساواة والعدالة، ما يساهم في بناء مجتمع ديمقراطي، يشارك أبناؤه معاً في الكفاح من أجل الحرية والاستقلال، وفي التنمية الوطنية والإنسانية.
[email protected]
www.faihaab.com
التعليقات مغلقة.