أنفاق الفيتكونغ / د. محمد رقية
د. محمد رقية ( السبت ) 31/12/2017 م …
عندما تكون في مدينة هوتشي منه الفيتنامية فأول مايدعوك إليه الأصدقاء هو زيارة الأنفاق , التي كان يستخدمها الثوار الفيتناميون ( الفيتكونغ )في حربهم ضد القوات الأمريكية الغازية والتي تقع على بعد حوالي 65 كم إلى الشمال الغربي من المدينة , وعندما تزور هذه الأنفاق تقف مشدوها” أمام عظمة هذا الشعب وعظمة هؤلاء الثوار الذين واصلوا الليل بالنهار لتحقيق الإنتصار .
يبلغ طول هذه الأنفاق 250 كم وهي موجودة على ثلاث مستويات , يقع المستوى الأول على عمق 3م والمستوى الثاني على عمق 6م والثالث يقع على عمق 10م وهي موصولة فيما بينها بأنفاق أخرى كل عشرين أو خمسين مترا” وجميع هذه الأنفاق حفرت بالمعاول . تتصل هذه الأنفاق في بعض الأماكن بنهر الميكونغ , التي كان الثوار ينتقلون منها مباشرة إلى النهر ليستخدموه ليلا” في مهاحمة معسكرات ونقاط الجيش الأمريكي حول مدينة هوتشي منه وضواحيها. والنفق ضيق جدا” بقدر جسم الانسان ولا يمكن لك التحرك في النفق وأنت منتصبا” بل يجب عليك ان تسير منحنيا. وأحيانا” عليك ان تزحف تقريبا. يوجد في هذه الأنفاق قاعات للاستراحة وقاعات للتذخير وصنع الأسلحة ومستودعات للذخيرة وغرف النوم ومستشفيات لعلاج المصابين وأماكن لمعيشة المقاتلين والتخطيط لعمليات المقاومة وقاعات لطهي الطعام ولكي لايظهر الدخان الناتج عن الطهي للطائرات الأمريكية , ابتكر هؤلاء الثوار طريقة لتوزيع الدخان بحيث لايمكن ملاحظته على السطح . وعمدوا أيضا” إلى بناء شبكة من الأفخاخ لاصطياد الجنود الأمركان , والفخ عبارة عن حفرة مستطيلة الشكل , بعمق أكثر من مترين , يوجد في قاعدتها شبكة من أسافين الحديد بارتفاع نصف متر وتغطى بسطح خشبي مموه ومتحرك وعندما يخطوا الجندي فوقها يتحرك السطح الخشبي نحو الأسفل ويسقط في الحفرة لتستقبله أسافين الحديد ليلقى مصيره . أبتكروا أيضا” شبكة من الحفر الدفاعية المموهة جيدا” , يوجد في كل حفرة ثائر واحد فقط , حيث ينتظرون مرورالجنود الأمريكان ليفاجؤهم وينقضوا عليهم . كان يعيش في هذه الأنفاق الآلاف من مقاتلي الفيت كونج، وايضا من القرويين في المنطقة، لمدد طويلة قد تمتد لشهر او اكثر دون ان يخرجوا الى سطح الارض.
وفي بعض الاوقات كانت هذه الانفاق تأوي أكثر من 20 الفا مقاتل ومدني من قرويي المنطقة. وبنفس الوقت كان عدد الثوار الذين يقومون بالعمليات يتجاوز الخمسة آلاف بوقت واحد
فشل الامريكان في اكتشاف وجود هذه الانفاق لسنين طويلة بسبب القدرة المذهلة على اخفاء وجودها، وبسبب شبكة ضخمة من الافخاخ القاتلة داخل الغابات لاصطياد أي امريكي يوجد في المنطقة.
حتى حين اكتشف الامريكيون وجود هذه الانفاق، فانهم فشلوا فشلا ذريعا في تدميرها او اقتحامها رغم كل اساليب الابادة والوحشية العسكرية التي اتبعوها.
في عام 1966، دك الامريكان المنطقة كلها بالقنابل التي القتها قاذفات البي 52. لكنهم فشلوا في اختراقها.
ابادوا الغابات ابادة كاملة باستخدام المواد السامة وحرقوا كل اشجارها، وفشلوا ايضا. ثم قاموا بتدريب وحدات خاصة على اختراق الانفاق اطلقوا عليها “فئران الانفاق” لكنهم ايضا فشلوا في اختراقها، وظلت هذه الانفاق حتى نهاية الحرب عصية على الامريكيين. واستخدمتها المقاومة لمدة 15 عاما كاملة.
كان لتلك الأنفاق أهمية كبيرة لمقاتلي الفيتكونغ في مقاومتهم للقوات الأمريكية الغازية ، وكان لها دور أساسي في أنتصار فيتنام الشمالية في هذه الحرب ومن هذه الأنفاق هاجمت قوات الفيتكونغ مدينة سايغون في عام 1968 ،. وتعد تلك الأنفاق إلى يومنا هذا أحد المعالم السياحية الشهيرة
الحقيقة ان هذه الانفاق تمثل احدى معجزات الشعب الفيتنامي بالمعنى الحرفي للكلمة… معجزة في الصمود و المقاومة وارادة الحياة والانتصار
هي معجزة في بنائها.. وفي الطرق العبقرية للحفاظ على سرية وجودها، وفي تأمينها وحمايتها.. ومعجزة في كيفية تنظيم الحياة بداخلها بما يتضمنه ذلك من طرق للتهوية والاعاشة والاتصال وغيرها
لقد شكلت هذه الأنفاق مدينة تحت الأرض ، عاش فيها الآلاف حياة كاملة.. واي حياة؟ إنها حياة صعبة ومؤلمة وشاقة. عندما دخلت احد هذه الانفاق وسرت في داخله أحسست، أي نوع من الحياة تحملها الفيتناميون داخل هذه الانفاق؟ لكنها إرادة شعب قاوم وانتصر
ستظل هذه الانفاق شاهدا حيا”على معجزة الانسان الوطني وقدراته الجبارة حين يقرر ان يدافع عن وطنه ، وان يتحدى العدوان والهمجية ، وان ينتصر في النهاية.
لقد ذهب في الحرب ضد القوات الأمريكية أربعة ملايين شهيد من العسكريين والمدنيين الفيتناميين ومع ذلك استطاع الانتصار على أكبر قوة غازية في العالم بإصراره على المقاومة وتحقيق الشعار , الذي وضعه قائدهم هوتشي منه مقاومة حتى النصر
متى سيحقق الفلسطينيون هذا الشعار ضد العدو الصهيوني الجاثم على أرضهم ؟؟؟
التعليقات مغلقة.